حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,25 يونيو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 4272

د.عاصم منصور يكتب: الصحة مرآة العدالة

د.عاصم منصور يكتب: الصحة مرآة العدالة

د.عاصم منصور يكتب: الصحة مرآة العدالة

24-06-2025 08:29 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د.عاصم منصور
عندما يُطرح موضوع الاستثمار في الصحة، غالبا ما ينحصر النقاش في حدود المستشفيات والأدوية وتطوير الخدمات العلاجية، بينما يغيب عن الأذهان أن الصحة مفهوم أوسع بكثير من مجرد الرعاية الطبية؛ فالصحة، في جوهرها، انعكاس للعدالة الاجتماعية والظروف المعيشية التي تُحيط بالإنسان منذ وِلادته وحتى وفاته.


يَستعرض مايكل مارموت في كتابه «الفجوة الصحية» مثالًا صارخًا من مدينة غلاسكو الاسكتلندية، حيث تتجاور منطقتان: كالتون الفقيرة وليزلي الثرية. في كالتون، حيث الفقر والبطالة والتشرُّد، لا يتجاوز متوسط العمر 54 عاما، بينما يَصل في ليزلي إلى 82 عامًا. هذا التفاوت الحاد لا يمكن تفسيره فقط بالخدمات الصحية، بل هو نتيجة مباشرة للفوارق الاجتماعية والاقتصادية. وحتى مع بعض التحسُّن الذي طرأ على متوسط عمر قاطني كالتون في السنوات الأخيرة، بقيَت الفجوة قائمة، مما يطرح تساؤلاتٍ عميقة حول جذور الصحة والمرض.

هذه الظاهرة ليست حكرا على غلاسكو أو اسكتلندا، بل نجدها تتكرَّر في معظم دول العالم، سواء كانت غنية أو فقيرة. فالولايات المتحدة، رغم إنفاقها الهائل على الرعاية الصحية، والذي يَصل إلى ضعف ما تُنفقه الدول الغنية الأخرى، لم يؤدِّ هذا الإنفاق الباذخ إلى نتائج صحية تضاهي ما تُحقِّقه الدول الإسكندنافية، التي تُنفق أقل لكنها أكثر عدلًا في توزيع الموارد. أما في الدول النامية، حيث تتفاقم مشكلات الفقر والفساد وغياب العدالة، فإن الفجوة الصحية تُصبح أكثر وضوحًا وقسوة، ويَظهر ذلك جليًّا في انتشار الأمراض المزمنة، والوفاة المُبكِّرة، ونِسب الشفاء من الأمراض الخطيرة مثل السرطان.
من اللافت أن بعض التيارات الفكرية تضع مسؤولية الصحة على عاتق الفرد وحده، متجاهلةً تأثير البيئة الاجتماعية والاقتصادية. وهذا التوجُّه يُبرِّر غياب العدالة، ويَجعل من الصعب معالجة جذور المشكلة؛ فأي محاولة لتحسين المؤشرات الصحية دون معالجة غياب العدالة الاجتماعية ستظل قاصرة وغير مكتملة.
لقد كشفت جائحة كوفيد 19 عن هشاشة الأنظمة الصحية في مواجهة غياب العدالة، حيث ظهرت الفوارق في فُرص العلاج والحصول على اللقاحات بشكلٍ صارخ. وأصبح واضحًا أن تحقيق الصحة للجميع يتطلّب مراجعة شاملة للسياسات الاجتماعية والاقتصادية، وضمان الحقوق الأساسية في الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
لا يمكن بناء مجتمع صحي دون تحقيق العدالة الاجتماعية؛ فالصحة ليست امتيازا لفئة دون أخرى، بل حق أصيل لكل إنسان، بغض النظر عن طبقته أو مستوى تعليمه أو مكان إقامته. فالاستثمار الحقيقي في الصحة يبدأ من الاستثمار في العدالة، ومنح الجميع فرصا متكافئة لحياة كريمة وصحية.











طباعة
  • المشاهدات: 4272
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
24-06-2025 08:29 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة المياه والري بقيادة الوزير المهندس رائد أبو السعود؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم