حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,18 يونيو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2930

أ. د. ليث كمال نصراوين يكتب: تأمين السرطان تكريس للحق في الصحة

أ. د. ليث كمال نصراوين يكتب: تأمين السرطان تكريس للحق في الصحة

أ. د. ليث كمال نصراوين يكتب: تأمين السرطان تكريس للحق في الصحة

18-06-2025 08:27 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
أبرمت الحكومة قبل أيام اتفاقية مع مركز الحسين للسرطان لشمول فئات واسعة من الأردنيين في التأمين المجاني ضد مرض السرطان، وهم كل من تجاوز عمره الستين عاما والأطفال إلى ما بعد سن الرشد القانوني ومنتفعي صندوق المعونة الوطنية بصرف النظر عن فئتهم العمرية. وبذلك تكون الحكومة قد تعاملت بمهنية عالية مع ملف الإعفاءات الطبية، والأهم من ذلك أنها قد أوفت بالتزاماتها الدستورية فيما يخص الحق في الصحة، الذي يعتبر حجر الزاوية لممارسة باقي الحقوق والحريات الفردية الأخرى، كالحق في الحياة والتعليم والعمل.

فعلى الرغم من خلو الدستور الأردني من أي نص صريح يتعلق بالحق في الصحة، إلا أن المشرع الدستوري قد ألزم الحكومة بتوفير الرعاية الصحية وكافة أشكال الحماية الاجتماعية للأشخاص كبار السن وللأطفال، حيث تنص المادة (6/5) من الدستور بحلتها المعدلة في عام 2022 على أن «يحمي القانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ويعزز مشاركتهم واندماجهم في مناحي الحياة المختلفة، كما يحمي الأمومة والطفولة والشيخوخة ويرعى النشء ويمنع الإساءة والاستغلال».

فمن مظاهر حماية الطفولة والشيخوخة التي فرضها المشرع الدستوري على الدولة توفير الرعاية الصحية المجانية لهاتين الفئتين من أفراد المجتمع، والتي جرى تقريرها في السابق للعلاج من الأمراض العادية، ليتم توسيع نطاقها مؤخرا لتشمل العلاج من المرض الخبيث.

كما يتوافق القرار الحكومي الأخير مع باقي الالتزامات الدستورية المقررة عليها، والتي تشمل الحفاظ على السلم اﻻجتماعي، وعلى الأسرة الأردنية باعتبارها أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن. فمن خلال توفير العلاج المجاني من مرض السرطان لكبار السن ومن هم في ريعان الطفولة والشباب تكون الدولة الأردنية قد ساهمت بشكل مباشر في حماية كيان الأسرة وتقوية أواصرها وروابطها العائلية.

وعلى صعيد القانون الوطني، فإن شمول الأطفال بالتأمين المجاني ضد مرض السرطان يعد تنفيذا لأحكام قانون حقوق الطفل رقم (17) لسنة 2022، الذي ينص على ضرورة تقديم الرعاية الصحية المثلى للأطفال، وتقديم الخدمات الطبية المجانية لهم في الحالات المرضية التي تهدد حياتهم.

ومن منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن اتفاق الحكومة مع مركز الحسين للسرطان يتماشى مع المعايير الدولية للحق في الصحة كما أقرتها العديد من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن، وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص في المادة (15) منه على أن «لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة له ولأسرته، ويشمل المأكل والملبس والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية».

كما تنص المادة (17) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 بالقول «تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه»، وتكرّس المادة (3) من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 الحق في الصحة إذ تلزم الدول الأطراف بأن تتقيد المؤسسات المسؤولة عن حماية الأطفال بالمعايير التي وضعتها السلطات المختصة، ولا سيما في مجالي السلامة والصحة الجسمية.

إن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان تقر بصعوبة ضمان الحق في الصحة بشكل كامل من قبل دول العالم وذلك لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية وطبية متعددة، في مقدمتها الحروب والنزاعات المسلحة، وظهور أمراض جديدة لم تكن معروفة مسبقا آخرها فيروس كورونا، وزيادة حالات الإصابة بالأمراض القاتلة كالسرطان ومتلازمة نقص المناعة المكتسبة.

لذا، فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان يدعو الدول إلى التوسع التدريجي في التغطية الصحية من هذه الأمراض ويقر بحق الدول في مراعاة أوضاعها الخاصة بها عند توفير الحق في الصحة وتأمين العلاج. وهذا بالفعل ما قامت به الدولة الأردنية؛ فهي وإن تأخرت في إقرار التأمين الصحي المجاني من مرض السرطان للفئات العمرية الأكثر حاجة، إلا أنها كانت وعلى الدوام توفر فرص أخرى للعلاج من هذا المرض، وذلك من خلال الإعفاءات الطبية التي كانت تمنحها لمواطنيها، وحتى لرعايا الدول الأخرى، في العديد من الحالات الإنسانية.

ويبقى العامل الأهم في تكريس الحق في العلاج المجاني من مرض السرطان، أن المعايير التي جرى إقرارها للمستفيدين من التأمين المجاني قد جاءت لتحقق عنصري العدالة والمساواة بين الأردنيين. فكل من بلغ الستين من عمره أو لا يزيد عمره عن التاسعة عشر عاما سيستفيد من اتفاقية العلاج الجديد بصرف النظر عن حالته المادية أو الاجتماعية أو المنطقة الجغرافية التي ينتمي إليها.

فمن عناصر الحق في الصحة كما تشترطها المعايير الدولية لحقوق الإنسان توفيره للجميع وعدم التمييز أو المفاضلة بين من يستحقون العلاج من المرضى، وهذا ما قررته الفقرة (د) من المادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تنص على وجوب قيام الدول بتهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض.

أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة

laith@lawyer.com











طباعة
  • المشاهدات: 2930
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
18-06-2025 08:27 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة المياه والري بقيادة الوزير المهندس رائد أبو السعود؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم