حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,8 مايو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 4668

أكرم الزعبي يكتب: لف ودوران

أكرم الزعبي يكتب: لف ودوران

 أكرم الزعبي يكتب: لف ودوران

08-05-2025 04:03 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
يصيبني رغيفُ الخبز بشكله الدائري الأحمق بنوعٍ من الضيقِ الذي لم اعد أحتمله، لأنّه يذكّرني بعَجل السيارة الذي لا يتوقف عن الجري والدوران، ويشعرني كلّما حملتهُ، أنّه ما يزال يمارسُ سياسة (اللف والدوران) بأسماء ومسميّات مختلفة، تبدأ بـ(المشروح) الكبير الرقيق، مروراً بـ (الكماج) الصغير السمين، ثمّ الآلي المحسّن والأبيض والأسمر وأسماء أخرى لا أعرفها.


الشكل الدائري لرغيف الخبز أصبح (موضة قديمة) نسيها العالم الحديث، وظلّ العربُ متمسكون بها، ربما لأنّها تشكّلُ صورةً حقيقيةً عن واقعٍ يعيشونه، وأزمةٍ يعانون منها، كلٌّ على حسبِ وضعه ومقامه ومكانته.


سياسة (اللف والدوران) سياسة نتقنها عندما نحاول تبرير أخطائنا، أو فرض أفكارنا، أو تسويق ما يصعب تسويقه، وذلك من باب (عنزة ولو طارت)، ولا مشكلة لدينا في تسخيف رأي الآخر عندما يتعارضُ مع فكرةٍ نؤمن بها، أو مجموعةٍ ننتسبُ إليها، من دون إعطاءِ الآخر المخالف فرصة توضيح فكرته أو رأيه، في عملية مصادرة واضحة، تصلُ أحيانًا حدّ الإقصّاء المتعّمد ضمن سيكولوجيا ذاتية مرضية، مرعوبة من كل شيء.


سياسة (اللف والدوران) صارت جزءًا من التركيبة الداخلية النفسية، وهي بالمطلق نوعٌ من النفاق الذي لا يشعر به صاحبه، لأنّه تعايش معه ولم يعد يراه نفاقًا في عين نفسه، ولكنه يراه بوضوحٍ شديدٍ لدى الآخرين، ينتقدهم ويعيبه عليهم دون أن يشعر أنّه يمارسه في كل كلمةٍ يقولها، وحركةٍ يتحرّكها.


الانتخابات – أيّ انتخابات – مثلًا, ما تزالُ تقومُ على نظام (الفزعة) للمرشح، الفزعة التي تأخذ شكل الجماعة العشائرية، أو الجماعة الحزبية، أو الجماعة الجغرافية، أو الجماعة الدينية، بغض النظر عن مواصفات المرشح، فعلى حين ننادي دائمًا بانتخاب الأكفأ والأصلح قبل أيّ موسم انتخابات، وعلى حين نلعن الخراب وننتقد الفساد ونوّجه اللوم والعتب، لكنّنا عند الانتخاب ننسى كلّ ذلك، ونصطّفُ خلف الجماعة التي ننتمي إليها وننتخبُ مرّشحها ضاربين عرض الحائط بكل قناعاتنا، ويستوي في ذلك الصغير والكبير، والجاهل والمتعلّم، ويصلُ الأمرُ أحيانًا إلى أن ننتخب المرشح على طريقة (أنتخبُ لا حُبًّا بزيد، ولكن كُرهًا بعمرو)، لأننا ما زلنا ببساطة شديدة (ما بنعرف ننتخب).


ربما يكونُ التعميمُ ظالمًا بعض الشيء، لكنّه صحيحٌ إلى حدٍّ كبير، فالرؤية التي تراها النخب من أبراجها العالية، تختلفُ كثيرًا عن الرؤية التي يراها من يسيرُ في الشوارع، ويتعاملُ ويتعايشُ مع عموم النّاس عن قربٍ في البوادي والقرى والمخيّمات، والتحليلاتُ التي يقوم بها أصحابُ الفكر والرأي في الغرف المغلقة ومن وراء الشاشات تختلفُ تمامًا عن حقيقة ما في الشارع.


الانفصالُ والانفصامُ صارا حالةً يمكن التعايشُ معها، لأنّهما يدوران في مدار سياسة (اللفّ والدوران)، والأمثلةُ على ذلك أكثر من أن تُحصى، فكم من الأشياء عملناها رغم عدم قناعاتنا بما نعمل، وكم من المرشحين انتخبنا ونحن في قرارة أنفسنا وفي غرفنا السريّةِ نعرفُ ونعترفُ بعدم صلاحيتهم حتّى لتمثيل أنفسهم، وكم صفّقنا لمنُ نعلمُ تمامًا أنّه يكذب، وكم ما زلنا (نلفُّ وندورُ) ونبرّرُ أفعالنا للآخرين، لا لنقنعهم، بل لنبرر أفعالنا لأنفسنا ونلتمسُ لها العذر، حتى نستطيع مواصلة لعن الخراب الذي نظنُّ أنّنا لسنا جزءًا من عملية صناعته وتركيبته.

المحامي أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين السابق











طباعة
  • المشاهدات: 4668
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
08-05-2025 04:03 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم