08-05-2025 09:56 AM
بقلم : أنوار رعد مبيضين
يبدو أن "إسرائيل" لم تكتفي بالدمارٍ الشامل الذي يلف قطاع غزة، ولا بتصاعد الجرائم بحق المدنيين الفلسطينيين، لم تكتفي بكل ما حدث ، لا بل فجر وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش قنبلة سياسية-أخلاقية من العيار الثقيل: "غزة ستدمر بالكامل، وسكانها سيتركزون في محور موراج، ومن هناك سيغادرون إلى دولة ثالثة" ، لم يكن هذا تصريحًا عابرًا، بل إعلانًا مروعًا يُنذر بنكبة فلسطينية جديدة تُطبخ على نار الدم والنار ، وهنا علينا التوقف عند بعض النقاط الهامة مثل :
أولًا: هذا التصريح يختصر جميع نوايا الإبادة الجماعية ، سيما وأن سموتريتش لم يتحدث عن عملية عسكرية محدودة أو خطة أمنية، بل عن مشروع هندسة ديموغرافية يماثل – بل يفوق – ما جرى عام 1948 ، من تدمير القطاع بالكامل، إلى تجميع السكان في منطقة صغيرة، ثم دفعهم نحو التهجير القسري ، وما قاله يلبي التعريف الدقيق لجريمة الإبادة الجماعية و"النقل القسري"، وهي جرائم يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني واتفاقية روما.
ثانيًا: محور موراج – بوابة التهجير الجماعي : ولعل
اختيار منطقة "محور موراج"، الواقعة جنوب القطاع، ليس عشوائيًا ،فهذه المنطقة كانت مستوطنة إسرائيلية قبل انسحاب 2005، واليوم يُراد لها أن تكون المعسكر الأخير للفلسطينيين، قُبيل ترحيلهم خارج الحدود ، إنها أشبه بـ"المرحلة الانتقالية" في عملية التهجير العرقي ، وكأن التاريخ يعيد نفسه بدموية أشد.
ثالثًا: النكبة لا تزال حية ، ولكن العالم أصم ، نعم فمن يظن أن النكبة انتهت عام 1948 مخطئ. النكبة مستمرة في وعي الفلسطيني، وفي سياسات إسرائيل، وفي صمت المجتمع الدولي ، لكن ما نراه اليوم في غزة يتجاوز النكبة التقليدية ، ونحن أمام مشروع تفريغ كامل للسكان، قد يكون تمهيدًا لإنهاء الوجود الفلسطيني في غزة، وتحقيق الحلم الصهيوني القديم بـ"أرض بلا شعب".
رابعًا: الإبادة الجماعية كأداة سياسية ، حيث تستخدم إسرائيل في غزة أدوات الإبادة كوسيلة ضغط سياسي ، قصف المدارس، استهداف المستشفيات، تجويع السكان، وتدمير البنية التحتية، كلها ليست عمليات عسكرية فقط، بل جزء من خطة شاملة لإرغام الفلسطينيين على الاستسلام أو الرحيل ، تصريحات سموتريتش لم تأت من فراغ، بل تعكس ما يحدث ميدانيًا منذ أشهر.
خامسًا: العالم بين العجز والتواطؤ
فالمجتمع الدولي، في أفضل حالاته، عاجز عن وقف الجرائم ، وفي أسوأ حالاته، شريك في ارتكابها بالصمت والدعم غير المشروط ، خاصة وأن التهجير القسري، بحسب اتفاقيات جنيف، جريمة لا تسقط بالتقادم ، وكل من يدعمها، أو يتغاضى عنها، سيكون في يوم من الأيام في قفص الاتهام الأخلاقي والتاريخي، إن لم يكن القانوني.
سادسًا: نكبة جديدة ، لكن بمقاومة مختلفة ، وهذا ما لم تحسب له إسرائيل حسابًا هو أن الفلسطيني اليوم ليس فلسطيني 1948 ، رغم الحصار والقصف والموت، فإن روح الصمود لم تُهزم ، هناك وعي جمعي بأن غزة هي خط الدفاع الأول عن الوجود الفلسطيني ، وإن كانت إسرائيل تحاول صناعة نكبة جديدة، فإن الفلسطينيين على استعداد لصنع ملحمة جديدة، تنقلب فيها معادلة الضحية والجلاد.
وهنا نحن لسنا بصدد مقال ، وإنما جرس إنذار للمجتمع الدولي ، فتصريحات سموتريتش ليست مجرد كلمات ، إنها جرس إنذار للعالم بأسره ، فالصمت على تهجير شعب بأكمله يهدد النظام الأخلاقي العالمي، ويُسقط آخر أوراق التوت عن المنظومة الدولية ، وإذا لم تُوقف هذه الخطة الآن، فسنكون جميعًا شهودًا – وربما شركاء – في ارتكاب واحدة من أكبر جرائم العصر الحديث ، وقد آن الأوان أن نسمي الأشياء بأسمائها :
ما يجري في غزة ليس حربًا، بل مشروع نكبة شاملة ، والمطلوب ليس بيانات شجب، بل موقف عالمي صارم بحجم الجريمة التي ترتكب أمامنا جميعاً ، وهنا علينا أن نفهم جميعاً : إذا تم تنفيذ هذا المخطط ، فعلينا أن نوديع النظام العالمي الحالي العاجز عن التدخل لوقف هذه الجرائم غير المسبوقة حتى في جرائم حروب الإبادة الجماعية . ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
08-05-2025 09:56 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |