حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,9 مايو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 4825

د. سمير ناصر عليمات يكتب: استقلالية الجامعات في الأردن: حلم مؤجل أم حقيقة منقوصة؟

د. سمير ناصر عليمات يكتب: استقلالية الجامعات في الأردن: حلم مؤجل أم حقيقة منقوصة؟

د. سمير ناصر عليمات يكتب: استقلالية الجامعات في الأردن: حلم مؤجل أم حقيقة منقوصة؟

07-05-2025 10:27 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. سمير ناصر عليمات
في ضوء القرارات الأخيرة الصادرة عن مجلس التعليم العالي وما تبعه من تراجع عن هذه القرارات، يطفو على السطح مجدداً موضوع استقلالية الجامعات، الذي يعد من الركائز والمتطلبات الأساسية لنجاح منظومة التعليم العالي ونهضتها. ويمكن تعريف استقلالية الجامعات بأنه قدرة المؤسسة الأكاديمية على اتخاذ قراراتها بحرية في المجالات الإدارية، والمالية، والأكاديمية، دون تدخل مباشر من وزارة التعليم العالي أو المؤسسات التابعة لها، مع الالتزام في الوقت نفسه بمبادئ الحوكمة والمساءلة والشفافية. ويسهم تطبيق مبدأ الاستقلالية في تعزيز الإبداع الأكاديمي، وتطوير البرامج التعليمية، إذ تمكّن المؤسسات الأكاديمية من اتخاذ قراراتها بعيداً عن التأثيرات الخارجية أو الإجتماعية أو البيروقراطية، وتعزز قدرتها على الإبداع والابتكار وتوسيع آفاق البحث العلمي، مما يساعد على رفد سوق العمل بما يحتاجه من مهن مدربة ومحترفة ومتسلحة بالمهارات اللازمة.
وفي الأردن، يُثار موضوع استقلالية الجامعات بشكل متكرر في الخطاب الأكاديمي والإعلام الرسمي، حيث يتم الدعوة لتطبيق استقلالية الجامعات بوصفها مفتاحاً لتطوير التعليم. وكما تتبنى السياسات التعليمية في الأردن منذ عدة سنوات خطاباً يدعو إلى تمكين الجامعات من إدارة شؤونها الأكاديمية والإدارية والمالية، انطلاقاً بأن مفهوم الاستقلالية تؤدي إلى تعزيز الجودة والحوكمة الرشيدة. ويعتمد هذا الخطاب على محاولة استنساخ وتسويق لنماذج عالمية لجامعات ناجحة تحقق مستويات عالية من التميز نتيجة تمتعها بقدر كبير من الاستقلالية والحرية الأكاديمية. وقد أخذ مفهوم استقلالية الجامعات حيزاً كبيراً في التعديلات التي طرأت منذ فترة ليست ببعيدة على السياسات والتشريعات الناظمة للتعليم العالي في الأردن. ففي هذا السياق، تدعو رؤية التحديث الاقتصادي ٢٠١٦-٢٠٢٥ والاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية ٢٠٢٢ لتخفيف القيود في المؤسسات الأكاديمية من أجل المساهمة في عملية صنع القرار وتطوير سياساتها ذاتيا.
ورغم ما يتم الترويج له عبر الخطاب الأكاديمي والإعلامي حول أهمية استقلالية الجامعات، ورغم وجود إطار قانوني ينظم عمل الجامعات الأردنية، مستنداً على قانون التعليم العالي والجامعات الأردنية رقم 18 لسنة 2018، إلا أن الواقع يظهر فجوة كبيرة بين الخطاب النظري والتطبيق العملي مما يعكس استمرار هيمنة الجهات الرسمية على الكثير من مفاصل القرار الجامعي. ويمكن للمراقب للشأن الأكاديمي بأن يلاحظ أن مجلس التعليم العالي ما زال يمارس دوراً مركزياً في تعيين رؤساء الجامعات وأعضاء مجالس الأمناء، مما يحد من قدرة الجامعات على اختيار قياداتها وفق معايير داخلية مستقلة. كما أن السياسات المالية لا تزال مرتبطة بشكل كبير بالمخصصات الحكومية، مما يجعل الجامعات رهينة لتوجهات الوزارة في كثير من الأحيان.
أما في الجانب الأكاديمي، ما زالت الجامعات تواجه قيوداً تتعلق باعتماد البرامج، واستحداث التخصصات، وتعديل الخطط الدراسية. ففي هذا الصدد، على سبيل المثال لا للحصر، ما زالت الجامعات تحتاج إلى موافقات متعددة، قد تمتد لأشهر أو حتى سنوات، من هيئات تابعة للوزارة لاستحداث أو حتى تعديل مسمى تخصص، مما يؤخر أحياناً مسيرة التطوير والمواءمة مع التقدم التكنولوجي المتسارع، ويُضعف قدرة هذه الصروح العلمية على الاستجابة السريعة لمتطلبات السوق ب والإقتصاد المحلي.
كما تُعزى محدودية الاستقلالية أيضاً إلى غياب ثقافة الحوكمة المؤسسية داخل بعض الجامعات، حيث لا تزال بعض القرارات تتأثر بالعلاقات والأهواء الشخصية. ولعل المتابع لواقع التعليم العالي في الأردن يلاحظ بأن غياب نظم رقابة ومساءلة شفافة داخل الجامعات قد يدفع الجهات الرسمية في بعض الأحيان إلى التردد في منح صلاحيات أوسع للجامعات.
ورغم وضوح الرؤية النظرية في الخطاب الرسمي، ما زال هناك تحديات قانونية ومؤسسية تتطلب إصلاحات هيكلية تضمن التوازن بين الاستقلالية والمساءلة لمواكبة التحولات العالمية في التعليم العالي. إن تحقيق الاستقلالية المنشودة لا يمكن أن يتم دفعة واحدة، بل يتطلب انتقالاً وتحولاً تدريجياً يعتمد على بناء قدرات مؤسسية قوية واصلاحات قانونية للسياسات التشريعية الرقابية من خلال بناء نظم شفافة للمساءلة من أجل مأسسة القرارات الجامعية، وتعزيز ثقافة الإدارة الحديثة، وتنويع مصادر التمويل من خلال الشراكات مع القطاع الخاص، وتطوير برامج الدراسات العليا والبحث العلمي المنتجة. كما هناك ضرورة ملحة إلى إعادة النظر في العلاقة بين الجامعات من جهة ووزارة التعليم العالي ومجالسه وهيئاته المنبثقه عنه من جهة أخرى، بحيث تتحول من علاقة رقابة إلى علاقة شراكة وتوجيه وتقييم .فالاستقلالية ليست هدفاً بحد ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق جودة التعليم وتحفيز الإبداع والابتكار، ولا يزال الطريق إلى بناء استقلالية جامعية حقيقية في الأردن طويلاً، فهو مقترن بإرادة حكومية وإدارية تعي أن الجامعات المستقلة هي شرطٌ أساسي لنهضة شاملة ومستدامة للوطن.

د. سمير ناصر عليمات
باحث وأكاديمي
قسم اللغة الانجليزية وأدابها
كلية الآداب، الجامعة الهاشمية











طباعة
  • المشاهدات: 4825
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
07-05-2025 10:27 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم