حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,26 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 10855

"عالم أوحَد: تطور التعاون الدوليّ": الكلام عن الحرب يفترض الكلام عن السلم

"عالم أوحَد: تطور التعاون الدوليّ": الكلام عن الحرب يفترض الكلام عن السلم

"عالم أوحَد: تطور التعاون الدوليّ": الكلام عن الحرب يفترض الكلام عن السلم

26-10-2016 10:08 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - سرايا - كثيرة هي الدراسات والأبحاث التي تناولت الحروب في العالم وأرَّخت لها، ودرست دوافعها وانعكاساتها الاقتصادية، والديموغرافية، والإتنولوجية، والسوسيولوجية وغيرها، انطلاقاً من قناعة راسخة بأنّ تاريخ البشريّة برمّته هو تاريخ صراعات مسلّحة. ومن أبرز الكتب الكلاسيكيّة في هذا الإطار كتابا "الحرب" (1969) و"سوسيولوجيا الحروب" (1970) لجاستون بوتول الذي راجع فيهما تاريخ فكرة الحرب، مُستعيداً أبرز النظريات المتعلّقة بها، والأحكام التي صدرت في صددها في الأساطير والأديان والمذاهب الفلسفية، وصولا إلى المذاهب الأخلاقية والتشريعية والنظريات السوسيولوجية، وما ذلك إلا للتشديد على فكرة أنّ الحرب ظاهرة طبيعية في حياة الشعوب.
وفي عصرنا الراهن انكبّت الدراسات على محاولة فهم الطبيعة المتغيّرة للحروب الحاليّة، نذكر منها كتاب "الحروب القديمة والجديدة" للباحثة السياسيّة الأميركيّة ماري كالدور (1999)، وكتاب "الحروب الجديدة" (2003) للباحث السياسي الألماني هيرفرايد مونكلر ، وكتاب الباحث الأميركيّ المختصّ في العلاقات الدوليّة يشوع غولدشتاين، "كسب الحرب على الحرب" (2011)..إلخ. وهذه الكتب كلّها تُجمِع على أنّ أُطر الحرب الكلاسيكيّة، التي كان قد حدّدها المؤرّخ البروسي كارل فون كلاوزفيتز في كتابه "في الحرب" الصادر العام 1832، قد انتهت إلى غير رجعة.
وهكذا، لم تأخذ موضوعة السلام الأهمّية نفسها التي احتلّتها موضوعة الحروب في العالم. من هنا جاء كتاب "عالم أوحد: تطوّر التعاون الدوليّ" لمؤلّفه غيّوم ديفان الصادر عن منشورات المركز الوطني الفرنسي للبحث العلميّ (CNRS)، ليُعيد النظر في الرأي السائد بأنّ التعاون الدولي ما هو إلا إيمان ساذج بعالمٍ مثاليّ. ففي كتابه هذا، الصادر حديثاً بترجمته العربيّة عن مؤسّسة الفكر العربي، والذي قام بترجمته الأستاذ نصير مروّة، يحاول ديفان تبيان أنّ التعاون المذكور يلعب دوراً أساسياً في سيرورة السلام وفي مسار إحلاله، حتّى ولو جاء ذلك بطيئاً وغير منتظم في هذا العالم الذي يفتقر إلى الكمال.
جاء الكتاب إذن ليذكّرنا بأنّ الكلام على الحرب يفترض الكلام على السلم، تماماً ككلامنا على الليل والنهار، والموت والحياة، واليأس والأمل، وغيرها من سنن الحياة وتناقضاتها. غير أنّ السلام بالنسبة إلى غيوم ديفان لا يشكّل مجرّد لحظة. وما أغفله كثرٌ، وبخاصّة في ميدان العلاقات الدّولية-وتحديداً في زمننا الراهن المتميّز بكونه زمن "جبروت التقنيّة"- هو بنية السلام هذا وأطره وسيروراته. من هنا تركيزه على هذا البُعد المنسيّ تقريباً، أي على "جملة سيرورات التعاون ومساراته التي تحوِّل العلاقات الدوليّة، في محاولة تأطير علاقات القوّة وموازين القوى، وتحكيم العقل والتعقّل فيها، وتجاوزها. إنّها حركة الديناميّة التعاونيّة بين الدّول وبين المجتمعات التي غدت المنسيّ الأكبر الذي أغفله تاريخ العلاقات الدوليّة".
لقد أعاد المؤلّف الاعتبار إلى التعاون الدوليّ من حيث إنّه هو مفتاح قراءة العلاقات الدوليّة المُعاصرة، متجاوزاً الاعتقاد السائد بأنّ "التعاون الدوليّ" هو تعبيرٌ على قدرٍ من الضبابية والغموض، لكونه نُظر إليه بوصفه "ضرباً من الطوعيّة المُنظَّمة"، وفقاً لتعبير سكوت باريت Scott Barrett، متيقّناً بأنّ " الاعتراف بالآخر، والعمل المنسَّق، والسعي إلى أهدافٍ مشتركة، هي الأشكال المختلفة والصُّور المتنوّعة للنشاطات التعاونيّة"؛ وأنّ هذه " لا تَستبعِد النّزاع مطلقا، ولكنّها تسعى إلى احتوائه ضمن إطار مقبول، أي داخل إطار منظّمة دولية، ومن ضمن قواعد قانونية، وتفاوض". وقد تطلَّب منه ذلك رصد فكرة "التعاون" ودخولها مفرداتنا ومصطلحاتنا منذ النصف الأوّل من القرن التاسع عشر، ليستخلص جوهرها. فتضمَّن "التعاون" بالنسبة إليه وضعيّة الترابط أو الارتهان المُتبادَل بين الفاعلين، بحيث لا يستطيع أيّ طرف منهم أن يبلغ أهدافه، من دون أخذ الآخرين بعين الاعتبار، وذلك في إطار من "التنسيق والتعاون" اللذَيْن يفترضان "إيجاد حل مؤات ومُجز للجميع"، تكون مسألة توزيع المغانم فيه قائمة على النحو الأفضل بحسب المصالح المُشتركة. وإذا كان ذلك ليس سهل التحديد على الصعيد الدوليّ، إلا أنّه لا يعني أنّه يشكّل "سديما ضبابيا يعصى على التناول ويصعب على الإدراك".
بمثل هذه الموضوعيّة العلميّة، يُزعزِع غيِّوم ديفان الأفكار السائدة عن التعاون الدّولي، ليخلصَ إلى أنّه " كلّما كانت نشاطات التعاون الدوليّ عديدة، ومتنوّعة، وكثيفة، تقلَّصت فُرص النزاعات المسلَّحة. التعاون يخدم الأمن؛ بما في ذلك الأمن التقليدي بين الدّول، لأنّه يُعطيه بُعداً جماعيّاً".
فهذا هو الحال مثلا عندما أقرّ مجلس الأمن مرارا، منذ سنوات 1990، أنّ النزاعات الداخلية للدول يمكن أن تشكِّل تهديداً للسلام والأمن الدوليَّين (البوسنة، الصومال، رواندا، ألبانيا، هايتي، جمهورية أفريقيا الوسطى، ساحل العاج، السودان، ليبيا)؛ وفي هذه الحالة تُصبح التنمية الاقتصادية، والاستقرار السياسي، وحماية الأهالي المدنيّين، والإدارة الرشيدة أو التسيير الصالح للموارد الطبيعية، ومهمّات أخرى كثيرة سواها، مسائل تنتمي إلى الأمن القومي كما تنتمي إلى الأمن الدوليّ في الوقت عينه. وهكذا، فإنّ أبعاد الأمن، الداخلية والخارجية، تُصبح متضامنة في ما بينها. وقد التزم مجلس الأمن السَّير في هذا السبيل، وبات من الصعب عليه أن يعود القهقرى إلى الوراء.
والكتاب غنيّ بغير ذلك من الأمثلة والحِجج والبراهين التي تؤكّد أنّ التغيير على الصعيد الدّولي، وبالاستناد إلى تجارب التاريخ، لا بدّ أن يُطاول على نحو متزامن، وإن بنسب متغيّرة، الفعاليّات والفاعلين في النظام الدوليّ، وعلاقاتهم، ونمط "التسوية" الذي يعتمدونه، والذي عادةً ما يكون نمط "التسوية" الغالِب الذي فَرَضته الظروف الموضوعيّة.
ومؤسّسة الفكر العربي هي مؤسّسة دولية مستقلّة غير ربحيّة، ليس لها ارتباط بالأنظمة أو بالتوجّهات الحزبيّة أو الطائفيّة، وهي مبادرة تضامنيّة بين الفكر والمال لتنمية الاعتزاز بثوابت الأمّة ومبادئها وقيمها وأخلاقها بنهج الحريّة المسؤولة، وهيتُعنى بمختلف مجالات المعرفة وتسعى لتوحيد الجهود الفكرية والثقافية وتضامن الأمّة والنهوض بها والحفاظ على هويّتها.


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 10855

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم