01-03-2018 09:49 AM
سرايا - هو قرار الملك الأردني الحسين بن طلال في أول آذار عام 1956 بالتنسيق مع حركة الضباط الأحرار الأردنيين بإعفاء قائد الجيش العربي وهو الضابط الأنجليزي "غلوب باشا" من منصبه إضافة إلى إعفاء كافة الضباط الأنجليز من مهاهم التي منحت لهم في اتفاقية عام 1946.
كانت بريطانيا دولة منتدبة على الأردن منذ عام 1921. وبعد الاستقلال عام 1946، وقعت اتفاقية مع الأردن تقضي بسيطرة الأنجليز على المناصب العليا في الجيش. في خمسينات القرن الماضي، زاد التوتر بين العاهل الأردني الحسين بن طلال وغلوب باشا بالإضافة إلى زيادة الكراهية للوجود الأجنبي في البلاد.
و في فجر يوم الأول من آذار، اتخذ الملك حسين قراره بتعريب قيادة الجيش العربي من الوجود الأجنبي وأصدر أمره إلى أعضاء تنظيم الضباط الأحرار لتنفيذ مغادرة غلوب باشا البلاد فوراً. ومذاك، تسلم الضباط الأردنيون كافة مواقع الجيش العربي الأردني.
حين اتخذ المغفور له الملك الحسين قرار تعريب قيادة الجيش العربي الاردني في الاول من اذار من عام 1956، فان هذا القرار ليس وليد لحظته مطلقا، ولكن تم بعد تطورات وظروف كان الاردن بعد ليس عضوا في المجتمع الدولي وغير معترف به كدولة لها اعتبارها الدولي، رغم اعلان استقلال الدولة في 25 ايار 1946م، الا ان الاردن اصطدم بحق النقض الفيتو الذي رفعه الاتحاد السوفييتي في وجه الاردن كلما تقدم بطلب الانضمام الى الجمعية العامة للامم المتحدة.
كان الحسين رحمه الله يدرك الاسباب الحقيقية وراء ذلك، وانه ليس فقط بسبب ان الشيوعية محظورة في الاردن،وان هناك قانونا اردنيا لمقاومة الشيوعية، وانما هناك اسباب عربية تكمن في طبيعة العلاقات غير المريحة مع الشقيقتين سوريا ومصر المتحالفتين مع روسيا ومحاولة الدولتين دائما النيل من الاردن والتخطيط لقلب نظام الحكم فيه في زمن الانقلابات العربية المتكررة.
كان الاردن يعيش حالة الدولة التي هي على الرصيف وخارج المجتمع الدولي، وكان لا بد من حبكة سياسية للخروج من هذه الازمة، فمنذ منتصف عام 1955 بدأ جلالة الحسين رحمه الله يتعاون بشكل خفي مع حركة الضباط الاحرار في الجيش الاردني التي كانت تطالب بتطهير الجيش من الاجانب، وهذه الحركة مرجعيتها في الاصل سوريا ومصر، وكان هناك تسريب منها الى مرجعياتها بما يفعله الحسين معهم، وبالتالي تهيأت الاجواء لخطوة قادمة هي بفتح قناة اتصال اردنية مصرية، اثمرت عن اجتماعات سورية مصرية اردنية، ومن ثم اخبر الحسين رحمه الله الرئيس عبدالناصر بخطوته القادمة للتخلص من القيادة الاجنبية طالما هي العقبة في تطوير العلاقات العربية العربية، وتم وضع خطة لتعويض الاردن عن المساعدات التي كان يتلقاها من بريطانيا والتي ستنقطع حتما مع اعلان قرار التعريب، وكنتيجة اعرب الاردن عن نيته لتقديم طلب الانضمام للجمعية العامة وابدت مصر استعدادها للوساطة عند روسيا لتفادي اللجوء لحق النقض ضد الاردن، وكان ذلك، وقبلت الجمعية العامة الاردن كعضو كامل فيها وفي منظماتها بتاريخ 15 كانون الاول 1955، ثم يسير الاردن قدما بالوفاء بما التزم به ليعلن الملك الحسين طيب الله ثراه قرار التعريب في الاول من اذار 1956.
نجح المغفور له الحسين بوضع الاردن على خارطة العالم كدولة كاملة العضوية في المجتمع الدولي، وتحدث العالم الحر عن شجاعة الحسين وبجرأة هذا القرار، ولكن هل توقف سيل التآمر على الاردن ..؟؟ بالطبع لا .. فالهدف هو جعل الاردن حظيرة شرقية، وكانت البداية برغبة تقديم اسلحة شرقية وخبراء روس لتدريب الجيش الاردني، بمعنى ان نتحول الى العقيدة الشرقية تمهيدا لان نكون ربيبة لروسيا وغير ذلك، وقد رفض الحسين رحمه الله ذلك ولم تصل المساعدات والتعويض العربي الا من المملكة العربية السعودية، ولكن كانت مبادرة امريكا الفورية بتقديم مساعدات عاجلة للاردن لمنع التغلغل السوفييتي فيه، وهذا كان السبب وراء استمرار مخطط التآمر ضد الاردن من قبل الضباط الاحرار ومجموعة السياسيين من العقائديين البعثيين والشيوعيين،ودخل الاردن في مرحلة اضطراب سياسي وعسكري الى ان استقر الحال مع نهاية عام 1959 بعد سلسلة احداث دراماتيكية،تحتاج الى مساحات اكبر للحديث عنها، ولكن دخل الاردن في مرحلة تناقضات صعبة في علاقاته مع سوريا ومصر والعراق استمرت حتى الى قبل ايام من قمة القاهرة الطارئة بين الحسين وعبدالناصر والاتاسي التي نجم عنها الاتفاق العسكري الذي سبق حرب حزيران 67.
قصة التعريب هي ليست مسألة طرد أو انهاء ضابط اجنبي خدم في الجيش الاردني، بل هي مسألة سياسية معقدة .