15-05-2016 12:24 AM
سرايا - سرايا- يبدو أن حادثة وفاة الطفل عز الدين الهرش التي هزت الرأي العام، ما تزال حاضرة في ذاكرة الآباء. كانت مؤلمة وموجعة، لأنها جاءت نتيجة إهمال دفع ثمنه طفل صغير في عمر الزهور.
عز الدين ابن الستة أعوام الذي توفي إثر صعقة كهربائية داخل مطعم وجبات سريعة في منطقة الألعاب، العام الماضي، زهقت روحه وهو يلهو بجانب إحدى الألعاب التي كانت أسلاكها مكشوفة، ما ينم عن إهمال كبير بحياة هؤلاء الأطفال.
ولم تغب عن بال الكثير من الأهالي الحادثة التي وقعت في صيف العام 2011، وأودت بحياة طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره، فهي تطفو على السطح مجددا، كلما كان الحديث عن خطر يحدق بأبناء هذه الفئة نتيجة الاهمال والتقصير من جهة ما.
إذ لم يتوقع ذوو هذا الطفل المصري الجنسية أن تكون رحلته إلى مدينة الجبيهة في عمان هي ستحمل اللحظات الأخيرة من عمره، بعد أن وقع من على إحدى الألعاب فيها، وخطفت تلك اللعبة منه روحه، ولم يسعفه الصراخ ولا الطبيب في إنقاذ حياته، إذ أظهرت التقارير الطبية آنذاك أن سبب الوفاة نتج عن كسر في العنق وبجرح قطعي في الجزء الأمامي لمنطقة الرقبة.
ومع تلك الحوادث المتكررة، تعود للبال الحادثة التي تعاملت معها مديرية دفاع مدني إربد، وهي إنقاذ (13) طفلا حوصروا داخل لعبة “الدودة” في أحد دور الألعاب وذلك نتيجة انقطاع في التيار الكهربائي وتعطل اللعبة بهم في الطابق العلوي، ولم ينتج عنها إصابات في ذلك الوقت.
تلك الحوادث التي وقعت قبل أعوام، واختلفت مسارح أحداثها، ما يزال يتبعها الكثير من الحالات المخفية التي تقع في أماكن لهو الأطفال، مع اختلاف الأمكنة والنهاية، بعد أن انتشرت خلال الخمس سنوات الماضية الألعاب في الكثير من المطاعم والمولات، التي قد يكون لغياب الدور الرقابي من الجهات المختصة وإهمال الأهل في كثير من الأحيان السبب المباشر في وقوع حالات الوفاة أو الإصابات على أكثر تقدير.
هذه القصص التي اختلفت أشكال الألم في نهاياتها، فتحت الباب على مصراعيه، بالسؤال عن مدى جدية الرقابة وإجراءات السلامة العامة على الألعاب المنتشرة بشكل واسع في أغلب المراكز والمولات والمطاعم، ويرتادها الأطفال بشكل مستمر، بعيدا عن رقابة الأهل.
ونبهت كذلك على “الاستهتار” الكبير من قبل عدة مراكز منتشرة، بعدم الأخذ بعين الاعتبار “تعقيم” الألعاب التي لديها، والتي يستخدمها الأطفال مرارا وتكرارا، وتتجمع بداخلها الفضلات والأوساخ، التي قد تتسبب بأمراض خطيرة ومعدية، ولا يدرك مخاطرها وأبعادها العائلات.
أم سيف شعرت بصدمة كبيرة حينما قررت في أحد الأيام أن تبقى بجوار طفلها وهو يلهو بإحدى مناطق الألعاب في مركز للتسوق، حيث شاهدت عندما كان الأطفال يلعبون في “بركة الطابات” أوساخا وقطعا متعفنة من الطعام “تغوص” في المكان.
استغربت من المشهد، لأنها تدرك حجم الأمراض التي قد يتعرض لها الصغار جراء “قلة” النظافة وحتى انعدامها. ورغم تأكيد أحد المسؤولين أنهم يقومون باستمرار بتنظيف المكان، وخصوصا “بركة الطابات”، إلا أنها متأكدة من أن ما شاهدته ينم عن مساحة لم يتم تعقيمها أو تنظيفها منذ أشهر.
ولأن أم دارين أدركت مبكرا خطورة الألعاب، خصوصا الإلكترونية منها، وبعد حوادث متعددة سمعت عنها، باتت ترفض ذهاب ابنتها لرحلات مدرسية، خصوصا تلك التي فيها زيارة لمدينة الملاهي، أو المراكز التي تضم أماكن مخصصة للألعاب.
وباتت “ترتعب” من فكرة أن يصيب ابنتها أمر ما، جراء عدم التقيد في اجراءات السلامة من قبل البعض، فتفضل أن تكون بجوار طفلتها حينما تلعب لكي تتفقد كل شيء وتطمئن بنفسها.
حالة الخوف على الأطفال لا تقتصر على أماكن اللعب فقط، بل أن أغلب أولياء الأمور أمسوا يخافون على أولادهم من التوجه للمسابح والملاعب، وسلامة النوادي الصيفية التي يجلس فيها الأطفال لساعات طويلة، وبغياب الأهل.
أهال لا يراقبون أبناءهم في أماكن اللعب
“الغد” توجهت إلى مجموعة من أماكن الألعاب المنتشرة هنا وهناك، وكانت معظم الملاحظات، هو ترك الأهل أطفالهم يلهون لساعات دون رقابة من أحد، ما يعرضهم لحوادث خطيرة قد يكون ثمنها حياتهم.
وبين أولياء أمور أنهم لا يرافقون أبناءهم خلال لعبهم في المطاعم ومراكز الالعاب الداخلية في المولات التجارية، بل يتركونهم هنالك، ويعودون اليهم حينما ينتهون من التسوق، أو تناول الطعام في أحد المراكز.
أم تولين تبرر ذلك بأنها مناطق آمنة والأمر الذي يهمها هو عدم خروج أطفالها من المول أو المطعم كونه مكانا مغلقا.
ولكنها بعد أن سمعت عن حالات الإصابات الخطرة والمميتة في أحد المطاعم، شعرت بالكثير من الخوف على ابنتيها ذي العاشرة والثانية عشرة من العمر، فهما تعودتا على الذهاب للألعاب دون مرافقة الأم. والآن باتت تقف كـ “الرقيب” عليهما، رغم أن ذلك برأيها، لن يجدي نفعاً أو يوقف شيئا سيحدث نتيجة عطل ما أو ضعف في اجراءات السلامة.
وفي أحد محال الألعاب الكبرى في عمان، رصدت “الغد” أمّا وهي تناقش أحد الأشخاص العاملين على تشغيل إحدى الألعاب، من أجل السماح لإبنها (7 أعوام) بالركوب في إحداها، والتي يمكن وصفها بـ “الخطرة” على صغار السن. ورغم وجود تحذير مكتوب “لا يسمح للأطفال دون 9 سنوات وممن يعانون من أمراض القلب من ركوبها، أصرت الأم على أن يركبها طفلها رغم ابداء عدم رضا من قبل العامل الذي قال لها “هذا يعتبر إهمالا من الأهل، وردت “إبني وأتحمل مسؤوليته”.
هذه التصرفات “اللامبالية من الأهل”، أحد المسببات التي تؤدي بالأطفال إلى الوقوع في الأخطاء وإلحاق الضرر بهم، دون قصد.
وفي أحد المطاعم، توجهت نادرة محمود مع أطفالها ليلعبوا في إحدى السيارات إلا أنها وجدتها معطلة ولا تعمل، وهنا شعرت الأم بالخوف من الجلوس بالقرب منها خوفاً من ان تكون أسلاكها مقطوعة او مكشوفة وقد تسبب الأذى لأبنائها.
وتقول محمود التي اعتادت على التوجه لهذا المطعم، أنها لم تفكر في يوم من الأيام أن تهتم بما إذا كان هناك مخاطر في غرفة الألعاب الخاصة بالأطفال، إلا أن هذا الهاجس بدأ يراودها بعد أن سمعت عن خبر وفاة الطفل عز الدين الهرش، كغيرها من الأمهات، والتي بدورها تلقي اللوم أيضاً على إدارة المطعم والجهات المختصة التي لا توفر في بعض الأحيان المراقبة الدائمة لمثل تلك المطاعم.
الدور الرقابي على أماكن ألعاب الأطفال
مدير دائرة رخص المهن في أمانة عمان الكبرى المهندس علي الحديدي يؤكد أن دورهم يقتصر في الموافقة أو الرفض على ترخيص المحال التجارية ومن ضمنها المطاعم التي تضم محلات لألعاب الأطفال، غير أن هذه الموافقة تأتي بعد ارفاق موافقة من مديرية الدفاع المدني تبين أن كل متطلبات السلامة العامة متوفرة في المكان المخصص والمراد تقديم الرخصة له.
ويشدد الحديدي على أن أمانة عمان “ليست صاحبة الاختصاص في هذه الجزئية بالتحديد، ويقتصر عملها على إصدار الرخص المهنية فقط لا غير”، نافياً بذلك أي تهمه قد يتم توجيهها لهم من قبل وسائل الإعلام أو المواطنين الذين يرددون هذا الحكم.
ويؤكد الناطق الإعلامي في أمانة عمان مازن الفراجين أن الأمانة ليس لها دور مباشر في مجال الرقابة على الألعاب في المطاعم والمولات الكبيرة، وإنما يقتصر دور لجنة الصحة والسلامة العامة فيها في مراقبة الأغذية والأجواء الصحية بشكل عام، ونظافة الأماكن دون التمييز ما بين الألعاب أو قاعات الطعام، منوها إلى أنه يتم مخالفة كل من يخالف القوانين العامة التي يتطلبها ترخيص تلك الأماكن، ولا يوجد إحصائية معينة لعدد الأماكن التي يتم مخالفتها ما بين الحين والآخر في هذا الجانب.
وأوضح فراجين أن هناك لجنة سلامة عامة مكونة من الأمانة والدفاع المدني والمحافظ، وهي التي تتكفل بمراقبة الألعاب.
في حين يذهب الناطق الإعلامي في مديرية الدفاع المدني العميد فريد الشرع إلى أن دورهم يكمن في أمور السلامة العامة منذ اللحظة الأولى لبناء وتجهيز المنشآت، وذلك من خلال التأكد من وجود التجهيزات المناسب.
ومثال على ذلك، يبين الشرع بأن أي منشأة يتم بناؤها لأي غرض يجب أن يقوم الدفاع المدني بالكشف عن شروط السلامة، من خلال وجود أجهزة الإنذار المبكر عن الحرائق والمخاطر، وذلك حسب طبيعة عمل المنشأة، بالإضافة إلى وجود لجان سلامة عامة وتركيب تمديدات كهربائية آمنه وتأمين المداخل والمخارج، وأبواب عازلة للحريق.
ويعلق الشرع بأن الدفاع المدني ليس هو الجهه الوحيدة المسؤولة على سلامة المرافق في المنشآت بل هناك شركاء آخرون مثل، مؤسسة لجان السلامة العامة في المحافظات الإدارية، وأمانة عمان الكبرى في العاصمة، ونقابة أصحاب المطاعم والحلويات، وغيرها من الجهات الأخرى، وبالتالي، فإن الدفاع المدني لا يعتبر المسؤول المباشر والدائم عن سلامة المرافق، بل يجب أن يكون هناك مراقبة ذاتية من المنشآت، والتي يحرص الدفاع المدني على متابعتها و”التشييك” ما بين الحين والآخر، وتوجيه الإنذارات للمنشأة المخالفة، وإرغامها على تحسين وضعها، ومخاطبة الحاكم الإداري إن تطلب الأمر.
مساعدة مدير التسويق في أحد المطاعم في العاصمة عمان، والتي يتوفر فيها غرفة للألعاب الكهربائية للأطفال، سناء إسماعيل، تقول بأن إدارة المطعم تشدد دائماً في موضوع السلامة العامة في كل مرافق المطعم وليس فقط في غرف ألعاب الأطفال”، إذ أن ذلك يعني سلامة المواطنين والمحافظة على سمعة المطعم في المملكة وخارجها، خاصة وأن للمطعم فروعا أخرى في العالم العربي.
وتؤكد إسماعيل بأن المطعم يحرص على تواجد فني كهرباء في المطعم، من أجل إصلاحه لاي عُطل قد يسبب أضراراً للآخرين، خاصة وأن المطعم يضم الكثير من الأدوات الكهربائية، عدا عن غرفة ألعاب الأطفال، بالإضافة إلى أن مديرية الدفاع المدني تقوم بزيارات دورية للمطعم للتأكد من وجود قواعد السلامة العامة دائماً.
وتبين إسماعيل أن عمال النظافة الذين يتواجدون في المطعم يقومون بين الحين والآخر على تنظيف منطقة الالعاب خصوصا “بركة الطابات”، والتخلص من التالف منها. بيد أنها “تلوم” الأهالي على بعض الأخطاء ومنها إجراءات السلامة العامة، مثل خلع الأحذية للأطفال، عدا عن أن الأهل يضعون أطفالهم في الألعاب الكهربائية دون مراقبتهم وتحميل المسؤولية للموظف المتواجد في قاعة الألعاب في حال حدث أي مكروه للابن.
مديرة مركز زها الثقافي التابع لأمانة عمان الكبرى المهندسة رانيا صبيح تذهب إلى أن الأهل قد يتحملون جزءا من المسؤولية في ترك ابنائهم دون مراقبة وحرص، خاصة ممن تقل أعمارهم عن ست سنوات.
وتبين صبيح أن إدارة مركز زها على سبيل المثال، هي من ضمن مجموعة من الاماكن الترفيهية في عمان، وتحرص إدارتها على أن توفر جميع سبل السلامة العامة للأطفال، إلا أن تلك الإجراءات تصطدم باهمال الأهل واتكالهم على أبنائهم في ممارسة اللعب رغم عمرهم الصغير.
وعن دور الإدارة في مثل تلك الأماكن، تقول صبيح أن الأطفال من سن 3 سنوات وحتى 6 سنوات، يكون المسؤول المباشر والكامل عن رعاية الطفل ههم اهله فقط، ولا تتحمل الإدارة أي شيء قد يحدث له، لأنه من المنطق أن يرافق الأهل أطفالهم في هذه السن. غير أن الأطفال الأكبر سناً يقع على المركز جزء من المسؤولية كون العاملين على تشغيل الألعاب يحرصون على تنبيههم، ولكن لا ينفي ذلك دور الأهل.
ويعود الشرع ليؤكد بأن مديرية الدفاع المدني تقوم بعمل دورات تدريبية في المؤسسات الخدمية، ليكونوا على دراية بأسس السلامة العامة وإنقاذ إي حالة ممكن أن تتعرض للخطر والحوادث. بيد أنه يشدد على أهمية دور الأهل في مساعدة أطفالهم من المخاطر، كون دور الأهل هو الأبرز، وعادة ما يكون اهمالهم من الأسباب التي تؤدي إلى وقوع حوادث.
وكانت «الغد» قد نشرت رداً لوزارة التربية والتعليم في نهاية شهر آذار (مارس) الماضي من خلال الناطق الإعلامي في الوزارة وليد الجلاد، يؤكد عدم تسجيل أي حادثة تذكر لطلبة المدارس الحكومية أو الخاصة في المملكة خلال رحلاتهم المدرسية للعام الدراسي الحالي.
وبين أن الرحلات المدرسية في الأردن تحكمها جملة من الشروط والتعليمات الناظمة وفق قانون التربية والتعليم، من أبرزها منع تنظيم الرحلات للغابات والأحراج ومدن الملاهي والمجمعات التجارية وأماكن الألعاب الخطرة والسيرك وأماكن السباحة وذلك حفاظا على سلامة الطلبة.
- فيروسات وجراثيم تعيش بين الألعاب
ويحذر اختصاصي الطب العام وطب الأسرة الدكتور زياد النسور من الألعاب التي تتواجد في المولات أو المطاعم، خصوصا “بركة الطابات” والتي تضم الكثير من الفيروسات والجراثيم والبكتيريا الضارة والتي قد تكون من مسببات الأمراض الخطيرة على المدى البعيد.
ويؤكد النسور أن جزءا كبيرا من تلك “البرك” قد تحتوي على “البول والبراز” الذي قد ينتج من لعب الأطفال دون شعورهم بذلك، وبخاصة وأن معظم الأطفال هم من أعمار تقل عن خمس وأربع سنوات، وهذا يؤدي إلى حدوث أمراض تنتج من تكاثر جرثومة “الإيكولاي” التي تسبب إلتهاب بالمسالك وغيرها، نظراً لسهولة إنتقالها بينهم.
ولكن درجة الخطورة تشتد، بحسب النسور، كون الأطفال يلعبون في بركة الطابات ومن ثم ينتقلون إلى تناول الطعام في المطعم الذي يضم تلك البرك، دون حرص من الأهل على ضرورة غسل اليدين وتعقيمهما، وهنا تنتقل الجرثومة بشكل سريع ومباشر إلى جسم الطفل من خلال تناول الوجبة في المطعم.
لذلك ينصح النسور جميع أولياء الأمور بتوخي الحيطة والحذر من تلك الألعاب بشكل عام، ولا سيما الألعاب الإلكترونية الأخرى “البلايستشن”، والتي يمسكها الأطفال دون تعقيم وغسل لليدينا لغد