حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,16 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 4404

ماديلا العرب

ماديلا العرب

ماديلا العرب

26-04-2010 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

" قبل عدة سنوات وقبل استشهاد الرئيس ياسر عرفات قادتني الأقدار إلى زيارة تاريخية إلى فلسطين الحبيبة وبالذات إلى مدينة رام الله ضمن وفد طبي لإجراء الفحوصات الطبية إلى الرئيس الراحل ابو عمار اثناء حصاره من قبل قوات الكيان الصهيوني , وكان لمرافقتي لهذا الوفد قصة لها مغزى كبير . كانت زيارة خاطبت روحي فيها الارض والشجر والحجر والإنسان . التقيت فيها لأول مرة الزعيم الفلسطيني الراحل أبو عمار . رأيته كما لم أره من قبل على شاشات التلفاز وفي الصحف . كان رحمه الله قد تعرض قبل ذلك اليوم بعدة أيام إلى انتكاسات صحية أثارت مخاوف من حوله . كان يلبس بذلة رياضة ويعيش في غرفة صغيرة جداً أبعادها لاتتجاوز الثلاثة أمتار طولاً والمتر والنصف عرضاً وتحتوي على خزانة صغيرة وطربيزة عليها مجموعة من الأدوية وكانت بزته العسكرية الكاكي معلقة على مسمار مثبت في الجدار وتحتها ورقة جريدة لحمايتها من الرطوبة . كانت غرفة لها باب فقط وليس لها أية نوافذ للضوء أو حتى الهواء , وقد حبس نفسه بنفسه فيها ولم يكن يخرج إلاً للضرورة القصوى . كان رحمه الله صغير الحجم ولا يتجاوز طوله المتر والنصف ولا يزيد وزنه عن الخمسة وأربعين كيلوغرام على أبعد تقدير . كان كل شيء فيه صغير سوى رأسه وعيناه وابتسامته العريضة . بعد تبادل التعارف والترحيب قام الوفد الطبي بمناقشة الأطباء الفلسطسنيين المشرفين على الرئيس وقاموا أيضاً بإجراء الفحوصات اللازمة له وقد حدثت إشكالية وخلاف للرأي بخصوص مهمتي شخصياً كوني كنت مندوباً لأخذ عينات من الرئيس لفحصها . وقد قام رئيس الوفد الطبي معالي الدكتور أشرف الكردي بإسكات الجميع عندما أوضح لهم وبشكل واضح أن الزعيم ابو عمار يعتبر من أهم الشخصيات لدى الدولة الأردنية وأننا في الأردن نتشارك والأخوة الفلسطينيين الإهتمام والرعاية والمتابعة لصحة الرئيس وحياته وأنه من حقنا ومن منطلق الخوة والمحبة والمصلحة المشتركة أن نطمأن على صحة الرئيس أبو عمار ولا نقبل أي معارضة أو شك في ذلك . بعدها قمت وبمساعدة الممرضة المشرفة على الرئيس بمحاولة سحب دماء من الرئيس أبو عمار , وكانت مهمة شاقة لهزل جسمه ولإمتناع دمه الطاهر من الخروج من شرايينه وبالكاد استطعنا سحب كمية قليلة من هذا الدم الفلسطيني الغالي لنعود به إلى أرض الأردن لنمارس عمليات الفحص والتحليل له . كان رحمه الله ومع صغر حجم جسمه كالطفل الصغير المطاوع لكل من حوله , وكانوا كما رأيتهم كالحواريين يلتفون حوله ويتناقشون ويحتدون ويختلفون ويتفقون ويقررون كما يحلو لهم وكان يكتفي بالنظر إليهم إنتظاراً لإتفاقهم بما يتعلق بأموره الصحية . على مأدبة العشاء جلسنا ومضيفنا وحواريُوه وأخذ يضّيفنا على طاولة الطعام ويقف على قدميه ويضع بصحوننا ويقطع ويقدم الطعام لنا بيديه حتى شعرت بالخجل الشديد . وقال لي رحمه الله " سلم على قرايبك واحد واحد , وإنت بتعرف مين بقصد " وقال لباقي الوفد الطبي " انتم كلكم جايين بمعيًة المجالي " كوني أول مرة أتشرف بلقائه . أكلنا من كل شئ ومن يديه رحمه الله ولكنه لم يأكل سوى صحن لبن صغير , فهو مقنن لأكله ولا يدخن , فقد كان فمه معد للدفاع عن الحق الفلسطيني أكثر منه للأكل . بعدها كان لابد من لقاء الصحافة التي تناهى لمسمعها بزيارة الوفد الطبي الأردني وكانوا يحتشدون خارج مقر المقاطعة المهدم معظم مبانيه والممترس بأكياس الرمل على مداخله . ارتدى الزعيم أبو عمار بزته العسكرية ولبس الحطة والعقال الفلسطيني واثبت الأوسمة والنياشين وعدًل بإحكام خارطة أرض فلسطين بمقدمة حطته وثبتها بوزن عقاله الفلسطيني ورافقه حواريُوه إلى خارج المبنى ليواجه الصحافة . وقف الزعيم أبو عمار شامخاً واصطف الباقي ونحن من حوله وخلفه وسكت الجميع وإذا بصوت فلسطين يهدر في الفضاء عالياً , وكان صوتاً واحداً , واحداً فقط , يثير الدفء والأمل والقوة والعزة والصمود , كان الحب يظهر في عيون وأسئلة الصحفيين حيث كان اهتمامهم بصحة الرئيس أكثر من اهتمامهم بالسبق الصحفي نفسه . ارتفع الصوت الفلسطيني ممثلاً بالزعيم وسكت له إجلالاً واحتراماً كل من حوله . نظرت إليه رحمه الله في تلك اللحظة وإذا بي ارى زعيماً يكاد رأسه يلامس السحاب من كبر طول جسمه , وكان جميع من كان حوله يلتصقون بأطراف بزته العسكرية كالأطفال حول أبيهم . رأيته وقتها كما لم أره من قبل , كان مارداً جباراً صوته كالرعد ولم يجرؤ أحد على أن تتطاول عيناه أو يظهر صوته على صوت فلسطين , صوت الزعيم أبو عمار .وختم كلامه رحمه الله بثقته المطلقة أننا سوف نصلي في القدس إنشالله . صدقوني أني رأيت الزعيم الراحل رحمه الله أكبر وأضخم من جثة شاروون المكتنزة باللحم . خلال العودة ظللت صامتاً وقابضاً وبشدة على ما تيسر من دم فلسطين, ورحت أقارن بينه ( رحمه الله ) وبين زعيم جنوب أفريقيا المناهض للعنصرية نيلسون مانديلا . هذا الزعيم كان يناهض قسماً من شعب جنوب افريقيا كان يحكم الأغلبية السمراء بقوانين عنصرية , ووقف العالم كله إلى جانبه وساندوه , أمًا الزعيم ابو عمار فكان يناهض قطعان الصهاينة الذين احتلوا أرض بلده وقتَلوا شعبه وأقاموا ما يسمى بدولة إسرائيل مدعومين من كل العالم الغربي الحر . وقد رأيته في سجنه التطوعي . عندها أيقنت ان كل الشعب الفلسطيني محاصر ومسجون كما هو زعيمه . وأيقنت أنه من الخطأ في حق أبو عمار أن ألقبه بـ " مانديلا العرب " ولكن من الأجدر أن أشرف نيلسون مانديلا الجنوب افريقي والقبه بـ " أبو عمار جنوب أفريقيا " . هل عجز الشعب الفلسطيني أن يصنع زعيماً بحجم أبو عمار ؟! هل عجزت الأمهات الفلسطينيات أن ينجبن زعيماً بحجم أبو عمار ؟! . لا أطالب بزعيم طوله متران ووزنه فوق المائة وعضلاته مفتولة ويأكل اللحم البشري ويطلق الشرر من عينيه ويرى ابعد من الأفق , بل اطالب بزعيم مثل أبي عمار .. زعيماً مؤمناً بربه وبشعبه وبقضيته ويحتوي شعبه بكل اتفاقاتهم وتناقضاتهم واختلافاتهم وآلامهم وآمالهم . هل ذلك مستحيل ؟! . إنني مؤمن أن الختيار , لأنه الختيار كان حكيماً , ولا بد أنه زرع بذرة القيادة في شخص ما في مكان ما ... .








طباعة
  • المشاهدات: 4404
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
26-04-2010 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما رأيك بأداء وزارة الاستثمار برئاسة مثنى الغرايبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم