10-05-2012 07:05 PM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعد :
لقد ذب العلماء عن علوم و تراث العرب , فطارد علماء العربية دعاة العامية , وطارد علماء الأنساب الأدعياء والملتصقين بأنساب غيرهم , فكانوا صمام أمان لتراث العرب .
وعندما كثر الإدعاء والإنتساب , أشهروا علماء هذه الامة سيوفهم لمطاردة هؤلاء الأدعياء والمتعبثين في أنساب العرب وتراثها , فلاحقوهم بالرماح والنبل ,فرجع هؤلاء الأدعياء بخفي حنين وصحيفة الملتمس .
وقد وجد هؤلاء الأدعياء بعض الجهال يمررون عليهم أباطيلهم في كتب وشهادات , فأنبرى لهم أهل العلم ونسفوا أقوالهم وجرحوا أصحاب تلك المؤلفات التي بنيت على الركاكة والغش والجهل .
ثم خرج بعض الأدعياء يتمايل طرباً ويجمل على ظهره مقولة ( الناس مؤتمنون على أنسابهم ) فوجدها مدخل واسع لما يريده , لكن علماء هذه الامة أغلقوا عليه ذاك المدخل ولن يخرج منه إلا بعلم وبرهان إن كان صادقاً .
وهذه المقولة ( الناس مؤتمنون على أنسابهم ) شرحها أهل العلم , وقد قال بكر ابوزيد ـ رحمه الله وغفر له ـ في ( فقه النوازل ) (1/122) ( الناس مؤتمنون على أنسابهم ) : لا أصل له مرفوعاً، ويؤثر عن الإمام مالك رحمه الله تعالى. وهاهنا فائدة يحسن تقييدها والوقوف عليها وهو أن هذا ليس معناه تصديق من يدعي نسباً قبلياً بلا برهان ، ولو كان كذلك لاختلطت الأنساب، واتسعت الدعوى ، وعاش الناس في أمر مريج، ولا يكون بين الوضيع والنسب الشريف إلا أن ينسب نفسه إليه. وهذا معنى لا يمكن أن يقبله العقلاء فضلاً عن تقريره. إذا تقرر هذا فمعنى قولهم " الناس مؤتمنون على أنسابهم " هو قبول ما ليس فيه جر مغنم أو دفع مذمةٍ ومنقصة في النسب كدعوى الاستلحاق لولد مجهول النسب. والله أعلم . ).
فضيقت بالأدعياء السبل فلا مفرج لهم إلا أن يرجعوا إلى الله وينتسبوا الى اَباءهم .
وقد طارد علماء الامة إدعاءات الدولة العبيدية وبينوا زيفها , فصنف الامام ابوشامة كتاب ( كشف ما كان عليه بنو عبيد من الكفر والكذب والكر والكيد ) وكذلك صنف الباقلاني كتاب ( كشف الأسرار وهتك الأستار ) وصنف ابو حامد الاسفرائيني والقدوري وغيرهم في إبطال انساب العبيديين .
وفي زمن الدولة العبيدية كثر الأنتساب الى ال البيت ـ رضوان الله عليهم ـ وكثر إنتساب أهل التصوف الى النسب العلوي فأنتسب اصحاب الطرق الرفاعية و الشاذلية والنقشبندية والقاديانية وغيرهم الى ال البيت ـ رضي الله عنهم ـ بالكذب والبهتان .
وقد طارد الإمام الذهبي إدعاءات ابو الخطاب الكلبي في انتسابه الى الصحابي دحية الكلبي ـ رضي الله عنه ـ ونسف أقواله ,كما في ) الميزان في نقد الرجال ) (3/186) : (عمر بن الحسن أبو الخطاب بن دحية الاندلسي المحدث متهم في نقله مع أنه كان من أوعية العلم , دخل فيما لا يعنيه من ذلك أنه نسب نفسه فقال : عمر بن حسن بن علي بن محمد بن فرح بن خلف بن قومس بن مزلال بن ملاك بن احمد بن بدر بن دحية بن خليفة الكلبي , فهذا نسب باطل لوجوه :
احدها : أن دحية لم يعقب .
الثاني : أن على هؤلاء لوائح البربرية .
وثالثها : بتقدير وجود ذلك سقط منه أباء فلا يمكن أن يكون بينه وبينه عشر أنفس ).
وقد رد الأديب محمود شكري الألوسي على يوسف النبهاني الصوفي حيث قال كما في ( غاية الأماني ) ) 2/ 213) : ( فالنبهاني المخذول ان كان منتسباً لنبهان بن حرام بن عمر بن الغوث وبنو نبهان بطن من طي فليس لقبيلته فضل على بني باهلة بل هم سواء في نظر الشرع والعقل , هذا ان سلمنا له دعوى هذا النسب وان قلنا انه نبطي من انباط الشام أو من الجرامقة ـ كما هو الظاهر ـ ).
فتاريخ مطاردة الأدعياء قديم ولا يزال , وليس هذا من الطعن في الأنساب كما يزعم البعض , فإن الطعن بالأنساب بينه أهل العلم في مؤلفاتهم , قال ابن حجر العسقلاني في ( الفتح ) (5/211) : (الطعن في الأنساب أي القدح من بعض الناس في نسب بعض بغير علم ) وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب كما في ( الفتاوى ) (1/52) : ( الطعن في الأنساب فُسِّر بالموجود في زماننا ينتسب إنسان إلى قبيلة ويقول بعض الناس ليس منهم من غير بينة بل الظاهر أنه منهم "والمعنى أن هذا ذنبه عظيم ، أما إذا كان من علم ومعرفة كنقل واقع معين ، أو أمر مستفيظ في منطقة ، أو إطلاع على وثيقة معروفة وموثقة ، أو كتا ب قديم فهذا لا بأس به بل إن ذلك من إنكار المنكر الذي حذر منه المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو إدعاء النسب فقال: (من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ) ......... ).
فالأدعياء والمتعبثين في هذا العلم الشريف , كان أهل الحق لهم بالمرصاد يطاردونهم في أوكارهم ويبينوا أباطيلهم وأكاذيبهم بالبرهان والحجة .
وفي هذا الزمان كثر تواجد بعض الجهال الذين تصدروا للكتابة في علم الأنساب وهم اليوم كثر , أفسدوا هذا العلم وفتحوا الأبواب لكل من هب ودب , فأصبح كل من قال أنا شريف النسب دونوا نسبه في كتبهم دون تحقيق ودراسة ونسبوا قبائل الى غير أنسابها فأفسدوا انساب العرب والله المستعان .
وكثرت الالقاب بـ ( المؤرخ , النسابة , الباحث الهمام .... الخ ) والمؤلفات والرسائل وهم أجهل الناس في لغة أجدادنا العرب ناهيك عن أنسابهم , تتلمذوا على الأساطير والخرافات , وهذا مما يذكرني بقول الشاعر :
مما يزهدني في أرض أندلس
أسماء مقتدر فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
10-05-2012 07:05 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |