بقلم :

الوحام هو أن تشتهي المرأة الحامل نوعاً معيناً من الطعام أو الشراب، فإن حصلت عليه فقد حققت بغيتها، وإن لم تحقق ما تشتهي ظهر ما تشتهيه على جلد وليدها أو وليدتها على شكل بقعة حمراء أو سوداء على ذمة الموروث الشعبي. وقديماً كانت المرأة الحامل تتوحم على أشياء بسيطة مثل قطعة فحم، قهوة محروقة، رماد، قطف عنب، حبة جوافة، زبيب. ثم تطور الوحام بتطور الحياة فأصبحت الحامل تتوحم على البوظة أو السنكرز أو الكيوي أو الكاشيو. والوحام قابل للتغير والتطور انسجاماً ما التقلبات السريعة التي شملت كل شيء وخاصة المأكولات والمشروبات. ولعل قادمات الأيام تحمل لنا أمزجة غريبة من الوحام، فلا نستغرب أن تتوحم حامل على بوظة مخصوصة من محل معين، أو شاورما من مطعم ما، أو زنجر من الصويفية لحامل تسكن في معان، والأدهى والأمر أن تتوحم حامل على طعام معين لا يوجد إلا في إيطاليا، أو فاكهة لا توجد إلا في الهند، أو مشروب معين لا يباع إلا في كندا، وكل ذلك ليس مستغرباً بوجود الفضائيات التي تنقل لنا كل جديد وغريب من الأطعمة والمشروبات في كل بلدان العالم. ولعل من أطرف حكايات الوحام ما سمعته من صديق أن طفلته خاطبته قائلة: بابا ... أنا أتوحم على شاورما! ... فالطفلة لاحظت أن طلبات الأم عندما تتوحم ملباة حتى لا يظهر على المولود، فاستغلت الموقف ببراءتها ظناً منها أن الوحام حق لك إنسان!! الطفلة لم تجانب الحقيقية عندما ظنت أن الوحام حق للجميع والدليل أن أحدنا يقول: فلان يتوحم على فلان، أي يترصد له زلاته وأخطاءه حتى يحرجه أو يقضي عليه وظيفياً أو أخلاقياً!! وهذا النوع من الوحام يسود المجتمع بكافة أطيافه وألوانه وطبقاته، وكلنا يتوحم بشكل أو آخر، ولعل أخطر أنواع الوحام عندما تتوحم الحكومة!! نعم تتوحم الحكومة، وتوحمها من النوع الخطر الذي لا يرحم، ويتجلى هذا التوحم في مظاهر عدة لا يمكن أن تحصى، ومنها: عندما تتوحم الحكومة على المواطن تتفنن في اختراع الضرائب وفرضها على الناس تحت مسميات وذرائع لا تعدم لها مبررات ودوافع. تتوحم الحكومة عندما تطرح مشاريع قوانين لتشديد قبضتها على المواطن وخنقه وكتم أنفاسه. تتوحم الحكومة على المركبات عندما تترصد أي مخالفة بل وتوقع السائقين في الأخطاء لتفرض عليهم مخالفات لا أول لها ولا آخر. تتوحم الحكومة على المواطن عندما تفرض عليه إعلاماً رسمياً لا طعم له ولا لون ولا رائحة. تتوحم الحكومة على المواطن عندما تعذبه للحصول على الخدمات الأساسية التي يستحقها رغم أنه يدفع مقابلها، فمن منا لا يتعذب عندما ينتظر ساعات طوال للوصول إلى طبيب مختص في مشفى حكومي، ومن منا لا يتعذب عندما ينتظر شهراً أو يزيد للحصول على عداد ماء، ومن منا لا يتعذب عندما يراجع دائرة الأحوال المدنية والجوازات، ومن منا لا يتعذب وهو ينتظر حافلة أو سيارة لتقله من مكان إلى مكان وخاصة في ساعات الصباح وفي نهاية الدوام، ومن منا لا يتعذب وهو يتعرض للإزعاج ليل نهار من مكبرات الصوت على سمع الأجهزة المعنية وبصرها، .... تتوحم الحكومة على المواطن عندما يتظلم المواطن ويراجع مسؤولاً أو وزيراً فيبقى أسابيع أو شهوراً وقد لا يحقق بغيته. تتوحم الحكومة على المواطن عندما تتجبر في امتحانات الثانوية العامة وتتفنن في وضع الألغاز والحزازير لتدل على مقدرة عالية وكفاءة نادرة في وضع الأسئلة. تتوحم الحكومة على المواطن عندما تعين ابن الزرقاء في الجنوب وابن إربد في الزرقاء! تتوحم الحكومة على المواطن عندما تحرم الراغبين في إكمال تعليمهم العالي بحجة التقدير أو ضرورة الإقامة أو الحصول على التوفل وكلها شروط تفتقر إلى الحد الأدنى من العدالة والإنسانية والمنطق. تتوحم الحكومة على المواطن عندما يتعالى كل مسؤول أو موظف على عباد الله ويعاملهم كأنهم من الدرجة الثانية أو الثالثة أمام عطوفته أو سيادته أو حضرته. تتوحم الحكومة على المواطن عندما تقصر في تأمين الماء النقي الصالح للشرب إلى كل بيت أردني، وعندما تتعاجز عن توفير الكهرباء لكل قرية أو تجمع سكاني، وعندما لا تعبد طريقاً لكل قرية أو مكان سكني، وعندما لا تخصص عيادة أو مركز صحي لكل منطقة نائية. تتفنن الحكومات في التوحم، ولن يقف توحمها عند حد معين، ويشرق كل يوم بوحام جديد، وعندما نطالع الصحف صباحاً أو المواقع الإخبارية فكل اهتمامنا ينصب على معرفة وحام الحكومة الجديد لهذا اليوم. وحام النساء الحوامل مرة واحدة وينتهي دون رجعة، أما وحام الحكومات فهو مزمن لا شفاء منه!! كفانا الله وإياكم شر وحام الحكومات، فوحامها شر لا بد منه، ولا مفر منه لأي مواطن. وكل وحام حكومي وأنتم بألف خير أقصد عظم الله أجركم. abd_mosa_75@yahoo.com