حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,2 أغسطس, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 22567

لا تجملوها فإنها قبيحة

لا تجملوها فإنها قبيحة

لا تجملوها فإنها قبيحة

05-12-2011 03:52 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

 تلك الصورة التي تشكلت في ذهني آنذاك . كنت صغيرا حينها ، كان والدي يأذن لي بالجلوس إلى الكبار ، بل كان يصر علي أن أفعل ذلك . حرصت دائما على أدب المجالس ، فكنت وكما كان يوصيني دائما ، ألتزم الصمت أكتفي بالاستماع . مازلت أذكر جيدا كيف كانت مجالسهم ، القهوة العربية الأصيلة شرابهم ، و( الربابة ) آلتهم الموسيقة التي يترنمون على أنغامها بين الحين والآخر وما يرافقها من ( القصيد ) ، لاحظت لغة أجسادهم التي فهمتها حين كبرت ، شفاههم ، ملامح وجوههم ، حركات أطرافهم ...........

كل هذا كنت ألاحظه ، وكنت ألاحظ أيضا نبرات أصواتهم التي تعلو وتخفت مع إيقاع الحدث . كثيرة هي الموضوعات التي كانوا يتداولونها . فمجالسهم التي كانت تنعقد كل يوم ، وتمتد لساعات طويلة ، لاتترك شيئا إلا وتعرض له ، مستذكرة الماضي ، مستعرضة الحاضر ، مستشرفة المستقبل . تختلط عليهم المشاعر وتتلون بلون الحدث ، فمن لحظات جميلة تغمرها السعادة إلى لحظات حزن تدمع لها عيونهم ، ومن لحظات فخر واعتزاز وكبرياء تشتد لها هاماتهم إلى لحظات قهر و أسى تدمى لها قلوبهم .

لست أدري كيف أصف تلك المجالس ، مجالس سمر ، أم صالونات سياسية ، أم وحدات عسكرية ........... إنها كل هذا وأكثر . كانوا يلتقون فيها كأفراد قبيلة يستذكرون مواقف من الماضي وطرائف ، وملامح حياة كانت البساطة أبرز ملامحها ، ثم لا تلبث أن تتحول إلى ساحة معركة ، يلتقون فيها كجنود يستذركون بطولاتهم في دفاعهم عن تراب وطنهم ، وأمتهم العربية ، وعروبة فلسطين وقداسة أماكنها ، لينتهي بهم الأمر إلى حال من القهر والأسى حين يستذكرون ضياع فلسطين العروبة والكرامة ببيتها المقدس ............... . كثيرة هي الصور الجميلة التي اختزنتها ذاكرتي من تلك المجالس ، لكن صورا قبيحة هي الأخرى لا تزال تعرض لي ، قبح إسرائيل ، قبح الحرب ومآسيها ، قبح التشرد ، قبح الجوع والفقر .............. . ليس كقبح إسرائيل قبح ، لكن قبحا آخر كان يستأثر بمجالسهم حين كانوا يعرضون لتعسف بعض الأنظمة العربية في حكمها لبلادها وشعبها ، إنه قبح النظام السوري وقبح بعثه ، حين يستذكرون مجازره في حق كل من يخالفه الرأي ولا يقدم له قرابين الولاء والطاعة ، مجزرة حماة ، سجونهم التي ضرب فيها المثل في التعسف والتنكيل وألوان التعذيب..... . يوما بعد يوم أكبر ، وتلك الصورة القبيحة هي الأخرى تكبر ، تمر السنين وتزداد قبحا فوق قبح ، يأتي النظام بعد عقود ليجدد مسيرته في استباحة الوطن ، وسفك الدماء ، ودوس الكرامة ، والاستعباد ............. مثبتا قبح صورته الموروثة التي ما كانت لغيره ، والأقبح من ذلك اجتهاده في تجميلها بما يصنع من شعارات زائفة ، كالقومية التي ليست من شأنه ولا تليق به ، والذرائع التي هي أقبح من ذنبه يتذرع بها كـ( المؤامرات الكونية التي تحاك ضده ) .......... ولكن أنّى لهذه الصورة أن تتجمل ، فليس اقبح منها ، وليس من شيء يشفع لها .

أريد أن أعود إلى تلك المجالس من جديد ، سامحني يا أبي ، سأكسر حاجز الصمت الذي لازمني فيها طويلا ، ليس لأنني كبرت ، ليس تطاولا على حرمتها ، أو تجاوزا لوصاياك ، ولكن لأني أزف لك ولجلسائك أنه آن لهذه الصورة القبيحة أن تتبدل ، كما تبدلت كثير من الصور القبيحة ، وآن لوجه سورية الحقيقي أن يتكشف . فسورية (نبض العروبة ) لم تعدم يوما الأشراف والحكماء والقادة الكرام . لأقول لكم إنني سأنقل لأبنائي تلك الصورة القبيحة ، ولكني سأستأنس وقتها بصورة ليس أجمل ستكون لسورية حينها .

الولايات المتحدة الأمريكية - أوهايو








طباعة
  • المشاهدات: 22567
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
05-12-2011 03:52 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الأشغال العامة والإسكان بقيادة ماهر أبو السمن؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم