حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,26 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 8161

أزمة الأمة والتحديات

أزمة الأمة والتحديات

أزمة الأمة والتحديات

08-02-2009 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا -

 

 


لو شئنا أن نختصر أزمة الأمة العربية بعنوان واحد لاعتمدنا فلسطين عنواناً لها. وفلسطين عنوان متشعب: فهو يضم أزمة الأرض السليبة، ومحنة الشعب اللاجئ، ووجود إسرائيل في قلب العالم العربي امتداداً لقوة إمبريالية كبرى تتفاعل معها على وجه كامل في كل ما يتعلق بالوطن العربي على الساحة الدولية، ولا تتورع هذه الدولة عبر أجهزة استخباراتها عن التدخل في المجتمعات العربية وفيما بين الأقطار العربية فتعيث فيها فساداً وإفساداً وتوقع بينها التباين والتناقض وتثير فيها الفتن، ويحرص هذا الكيان العدو على إشاعة أبشع الصور عن حال الأمة في العالم الخارجي محاولاً إثارة الحفائظ والضغائن والتنكر لحق الأمة. هكذا هي فلسطين في صميم أزمة الأمة في تشعباتها، وهي تنطوي على تحديات جسيمة. أزمة الأمة وفلسطين: أرض فلسطين التي باتت تسمى إسرائيل لم يسلّم معظم العرب بواقع استلابها. فبموجب قرار جائر صدر عن الأمم المتحدة في عام 1947 اقتطعت من فلسطين مساحة كبرى، وكانت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في عام 1948 فكان أن شرد الآلاف من شعب فلسطين خارج ديارهم وأرضهم وحطت أعداد كبيرة منهم في مخيمات للاجئين داخل الأرض الفلسطينية وفي الجوار العربي وبخاصة في لبنان والأردن وسوريا. وكانت بعد ذلك مناوشات واشتباكات لا بل وحروب كان من جرائها اقتطاع المزيد من أرض فلسطين وتهجير المزيد من أهلها. وكانت أخطر تلك المواجهات في حرب العام 1967. فإذا بالمساحة الأكبر من أرض فلسطين تحت قبضة الغزاة الصهاينة في ما يسمى إسرائيل. وإسرائيل هي اليوم الدولة الوحيدة في العالم التي ليس لها حدود نهائية. فالضفة الغربية من فلسطين ما زالت ترزح تحت الاحتلال، والكيان الصهيوني لا ينفك يتمدد بلا هوادة عبر المستوطنات اليهودية داخل الضفة الغربية، بلا وازع ولا رادع. أما المجتمع الدولي فيواجه هذا الواقع الشاذ والمتمادي إما بالإغضاء أو بقرارات يتخذها عبر المؤسسات الدولية تتجاهلها الدولة العبرية وليس ما يثنيها أو يردعها عن غيِّها. فلسطين الشعب المشرد في مخيمات اللاجئين أو المقيم خارج أرض فلسطين قسراً يُجسّد قضية مأساوية تشغل المجتمعات العربية وبخاصة تلك التي يقيم هؤلاء بين ظهرانيها. إنها قضية لا تعني العالم المتحضر إلا في جانبها الإنساني بقدر محدود، فتقدم لجموع اللاجئين أصناف الإغاثة. أما حق هؤلاء في ديارهم وأرضهم ووطنهم فلا اعتبار له في سياسات وتوجهات الدول النافذة والمؤسسات الدولية. ويبقى هذا الحق مظهراً مركزياً من مظاهر أزمة الأمة العربية المستمرة. أما محاولات التصرف في هذا الحق بمشاريع كمبادرة بيروت العربية للسلام، مبنية على فكرة الكيانين المتجاورين: كيان عربي وكيان إسرائيلي يفصل بينهما خط العام 1967، فهي مشاريع آنية. أما في المدى الأبعد فيبقى الحق في وجدان الأجيال حقاً لا يمّحي. ثم إن العودة إلى خط العام 1967 تفترض أنه لم تكن ثمة مشكلة بين العرب وإسرائيل قبل ذلك العام. ولو كان ذلك صحيحاً، فعلامَ كانت حرب العام 1967 إذن؟ ومأخذنا الأساسي على المبادرة العربية للسلام أنها تطرح تسوية لبداية التفاوض. هذا أمر في منتهى الغرابة. فالتسوية هي نصف حل. وإسرائيل سوف تساوم في المفاوضات للتوصل إلى تسوية على التسوية. هكذا ينتهي الجانب العربي بربع حل. فهل ربع الحل يشفي غليل أي فلسطيني أو أي عربي؟ والعلاقة بين أميركا وإسرائيل كثيراً ما توظف في خدمة مآرب صهيونية أو مآرب أميركية في الوطن العربي. وكثيراً ما يلتبس الأمر على المراقب العربي: هل أميركا هي التي تتحكم بسياسة إسرائيل حيال العرب، أم أن إسرائيل هي التي تضغط على سياسة أميركا، حتى لا نقول تديرها، حيال العرب؟ وما بين أميركا وإسرائيل يدور الكثير من العمل على الإيقاع بين الدول العربية، وشق الصف العربي حيال القضايا الخارجية ولا سيما ما يهم الكيان الصهيوني منها، وإثارة القلاقل والفتن داخل المجتمعات العربية بدسائس أجهزة الاستخبارات، وتعطيل أية مساع جدية في العمل على إقامة اتحاد عربي فاعل يحل محل جامعة الدول العربية التي يغلب عليها واقع التفكك والخلخلة في العمل والموقف والتوجهات. فلسطين بكل هذه المعاني عنوان كبير من عناوين أزمة الأمة العربية، وكانت محرقة غزة الأخيرة آخر تعبير عن هذا الواقع، ولكن فلسطين ليست العنوان الوحيد. فمن العناوين الأخرى التخلف الاقتصادي والتخلف الثقافي وغياب الرابط السياسي الفاعل بين الأقطار العربية. وهذه العناوين متداخلة ومتفاعلة ومترابطة عضوياً. الأزمة اقتصادياً واجتماعياً: أما التخلف الاقتصادي فمن تجلياته اللافتة الفقر والبطالة والهجرة وضعف إمكانات السلطة. ثمة فوارق واسعة جداً بين طبقات من الموسرين، ولا سيما في الأقطار المنتجة للنفط في الخليج العربي، وطبقات من الفقراء، وفقر جماعات منهم مدقع، في كثرة من الأقطار العربية: في مصر، في اليمن، في مناطق معينة من سوريا والسودان ولبنان والأردن وسائر الأقطار العربية. والبطالة سبب أساسي للفقر. وكثيراً ما تكون البطالة جزئية، بمعنى أن كثيراً من العاملين لا يقومون بعمل يشغل كل وقتهم أو معظمه. والعاطلون عن العمل كثيراً ما يتوجهون للهجرة داخل البلد أو إلى خارجه سعياً وراء الرزق الحلال. إننا في لبنان نشهد هجرة كثير من العمال السوريين إلى لبنان حيث ينشطون خصوصاً في قطاع البناء، ونشهد هجرة واسعة في صفوف الشباب اللبناني المثقف إلى الخارج، ويعمل اليوم آلاف منهم في أقطار الخليج العربي وفي سائر أقطار الدنيا. والرد على آفة الفقر والبطالة والهجرة هو بطبيعة الحال في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. والتوجه التنموي في العالم العربي ما زال وئيداً، غير وافٍ بالغرض. والسبب الرئيس هو ضعف إمكانات الدولة التي يفترض أن تقود عملية التنمية بكل أبعادها. موارد الدولة حيث المجتمعات فقيرة هي بالضرورة محدودة غير وافية بالغرض. فالتنمية تتطلب إنفاقاً واسعاً على المشاريع، مشاريع البنية التحتية كما المشاريع الانتاجية وحتى التجارة والخدمات، والإنفاق يتطلب تمويلاً لا يتوافر للخزينة بأقدار كافية إذا لم يكن المصدر الأساسي لموارد الدولة، أي الضرائب، متوافراً على وجه ملحوظ. والمجتمعات الفقيرة أو الأقل يسراً لا تدر عائدات ضريبية كافية لتنفيذ برامج تنموية واسعة كما تتطلب المجتمعات المتخلفة. هنا يبدو وكأنما المجتمعات الأقل يسراً أسيرة ما يشبه حلقة مفرغة. فهي في حاجة إلى جهد تنموي واسع، والتنمية تتطلب تمويلاً سخياً، والتمويل لا يتأتى إلا من موارد الخزينة وأهمها العائدات الضريبية، إلا أن العائدات الضريبية تبقى محدودة غير كافية في مجتمعات تسودها حالة من الفقر والكثير من البطالة أو حالة يكون فيها دخل الفرد متدنياً نسبياً. من هنا كان الاقتراض من الخارج على نِطاق واسع بديلاً من التمويل الداخلي سبيلاً لتمويل عملية التنمية في المجتمعات الأقل نمواً. إلا أن التجارب أظهرت أن الاقتراض، من حيث يراد منه أن يكون مخرجاً، أدى في حالات كثيرة إلى مآزق. فلكم من دولة نامية وقعت في ورطة أعباء دين عام متعاظم واستحقاقات فوائد متراكمة تضغط بشدة على إمكاناتها المالية الضيقة أساساً. وفي كثير من الحالات انتهت كثير من البلدان النامية إلى حال باتت تنوء تحت وطأة ديون لا تستطيع سدادها فتجددها وتمددها وتجد نفسها في نهاية المطاف أمام أعباء مديونية متزايدة سنوياً، الأمر الذي كثيراً ما يحمل تلك الدول على محاولة تعزيز الجبايات على أنواعها من المواطنين، مما قد يزيد الفقير فقراً. وكثيراً ما تكون الضريبة المجباة من المواطنين في تلك المجتمعات على شكل موجة تضخم تجتاح الاقتصاد الوطني فتتآكل معها القوة الشرائية لمداخيل ذوي الدخل المحدود والفقراء. والتضخم ظاهرة تسيطر على كثير من الاقتصادات النامية. هكذا تبدو الحلقة المفرغة في أجلى صورها. لا مال إذن لا تنمية، لا تنمية إذن المزيد من التخلف والانحدار في المستوى المعيشي. ومزيد من الفقر يؤدي إلى مزيد من التضييق مالياً على الدولة في مبادراتها التنموية. الأزمة في وجهها الثقافي: والتخلف في العالم العربي ليس على المستوى الاقتصادي فحسب. بل هو أيضاً على المستوى الثقافي. فظاهرة الأمّية أو تدني مستوى التعليم في عدد من البلدان العربية ما زالت ملحوظة. والإحصاءات تدل على ذلك. وهذه معضلة لا بد أن تستغرق معالجتها وقتاً غير يسير نظراً للتعقيدات التي تكمن في خلفيتها. واللافت أن ثمة تفاوتاً واسعاً في المستوى الثقافي بين الشعوب العربية من حيث نسبة الأمية ومستوى التعليم. كان هذا سبباً من أسباب هجرة المثقفين من قطر عربي إلى آخر، وكان ذلك من ثم مدعاة لمزيد من التداخل والتمازج بين الشعوب العربية. ولكن القصور في الثقافة كان من شأنه الحد من زخم التواصل بين الشعوب العربية على صعيد المتابعة الإعلامية ومطالعة الانتاج الأدبي والثفافي في شتى البلدان العربية. لا شك أن اللغة العربية هي اللبنة الأساسية في بناء الصرح الثقافي العربي المشترك. والمقصود هنا بالطبع اللغة العربية الفصحى التي تستخدم عموماً في الإعلام المكتوب، ولكنها كثيراً ما لا تستخدم في الإعلام المرئي والمسموع وفي الانتاج الفني. العربية الفصحى هي التي توحد الثقافة العربية، والثقافة العربية المشتركة هي المكوّن الأساسي للحمة القومية التي تجعل من العرب أمة واحدة. إن شيوع استخدام اللهجات، حتى لا نقول اللغات، العامية بين مختلف الأقطار العربية على الصعد الإعلامية والفنية والثقافية هو عامل سلبي إلى حد بعيد في تطور واقع التماسك العربي. إن من شأنه إحداث فجوة متزايدة في التفاوت بين المجتمعات العربية على المستوى الثقافي والاجتماعي. والمواطن العربي بنتيجة ذلك كثيراً ما يجد نفسه في شيء من الغربة عند زيارته بلداً عربياً آخر. إن الواجب القومي يملي إطلاق برامج وحملات للترويج للعربية الفصحى على أوسع نطاق ممكن وإبعاد اللهجات العامية عن أكبر عدد ممكن من مجالات الحياة. فذلك سيكون في خدمة الرابط القومي وبالتالي تمتين أواصر الوحدة داخل الأمة العربية. الأزمة في وجهها السياسي: والأمة العربية إلى كل ذلك تفتقر إلى هيكلية فاعلة تجمعها. هناك جامعة الدول العربية. وقد أثبتت التجارب أن الجامعة لا تشكل هيكلية صلبة وبخاصة في الملمات عندما تواجه الأمة تحديات. فالجامعة أشبه بنادٍ للدول العربية. يلتقي ممثلو الدول العربية حول طاولة الجامعة، ويصدرون قرارات، إلا أن قرارات الجامعة غير ملزمة. فكثيراً ما لا تنفذها دول، وكثيراً ما تبقى قرارات الجامعة حبراً على ورق، أما إنجازات الجامعة على صعيد تطوير روابط الوحدة بين الشعوب والأقطار العربية فتكاد تكون معدومة. إنها تدير العلاقات الرسمية بين الدول العربية ولكنها لا تعمل بشيء من الجدّية أو المنهجية المشهودة على تنمية الروابط القومية بينها على الوجه الذي يمكن أن يفضي إلى توحيد الأمة سياسياً واقتصادياً في يوم من الأيام. أين جامعة الدول العربية من الاتحاد الأوروبي. فلقد تطور الاتحاد الأوروبي بحيث أضحى يضم معظم دول أوروبا وبحيث أضحى يشكل شبه كونفدرالية بين الدول المنضوية تحت لوائه بوجود مفوضية عامة وبرلمان أوروبي وعملة واحدة تتبناها أكثر دول الاتحاد. وهناك رؤى لتطوير الاتحاد الأوروبي ليغدو أكثر فأكثر تلاحماً وتماسكاً وتكاملاً. هناك عقبات وهناك صعوبات، إلا أن هناك أيضاً تصميماً على المضي قدماً في هذا الطريق. ما أحوج العرب إلى اتحاد فيما بينهم على غرار الاتحاد الأوروبي، يكون منطلقاً لعملية، مهما طال أمدها، تُفضي في يوم من الأيام إلى تحقيق اتحاد قومي عربي وطيد القواعد. ونحن من الذين يرددون القول إن العرب أولى بالاتحاد من أوروبا. ففي أوروبا تكاد كل دولة من الدول السبع والعشرين التي ينتظمها الاتحاد الأوروبي تنفرد بلغة متميزة ومعها ثقافة مختلفة. ثم إن تاريخ أوروبا حافل بالحروب الضارية بين دولها، ففي القرن العشرين اشتعلت حربان عالميتان كانت دول أوروبا الكبرى محورهما، هما الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. أما العرب فتجمع بينهم لغة واحدة وثقافة مشتركة وتطلعات مشتركة وتاريخ عريق لم يسجل في العصر الحديث حروباً بين الدول العربية. العرب أمة واحدة أما أوروبا فليست أمة بل هي أمم. لذا القول إننا أولى بالاتحاد من أوروبا. هذا مع العلم أن تجارب الاتحاد بين الدول العربية كانت نادرة وغير موفقة. فالاتحاد بين مصر وسوريا عام 1958، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، لم يعمّر طويلاً، وبعض ما سمي اتحادات كان أقرب إلى اتفاقات التعاون والتبادل منه إلى الاتحاد بالمعنى السياسي أو القومي . نحن ندعو إلى إقامة اتحاد عربي يحل محل جامعة الدول العربية، على أن يكون نواة للعمل المنهجي على تحقيق الوحدة العربية في يوم من الأيام. ولبنان يصبو إلى أن تكون بيروت بروكسل العرب، أي عاصمة الإتحاد العربي العتيد. أما عملية التوحيد فلن تكون إلا بالتدرج. هذا مع العلم أن تحقيق الوحدة العربية يفترض استيفاء شرطين اثنين على الأقل: أولاً تحقيق الحد الحيوي من الديمقراطية في المجتمعات العربية كي يأتي قرار الوحدة معبراً عن إرادة الشعوب الحرة، وثانياً تحقيق الحد الأدنى من التجانس بين المجتمعات العربية إجتماعياً كي يشعر المواطن العربي أنه في بلده أينما حلّ، وهذا لا يتحقق إلا عبر برامج تنموية فاعلة في شتى البلدان العربية. نقول هذا ونحن ندرك أن العمليتين شاقتان. فتطوير الممارسة الديمقراطية في البلدان العربية لن يكون بالأمر الهيّن، فالعملية أيضاً أسيرة حلقة مفرغة. إن تطوير النظام الديمقراطي عملية تغيير جذرية. وقرار التغيير هو في يد من ليس له مصلحة فيه. فقرار التغيير هو قرار سياسي، أي أن المفترض أن يصدر عن أهل السياسة عبر رئيس البلاد أو عبر مجلس الوزراء أو مجلس النواب بحسب النظام المتبع. ولما كانت الديمقراطية تخضع أهل السياسة لإرادة الشعب، فإن التغيير المطلوب في تطوير الديمقراطية يفترض أن يتخلى أهل السياسية عن الانفراد بالقرار السياسي فيغدو القرار في نهاية التحليل للشعب. لذا القول إن قرار التغيير هو في يد من لا مصلحة له في التغيير. فكيف سيولد التغيير الديمقراطي؟ أما انعدام الديمقراطية في العالم العربي أو هزالها فكثيراً ما يتجلى في الهوّة السحيقة بين مشاعر الشعوب ورغباتها وتطلعاتها من جهة ومواقف المسؤولين العرب وسياساتهم من جهة أخرى. وقد أظهرت محنة غزة أخيراً عمق هذه الفجوة على وجه صارخ. فلقد بلغت أزمة الأمة ذروة حادة بانفجار محنة غزة الممضة وانعكست حدّة الأزمة في تأخر انعقاد القمة العربية، ثم في عقد قمة غير مكتملة في قطر وأخيراً قمة مكتملة في الكويت تمخضت عن موقف مختصر لا بل مبتسر. أما التنمية، تحقيقاً للتجانس بين المجتمعات العربية، فلها مقومات سبقت الإشارة إليها. فالتنمية الديمقراطية كما التنمية الاقتصادية والاجتماعية كلاهما تمران في مراحل قد تطول زمنياً. لذا القول إن التنمية الديمقراطية كما التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن أن يتحققا إلا تدريجياً على مراحل. المهم البدء بالعمليتين، ويكون ذلك بتجاوز العوائق التي تحول دونهما. إن التغلب على الحلقات المفرغة يتطلب وجود قيادات تتولى بقدرات مشهودة وبشجاعة فائقة تنمية رأي عام بين الجمهور يضغط بكل الوسائل السلمية المتاحة على أهل القرار السياسي لاتخاذ قرار التغيير المطلوب. ولا شك أن الإعلام المرئي والمسموع، الذي يجتاز القارات ويتخطى كل الحواجز فيصل إلى آخر بيت في آخر قرية، إنما يشكل عاملاً مساعداً على التوعية والانفتاح، الأمر الذي يصب في مجرى تنمية الرأي العام المطالب بالتغيير. فالإعلام الخارجي ينبغي أن يكون رافداً للعمل على تنمية قوى التغيير في المجتمعات العربية التي تصبو إلى الإصلاح والتغيير. التحديات بكلمة: خلاصة القول أن أزمة الأمة العربية أزمة متشعبة تضرب جذورها في السياسة والاقتصاد والثقافة، وهي أيضاً تتلازم واستهداف الأمة لعدوان خارجي دولي يختصر بقضية فلسطين. أما التغلب على أزمة الأمة وما يرافقها من تحديات جسيمة فيفترض العمل على تحقيق الاتحاد الاقتصادي ومن ثم الوحدة العربية، وبلوغ هذا الهدف يفترض المرور في عمليتين للتغيير: التغيير الديمقراطي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. والتغيير يتطلب بالطبع قيادة استثنائية كما يتطلب إعلاماً فاعلاً وهادفاً. إن ما أوردت في هذا العرض ليس غائباً عن أذهان المسؤولين العرب، ولكن لسبب أو لآخر لا يجد طريقه إلى التطبيق أو التنفيذ. إن وعي المتطلبات بيّن ظاهر في نص الإعلان الصادر عن القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية المنعقدة في الكويت ما بين 19 و 20 كانون الثاني (يناير) 2009. جاء في البيان العربي نصاً: "التكامل الاقتصادي والاجتماعي العربي (يقتضي) مضاعفة الجهود لتحقيق التكامل الاقتصادي والاجتماعي العربي باعتباره هدفاً أساسياً ... وركيزة أساسية لدفع العمل الإقتصادي والاجتماعي العربي المشترك لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول العربية بما يحقق تطلعات الشعوب العربية ويجعلها أكثر قدرة على الاندماج في الاقتصاد العالمي والتعامل مع التجمعات السياسية والاقتصادية الدولية". ودعا البيان إلى "تشجيع الاستثمارات العربية البينية وتوفير المناخ الملائم والحماية اللازمة لها، وتسهيل حركة رؤوس الأموال العربية بين أقطار الوطن العربي وتوسيع نطاق تنفيذ الاتفاق الموحد لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية". كما دعا إلى "تعزيز دور الصناديق والمؤسسات المالية العربية المشتركة والوطنية، وتطوير مواردها وتسهيل شروط منح قروضها وتطوير نوافذها لتمويل مشروعات البنية الأساسية والمساهمة في تمويل مشاريع التكامل الاقتصادي العربي ..." . كذلك دعا البيان العربي إلى تعزيز دور القطاع الخاص في بناء التكامل. ونادى بتطوير التربية والتعليم ومكافحة البطالة وضمان حقوق المهاجرين العرب. وكان واضحاً في دعم تنفيذ استراتيجية للتنمية الزراعية والتنمية الصناعية. كذلك كان حاسماً في الدعوة إلى إزالة العقبات التي ما زالت تعترض التطبيق الكامل لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى قبل نهاية 2010 تمهيداً للبدء بإقامة الاتحاد الجمركي العربي في موعد لا يتجاوز العام 2015 كخطوة أساسية للوصول إلى تحقيق السوق العربية المشتركة قبل حلول العام 2020. ولم يغفل ضرورة ربط شبكات النقل البري والبحري والجوي في ما بين الدول العربية تعزيزاً لحركة السياحة والتجارة والاستثمار والعمالة. وإنتهى البيان إلى المطالبة بتعزيز وتدعيم جامعة الدول العربية. إن تحديد مواعيد صريحة لإنجاز مراحل الاتحاد هو تطور إيجابي نرجو أن يصدق التزام مضمونه. هكذا يبدو الموقف العربي الرسمي واضحاً ومقبولاً. إنه دعوة صريحة لإقامة وحدة إقتصادية عربية. والوحدة الاقتصادية، في حال تحقيقها، ستؤول حتماً إلى الوحدة العربية بكل وجوهها. نرجو أن يكون التصميم العربي هذه المرة جدّياً فلا تبقى الهوّة سحيقة، كما كانت في الماضي، بين الرؤى والمشاريع من جهة وتطبيقها على أرض الواقع من جهة أخرى. ثمة حاجة لترجمة الأفكار والرؤى إلى مشاريع للتطبيق العملي، كما ثمة حاجة لإيجاد آليات فاعلة للمتابعة والتنفيذ. خاتمة: ونختتم بتسجيل حقيقة دامغة، هي أن أزمة الأمة بلغت ذروة جديدة في حرب إسرائيل على لبنان في عام 2006 ثم في حربها على غزة في بداية العام 2009، وكانت لنا دروس بليغة من تجارب تلك الحربين. أولها أن الأوان قد آن لوضع حد لاستفراد إسرائيل الدول العربية في حروبها واعتداءاتها: فلبنان يوماً وغزة يوماً آخر وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني ومصادرة حريته وإهدار كرامته داخل الأرض المحتلة كل يوم. ثانيها أن مسألة الاستراتيجية الدفاعية في مواجهة إسرائيل قد حُسمت في الحربين على لبنان وغزة. فالتصدي للعدوان الصهيوني لا يكون مجدياً إلا عبر المقاومة. فمتى يكون للعرب مقاومتهم المتداخلة والمتكاملة لصد أي عدوان على العرب سواء داخل فلسطين أو خارجها؟ ثم ثالثها، لا سبيل لوضع حد نهائي لعدوانية الكيان الصهيوني إلا بتوحيد الجبهة العربية وتعبئة الإمكانات العربية المتفوقة. فمتى يولد إتحاد عربي يمكّن الأمة من التصدي للعدوان لا بل القضاء عليه؟ وأخيراً لا حل لقضية العرب المركزية إلا بتحرير فلسطين وتوحيدها في كيان عربي يعيش فيه العربي واليهودي جنباً إلى جنب في ظل نظام ديمقراطي فاعل. سليم الحص - محاضرة بدعوة من المنتدى العالمي للوسطية، المملكة الأردنية الهاشمية، عمّان، 8/2/2009  

 


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 8161
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
08-02-2009 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم