حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,28 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 13407

"الاسطورة"حكاية من التراث الشعبي الفلسطيني

"الاسطورة"حكاية من التراث الشعبي الفلسطيني

"الاسطورة"حكاية  من التراث الشعبي الفلسطيني

08-11-2018 08:23 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - الأسطورة
الأسطورة قصة تفسر مأثورات الناس حول العالم وما وراء الطبيعة: الآلهة والأبطال من أشباه أو أنصاف الآلهة. كما تتناول الأسطورة المعتقدات الدينية وتعليلالتها. ولابد من وجود الأساس الديني وراء الأسطورة بالنسبة للشخصية الرئيسية فيها أو يكون الممثلون آلهة. ونحن نعرف أننا ندرس تراث شعب، مثل الشعب العربي الفلسطيني، والذي يؤمن بآله واحد. ولذلك فلا يوجد في الأساطير التي بتداولها هذا الشعب آلهة متعددة، وإنما هناك أخبار تدور حول الأنبياء الذين أحبهم الله، كلمهم الله أو اختصّهم بعنايته، وقد تدور هذه الأساطير حول أولياء الله الصالحين الذين أعزهم الله بالكرامات وحقق على أيديهم المعجزات على حد المعتقد الشعبي.

ويمتزج الإرث الأسطوري امتزاجاً كبيراً بالحكايات الدينية. ومن الصعب بمكان أن نميز بين الحكاية الدينية المثبتة في الكتب المقدسة وبين الأسطورة؛ لأن هناك بعض الحكايات الواردة في القرآن أو التوراة اتخذت شكلاً ما في عالم الأساطير الشعبية، والمعروف أن الوسط الشعبي يروي بعض الحكايات الدينية وقد أكسبها هالة أسطورية، وهو يهدف من ذلك تأكيد مقولة دينية والترغيب. ولا شك أن نقلة الأحاديث ورواة الحكايات ذات المضمون الديني على مر العصور قد ساهموا في تكوين ذلك الإرث الديني الأسطوري الذي تناهى إلى الشعب فأعطاه لوناً معيناً وطبعه بطابعه.

وقد تميز الإرث الأسطوري الفلسطيني بأنه تضمن مرويات تنتمي إلى أتباع الديانات السماوية الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية، هذا فضلاً عن الرواسب الوثنية، ولما كانت الغالبية العظمى للسكان في فلسطين من العرب المسلمين، فإنهم حاولوا أن يصبغوا أساطير ما قبل الإسلام بصبغة إسلامية؛ فاعتبروا أن القصص التي تدور حول "سيدنا موسى" وسيدنا إبراهيم " قصصاً إسلامية على اعتبار أن موسى وإبراهيم نزلا بالدين الصحيح وأن أتباعهما حرفوا الدين، ولذلك؛ كان هذان النبيان بريئان من أتباعهما المحرفين، حسب المعتقد الشعبي.

إننا نجد الحكايات المنقولة من التوراة والإنجيل وقد اتخذت طريقها إلى التراث الشعبي عند المسلمين، ولا شك في أن الدين الإسلامي شجع على ذلك عندما حض على احترام الأنبياء والرسل السابقين، ولذلك نرى الفلاح المسلم يروي حكايات لكرامات عن النبي موسى والقديس مارجريس " الخضر" جنباً إلى جنب مع الحكايات عن كرامات أولياء الله الصالحين والنبي محمد وصحباته.

وتتحدث المرويات الأسطورية عن أخبار أول الأنبياء وأبي البشر آدم. ثم تنتقل للحديث عن أخبار الأنبياء والحكماء في صراعهم السرمدي الطويل مع الشر. ونرى الله يقف مع الإنسان الخير هو وملائكته ليقاوموا إغراءات إبليس. ولكن إبليس هذا يحقق بعض الانتصارات وخاصة عندما يزرع الشر في نفس حواء ونفس آدم كما تقول الأسطورة التالية:

كان آدم يعمل في الحقل وكانت حواء في البيت عندما سمعت صوت طفل يصرخ. وخرجت حواء لتجد طفلاً يبكي فأخذته واعتنت به. وعندما جاء زوجها غضب لمرأى الطفل وأغرقه في ماء النهر، وفي اليوم التالي عاد إبليس وأخرج الطفل ووضعه قريباً من حواء التي اعتنت به أيضاً، وعاد آدم وحرق الطفل في النار. وفى اليوم الثالث عاد إبليس وأخرج الولد من النار فأخذته حواء واعتنت به. وعندما جاء آدم قرر أن لا سبيل للخلاص من الولد إلا بقتله وطبخه وأكله. وأكل آدم وأكلت حواء من لحم الولد. وعاد إبليس ينادي من داخل آدم وحواء، صوتان يقولان معاً "أنا هنا بخير".

القديم وجد الإنسان نفسه في مواجهة أخيه الإنسان وفي صراع سرمدي معه من أجل أيهما يستحوذ على المنافع المادية دون سواه. ونجد تلك الجذور الأسطورية لذلك الصراع قائماً في ما حصل بين قابيل وهابيل ابني آدم. لقد أراد الله لحواء أن تنجب أطفالاً لها أزواجاً، بحيث تلد في المرة الواحدة توأمين: ابنا وابنة، وكان محظوراً على التوأم الذكر أن يتزوج توأمه الأنثى. بل كان يسمح له أن يتزوج من التوأم الأنثى الأخرى لأخيه وذلك كحد أدنى من القيود الاجتماعية في مسألة الزواج. وكان قابيل وهابيل أول ولدين لآدم وحواء مع أختيهما. وقد أمر آدم بوحي من الله ابنه قابيل أن يتزوج أخت هابيل ولكن هذا رفض أمر والده لأن أخته كانت أجمل من أخت هابيل، وأحس بالخسارة إذ يتزوج هو فتاة أقل جمالاً من الفتاة التي يجب أن يتركها تتزوج أخاه. وهكذا قتل قابيل أخاه هابيل ومن أجل أن يتلاقى الناس مثل هذه الأخطار والخصام العنيف حول امرأة كان على كل النساء بعد تلك الحادثة أن يحتجبن عندما يصلن سن البلوغ.

وفي أسطورة أخرى تشرح مسألة اغتيال قابيل لأخيه هابيل؛ نرى آدم وقد طلب من ابنيه أن يقدما تقدمات لله، فقدّم قابيل ضمة من أسوأ ما لديه من القمح بينما قدّم هابيل حملاً من أفضل الحملان في ماشيته.،وقد قبل الله تقدمة هابيل ولم يقبل تقدمة قابيل. وغضب قابيل فقتل أخاه وتقول المرويات أن قابيل لم يكن ليعرف الطريقة التي ينفذ بها جريمته. وتبرع إبليس بالمهمة والذي ظهر لقابيل بشكل بشرى وأراه كيف يسحق رأس طير بين حجرين. وبعد ذلك ارتكب قابيل جريمته. وبعد ذلك حمل قابيل أخاه القتيل على ظهره وسار دون أن يدري ما يفعل بالجثة. وبعث الله غرابين قتل إحداهما الآخر، ودفنه بعد أن حفر له حفرة في التراب. وقلّد قابيل العملية. وتقول أسطورة أخرى أن قابيل ذبح على يد لامخ بسهم عندما كان الأخير يصطاد في تل الكيمون قرب كيشون في المنحدر الشمالي لجبل الكرمل.

لقد كان الخلود أملاً كبيراً من آمال البشر، وقد حاول الإنسان أن يعرف كنه الموت وفناء النفس البشرية. وبذل المزيد من المحاولات ليمنح نفسه الحياة الدائمة، ولكن كل جهوده ذهبت سدى. وهكذا، فإن دور الأساطير هو في تفسير عدم قدرة الإنسان على الحصول على سر الخلود. وفى ملحمة جلجامش نرى آلهة العالم السفلي تذكر للبطل الباحث عن سر الخلود جلجامش، أن لا فائدة من بحثه الحثيث ولا فائدة من هذه الجهود التي يبذلها، وقد رأته أشعث الشعر مغبراً منهكاً وقالت له: "كل واشرب واغسل رأسك".

وفي الأسطورة المحلية نلاحظ أن آدم يحصل على فرع من شجرة، ولكن بعد فوات الأوان. ويصل إليه الفرع بعد أن يموت. ويحاول الأنبياء الآخرون العناية بشجرة الحياة ولكن دون جدوى...

وتقول الأسطورة المحلية: أنه عندما كان آدم على سرير الموت أرسل ابنه سيث إلى الجنة ليحضر له فرعاً من شجرة الحياة، وأحضر سيث الفرع، ولكنه عندما عاد وجد أباه آدم قد مات فزرع الفرع عند قبره. وذات ليلة حلم لوط عليه السلام بأن الملاك يأتيه ويأمره بأن يأخذ جرة ويملأها بالماء ويسقي شجرة الحياة، وفى صباح اليوم التالي ذهب لوط وحمل جرة ملأها بالماء وأسرع إلى مكان الشجرة فلقيه في الطريق حاج هندي مستلقياً على حافة الطريق، وهو في الرمق الأخير، وتوقف لوط ليسقي الحاج الهندي جرعة من الماء. ودهش لوط عندما لاحظ أن الحاج الذي هو إبليس في الحقيقة – شرب الماء كله، وعاود لوط الكرة فملأ الجرة بالماء. وللمرة الثانية، لقيه حاج وقد تلف من العطش وشرب الماء كله. وفي المرة الثالثة حصل الشيء نفسه، ولم يستطع لوط أن يسقي شجرة الحياة، وسقط لوط متعباً ونام. ورأى في المنام الملاك يقول له أن الحجاج الذين كان يلقاهم في الطريق ما هم إلا صور من إبليس، أما شجرة الحياة، فإن الملائكة تسقيها. ومات لوط وأينعت الشجرة، وأخيراً ينجح إبليس في إقناع حيرام ليقطع الشجرة لبناء هيكل سليمان. ونقل جذع الشجرة إلى القدس، ولكن المعماري لاحظ أنه لا فائدة منه فألقاه في واد إلى الشرق من القدس، حيث أصبح جسراً على وادي قدرون. وظلّ الأمر كذلك إلى أن جاءت بلقيس ملكة سبأ لتزور سليمان. وبدلاً من أن تمر فوقه ترجلت وقامت بواجبات العبادة، ودهش ملك إسرائيل من تصرفها ولكنها أفهمته بقيمة ذلك الجذع، وبعد ذلك أخذ الجذع ونظف وحفظ في إحدى غرف الهيكل، وظلّ هناك إلى أن استعمل في عمل الصليب الذي صلب عليه المسيح عليه السلام.

لقد خرج آدم من الجنة بسبب ارتكاب خطيئة واحدة وهي أنه أكل من الشجرة المحرمة، ونجد صدى لذلك في الأساطير المحلية التي تتحدث عن المحرمات والتي جاء تحريمها دون تبرير، وهي بهذا المعنى تتصل بمفهوم التابو عند الإنسان البدائي، ونجد الإنسان يقع في الخطيئة رغم التحذير، فهو يفتح الباب المحرم فتحه، أو يشرب من الماء الممنوع شربه.

ولدينا أسطورة تتحدث عن عذاب الإنسان وشقائه في الدنيا، ومرد ذلك إلى الخطيئة. تقول الأسطورة أن رجلاً عمل سنوات طويلة في قطع الحطب، وعانى من هذا الشقاء الشيء الكثير، وبلغ به السخط على واقعه حداً جعله يقرر الانتقام من آدم الذي أنجبه وتركه يعانى من متاعب الحياة؛ فأخذ يجمع الحطب ليحرق عظام آدم. أرسل الله ملكاً نقله من حياته الشقية إلى بستان يشبه الجن،ة واشترط عليه ألا يعترض على شيء، ولكن الرجل يخرق ذلك التابو ويعترض، فيعود الشقاء، ثم يلح في الرجاء ليعود إلى البستان، ويتكرر ذلك ثلاث مرات، وفى كل مرة يخرق الإنسان التابو، وعندما يرجو هذا الإنسان أن يعاد إلى البستان للمرة الرابعة يقول له الملك: "أبوك آدم أخطأ خطيئة واحدة وأنت خطية في خطية في خطية، ظلك في هالهيش تاتموت".

تقول المرويات الأسطورية أن نوح كان واحداً من الأنبياء الستة العظام ولم يخلف هذا النبي أشياء مكتوبة بخلاف جده إدريس الذي كان أول شخص يستعمل الكتابة – على حد قول الأسطورة، فقد كتب إدريس ثلاثين كتاباً من الوحي الإلهي المقدس، وقد أرسل الله نوحاً ليحذر العالم من الطوفان ويبني السفينة، وصنع إدريس الناقوس والذي لم يكن معروفاً من قبل. وتقول المرويات أن نوحاً لم يكن يملك سوى سكين كبير بدأ يقطع به فرع شجرة ضخمة ليستعمله في بناء السفينة، ولسوء حظ النبي اصطدمت السكين بصخرة والتصقت بها لدرجة أنه لم يعد يقدر على استخراجها، وترك نوح السكين يائساً، وعاد للبيت، ثم جاء إبليس، فرأى السكين واستلها وعمل إثلاماً في شفرتها؛ ليجعلها غير صالحة للاستعمال، ويعمل على إفشال مهمة نوح، وعندما عاد نوح للعمل في اليوم التالي؛ وجد منشاراً جاهزاً للعمل، ولقي نوح الكثير من الاستهزاء والسخرية من الناس حتى من زوجته وكانت غير مؤمنة، وكذلك، من ابنه الشرير كنعان وابن ذلك الأخير عوج بن عناق، وعناق هذه هي أول مومس في العالم، وكذلك أول ساحرة، وبذل هؤلاء الأربعة جهوداً كبيرة في إقناع الجميع بأن نوح به مس من جنون، وانفجر الفيضان في جيزر "ويقال في دمشق" وحملت المياه سفينة نوح ومعه الذين آمنوا به من أهله عدا زوجته وعناق وعوج، ونجا معه عدد من المؤمنين برسالته، وكان نصف هؤلاء من الرجال والنصف الآخر من النساء من بينهم جرهام الذي حافظ على اللغة العربية، ونجا في السفينة عدد من الحيوانات، وقد اختبأ إبليس تحت ذيل الحمار في شكل ذبابة، ولكن الحمار كره أن يكون واسطة لنقل ذلك الشرير، كما قام نوح بطرده بضربات قاسية، وحصل هذا الحمار على وعد بأن يدخل الجنة أحد أحفاده، وتحقق ذلك عندما دخل جحش العزيز الجنة، ودمّر الفيضان كل الجنس البشري الذي ظل خارج السفينة. وتقول الأسطورة أن السفينة ظلّت تتأرجح فوق الماء حتى جاءت إلى مكان مك،ة وبقيت هناك بلا حركة مدة أسبوع، ثم سارت إلى المكان الذي أقيم فيما بعد عليه بيت المقدس، وانتهى المد، ونزل الرجال والنساء من السفينة ليسكنوا في الأرض ويتكاثروا فيها، وظلَ نوح وحيداً مع ابنته حتى جاء ذات يوم رجل يخطب ابنته، وقال له نوح: "حباً وكرامة ولكن عليك أن تهيئ لها مسكناً مناسباً" وقبل الخاطب الشرط ووعد بالعودة في وقت معلوم ومضى الوقت ولم يعد الخاطب، وجاء خاطب آخر، فاشترط عليه نوح ما اشترط على الخاطب الأول، وقبِل هذا، وضرب موعداً يعود فيه، ولكنه هو أيضاً لم يأت في موعده، وجاء خاطب ثالث لديه مسكن جاهز فزوجه نوح ابنته ورحل الزوجان، ولم يمض وقت طويل على رحيل ابنة نوح وزوجها حتى جاء الخاطب الأول، واحتار نوح ماذا يفعل، وأخيراً دعا الله أن يحول حمارته إلى بنت تشبه ابنته، واستجاب الله لدعوة نوح وزوّج نوح هذه البنت للخاطب والذي سرعان ما رحل معها، ثم وبعد مضي وقت قصير جاء الخاطب الثاني، ولم يجد نوح من يتزوجها ذلك الخاطب بدأ يدعو الله ليحوّل كلبته إلى صبية تشبه ابنته، واستجاب الله لدعائه وزوّج البنت لخاطبها، ورحل الزوجان، وهكذا أصبح في العالم ثلاثة أصناف من النساء: التي تخاف الله وتعين زوجها على متاعب الحياة، وتلك الغبية التي يسيّرها الرجل بالعصا كما يسيّر الحمارة، وتلك السليطة التي تسخر من النظام وتطوف هنا وهناك تبحث عن الأخبار وتنقل الكلام من بيت لبيت، وبعد ذلك بنى نوح المساكن، وزرع العنب، وبدون علم النبي ذبح إبليس القرود، والخنازير وخلط دمها بنبات العنب، ولذلك صار كل من يشرب الخمر المصنوع من العنب رديئاً رداءة القرود والخنازير.

وتتحدث الأساطير عن شخصية وردت في الكتب المقدسة ألا وهي شخصية لقمان الحكيم وهو أحد أقرباء أيوب، عاش عدة مئات من السنين حتى عهد داوود. كان رجلاً قبيح الشكل أسود البشرة ذا شفتين غليظتين وأقدام مفلطحة، ولكن الله عوضه عن قبح شكله بالحكمة، وتحتوي السور الثلاثين الأولى من القرآن الكريم على الكثير من حكمه، ويرد اسمه أحياناً "الحكيم رستوا" وقد تعرض شخصياً للنهب، فقد أخذه البدو في غزوتهم على حوران لنهب قطعان أيوب وباعوه كعبد، وقد حصل على حريته عندما سرّ سيده بجواب، فقد أعطاه سيده ذات يوم حبة ليمون وأمره أن يأكلها، فأكلها دون تردد، ولما سأله سيده عن سبب طاعته الدقيقة وابتلاعه تلك الحبة الحادة المذاق كاملة، أجاب لقمان: بأنه لا عجب في أن يقبل شيئاً مكروهاً من شخص طالما أحسن إليه، وتقول إحدى هذه الأساطير: إنه عرض على لقمان الحكيم مريض مصاب بمرض عضال، وشق الحكيم بطنه فوجد سرطاناً يقبض على القلب، وخشي إذا نزع السرطان أن يموت المريض بسبب ضغط السرطان على القلب، واستشار من حواليه ولم يتلق جواباً، فقال ابن أخته الذي كان يشاهد من بعد: بالنار يا حمار وبسرعة أخذ يكوي قوائم السرطان، ويضع القطن مكان كل قائمة ونزع السرطان وشفي المريض.

وقد حظي أيوب بنصيب وافر من الأخبار والحكايات المأثورة التي تتناول "بلواه" و"صبره" الذي أصبح مضرب الأمثال، وصار يقال "فلان صبر صبر أيوب" و"أيوب ما صبر صبري" ابتلى أيوب بمرض جعل الدود يدخل ويخرج من جسده، وكانت ابنة عمه تعتني به وتطعمه، وذات يوم تركته عند العين المسماة باسم "عين أيوب" وهى الواقعة بين بلدتي الراس وخربثا في قضاء رام الله. وذهبت لتشحذ رغيفاً من امرأة، وطلبت المرأة من ابنة عم أيوب أن تقص جديلتها ثمن الرغيف، وبقدرة الله استحم أيوب في العين فنهض شاباً، وعندما عادت ابنة العم لم تجد أيوب، بل وجدت شاباً يافعاً نضر البشرة، وخجلت من سؤاله فقال لها: "عم تبحثين" فقالت له: "تركت رجلاً مريضاً أخشى أن تكون قد أكلته الأعشاب"، ولم تصدق ابنة العم إلا بعد أن ذكرها أيوب بعلامة فارقة في جسده، وتعارفا ثم طلب منها أن ترد الرغيف إلى صاحبته وتستعيد الجديلة، وتفعل ذلك وبقدرة الله يعود الشعر إلى مكانه، ويعود أيوب لأبناء عمه بعد أن أزاح البلاء عنه، ورفض أن يكرموه بالحفلات، بل اكتفى بأن أخذ عنزة وابنة عمه ناعسة وترك قومه.

ويحظى الخضر بالعديد من المرويات والأساطير وهو واحد من أشهر الأولياء الذين يستغاث بهم في فلسطين، ويقال أنه نجح في الوصول إلى "نبع الشباب" الواقع بين البحرين (الأبيض والأحمر)، وهذا النبع كان موضع بحث الكثير من المغامرين، من بينهم: ذو القرنين، والباحثون عن سر الخلود.

وقد وجد الخضر النبع، وشرب من مائه، ولذلك؛ فهو خالد لا يموت، وهو يظهر من فترة لأخرى وقد تجسد بشكل درويش أو سواه وذلك ليحمي المظلومين ويقيم العدل، المسيحيون يعرفونه في شخص مار جريس، ويعرفه المسلمون في شخص الخضر، وتقوم مزاراته المتعددة في جميع أنحاء فلسطين ويزورها أتباع الديانات الثلاث، ويقال أن هذا القديس يعبد الله في مزارات مختلفة كل يوم جمعة بالتناوب، فمرة في مكة وأخرى في المدينة وثالثة في القدس والطور...الخ، ويتناول وجبتين في الأسبوع، ويشرب من ماء زمزم وبئر سليمان في القدس، ويستحم في نبع سلوان، وأحد المزارات الخاصة بهذا الولي يقع على بعد ميل إلى الشمال من برك سليمان، بالقرب من بيت لحم، ويؤخذ إلى هناك المخبولون من أتباع الديانات الثلاث، حيث يقوم الراهب الإغريقي هناك بتقييدهم وقراءة آيات من الإنجيل من أجلهم، أو يوجه عملية جلدهم حسب ما يقتضي الحال.

وجاء في أحد هذه الأساطير التي تتناول الخضر أنه بينما كان الراهب اليوناني يقود القداس في كنيسة الخضر قرب برك سليمان، جاء رجل ليتناول الخبز والخمر فوقع على الأرض وجرح، وأسقط الفنجان من يد الراهب، وإلى هذا المكان صار الناس يأتون للحصول على الشفاء، وقد علم ملك المسكوب بذلك فأمر بأن تنقل القطعة من بلاط الأرض إلى روسيا، ونقلت بالبحر ولكن مارجريس رد القارب وأعيدت القطعة إلى مكانها.

وفي الإرث الأسطوري أخبار مستفيضة عن إبراهيم خليل الله، والذي يحظى باحترام المسلمين أيضاً، كان إبراهيم الخليل ابن عازار "اوتيرا" وكان والده نحاتاً ووزيراً للنمرود ملك كوتا، وأجبر النمرود قومه ليعبدوه كإله، وذات ليلة حلم أن نبياً سيولد ويقضي على عباده الأصنام ويقضي على النمرود، ولذلك؛ أقام النمرود مذبحة لكل الأطفال الذين يولدون واتخذ إجراءات احتياطية لقتل كل طفل ذكر يولد، وعندما جاءت ساعة المخاض لزوجة عازار قادتها الملائكة إلى كهف خفي ومؤثث، وهناك ولدت بكل سهولة ويسر وبعناية الله، وتركت طفلها بعناية خادمات إلهية وعادت للبيت. وظلّت الأم تتردد على الطفل في المغارة، وذات يوم وجدته يرضع أصابعه التي كان ينبثق منها حليب وزبدة وماء، وهكذا نجا إبراهيم الخليل. (هذه الأسطورة تكررت في حالة المسيح ومن يدري فربما كانت هي تكراراً لأسطورة سامية أقدم).

وتفسر لنا إحدى الأساطير المتعلقة بإبراهيم الخليل، لماذا كان لكل نعجة لية، ولماذا لم يكن للمعزى لية "ولماذا لا تلد البغال" كل هذه الأسئلة تجيب عليها أسطورة إبراهيم الخليل الذي هرب من النمرود، تقول الأسطورة أن إبراهيم الخليل كان يعبر الحقول في طريق هربه فالتقى بقطيع من الماعز، وطلب من الغنم أن تحميه من خيالة النمرود الذين يتعقبونه، ورفضت الغنم السوداء تلبية رجاء "أبونا إبراهيم" وتركها في طريق هربه إلى أن التقى بقطيع من النعاج وطلب من الغنم البيضاء أن تحميه، فطلبت منه أن يستلقي على الأرض وتجمعت حوله بشكل متراص حتى اختفى عن الأنظار، وعندما مرت خيالة النمرود لم تستطع أن تكتشف مكانه وبذلك نجا، ودعا "أبونا إبراهيم" الله أن يمنح النعاج تلك الإلية العريضة، وأن لا يمنح مثل ذلك للغنم السوداء، وعوقبت البغال بعقوبة عدم التناسل لأنها تطوعت بجلب الوقود للنار التي ألقى النمرود فيها إبراهيم الخليل، وحملت الجنود الذين تعقبوه.

وبعد أن هرب الخليل من النمرود ذهب ليبني الكعبة في مكة، وأراد إبليس أن يخلق متاعب بين إبراهيم وهاجر زوجته، أغراها لتقنع زوجها بعدم بناء الكعبة، فتناولت حجراً ورجمته به، ومن هذا الحادث حصل إبليس على لقب الشيطان الرجيم، بعد أن انتهى من الكعبة أمر إبراهيم ببناء حرم في القدس، ثم أمر ببناء حرم ثالث في الخليل، وقد اهتدى إبراهيم على مكان الحرم الخليل بواسطة ضوء سماوي سلّط على المكان ليلاً، وهناك أسطورة أخرى تقول: أنه اهتدى للمكان على النحو التالي:

جاء ثلاثة من الملائكة على شكل بشر إلى إبراهيم، فظنّهم ضيوفاً فذهب ليذبح لهم ذبيحة، وهرب العجل الذي يود إبراهيم ذبحه وتبعه حتى دخل إلى كهف، وهناك سمع صوتاً يقول له: إنك في ضريح آدم وعليه يجب أن تبني مزاراً (لاحظ أن الأساطير تؤكد أن آدم ولد ومات في فلسطين)، وتقول أسطورة أخرى: أن جملاً دلّ إبراهيم على مكان المزار، ولكن إبليس ضلّه، وبعد أن بنى جزءاً من البناء هداه الله إلى المكان الصحيح.

وحول النبي موسى تدور العديد من الأساطير وتتناول الكرامات التي وهبه إياها الله، وتقول إحدى هذه الأساطير: أن صياداً تمنى على موسى أن يتوسط له لدى الرب عندما يكلمه على الجبل بأن يمنح الصياد تحقيق ثلاث رغبات، وفعل موسى واستجاب الرب، وعندما أخبر الصياد زوجته بالمنحة الإلهية طلبت منه أن يدعو الله بأن تبقى جميلة على مدى الدهر وتمنى الصياد واستجاب الرب، وقد أغرى جمالها مغامراً فاختطفها من زوجها، وتمنى الزوج أن يحيلها إلى خنزير في صورتها الأولى وظلّت الأمنية التالية لدى الصياد والتي بها استعاد زوجته في صورتها الأولى.

ويُروى أن عدداً كبيراً من الناس كانوا يجلسون في مضافة، وكان بينهم الشيخ الشاذلي، وقدم المضيف فنجاناً من القهوة للشيخ فناوله لجاره وذلك للذي يليه حتى مرّ الفنجان على عموم القوم دون أن يتذوقه أحد، وأخيراً غضب صاحب البيت فقال له الشاذلي: "أفرغ كل القهوة التي في الأواني" وعندما فعل المضيف ذلك، خرجت حية كبيرة وبذلك حمى الشاذلي الحاضرين من أذى الحية.

إن استعراض العديد من القصص ذات المضمون الديني يظهر أنه قد انبثق عن الوجدان الشعبي، وبتأثير معتقدات دينية رسمية، حكايات تعكس معتقدات شعبية توضح وتفسر ذلك المعتقد الديني المقرر، وهناك حكاية تعكس ذلك المعتقد الديني والذي مؤداه أن الحجر والشجر يشهد لابن آدم، وتقول الحكاية:

أن رجلاً وقف ذات يوم في عرفات، و أخذ سبعة حجارة وقال: أيتها الحجارة اشهدي أنني أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وبعد ذلك نام الرجل، فرأى في المنام أنه يبعث يوم الحساب وأن سيئاته توزن مقابل حسناته، فتفوق السيئات على الحسنات، ويأمر الله أن يساق هذا الرجل إلى جهنم. وعندما يصل الرجل إلى أول باب من أبواب جهنم؛ يجد أن الحجارة التي رماها في عرفات وقفت حائلاً بينه وبين النار، ولم يستطع أحد إبعاد ذلك الحجر، فأخذ الرجل إلى باب آخر من أبواب جهنم ليجد الحجر الثاني وقد وقف حائلاً بينه وبين النار، وهكذا كلما أخذ الرجل إلى باب من أبواب جهنم السبعة وجد أحد الحجارة السبعة التي ألقاها في عرفات وأشهدها على إيمانه واقفاً يحول بينه وبين النار، ونتيجة ذلك أرسل الرجل إلى الجنة ونجا من النار.

وتقول لنا حكايات الأولياء الصالحين أن هؤلاء الأولياء يحمون من أقام بجوارهم أو استجار بهم، فقد قتل الولي النبي حانون بالقرب من بير زيت طيور الشنار التي كانت تعتدي على البيدر الموجود بجواره، وحمى الولي النبي صاير الغزاوى الذي وضع حمل جمل من القمح ببابه من اللصوص الذين حاولوا الاعتداء عليه، وفى أول الأمر كان اللصوص يتصورون أن الغزاوي وجمله وحمل القمح تتحرك إلى داخل المقام كلما اقتربوا منها، وعندما يبتعدون يرونها وقد عادت إلى مكانها ولم يبتعد اللصوص عن الغزاوي الأبعد أن استحال النبي إلى أفعى وطرد اللصوص بعيداً عن الغزاوي المستجير به.

ولأولياء الله الصالحين كرامات، وللقديسين من أتباع الديانات السماوية معجزات يعينهم الله على تحقيقها في ساعات المحن والشدة، وبها يظهر الله الحق ويمحق الباطل.

وتقول أسطورة تتحدث عن هرب العذراء مريم بابنها من وجه بني إسرائيل، ومن أجل أن يسكت المزارعون ويمتنعون عن ذكر وجهة هربها للذين يقتفون أثرها، نبت الحمص الذي يزرعونه واستحصد في يوم واحد، وامتلأ بئر عونا الضحل لتشرب منه العذراء، وأما النعاج التي سترت مرور العذراء فنبت لها صوف كثيف، وبعكس ذلك، فإن الغنم السوداء ظلت جرداء وارتفع ذنبها لأعلى يفضح عورتها لأنها فضحت مرور العذراء بسبب الثغاء.

والموت … لا مفر من الموت، وعندما يأتي أجل الإنسان فلا مهرب من الموت، وقد يأتي الموت للإنسان وهو في أوج حياته ومن حيث لا يعلم، هذا ما تحكيه الأسطورة عن وفاة موسى النبي – فقد مرّ بملكين يحفران قبراً وطلب الملكان منه أن يجرب القبر بصفته أحد أبناء آدم لأنهما كانا يعدان القبر لآدمي، وعندما نزل موسى في القبر ناولاه وردة شمها فانتهت حياته، وتعكس هذه الأسطورة ذلك المعتقد الشعبي الذي يقول أن الله يتوفى الصالحين على وجه مريح، وبعكس ذلك، فإن ميتة الأشرار والكفار يصاحبها عذاب مبرح وآلام شديدة.


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 13407

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم