17-05-2018 10:18 AM
سرايا - عالم غريب من نمل محارب ونمل أبيض مدرَع تم العثور عليه متحجرا في كهرمان*
*الكهرمان: هو مواد هيدروكربونية مفرزة من أشجار الصنوبر، تحجرت وتشكلت من آلاف السنين.
أحافير حشرات وُجدت مدفونة في كهرمان بورمي في ميانمار، منها أحافير للنمل والتي تشكلت من 99 مليون سنة. وأحافير أخرى للنمل الأبيض تشكلت من 100 مليون سنة. هذه الأحافير كانت مفيدة في تفسير السلوك الاجتماعي المبهر لهذه الحشرات منذ بداية نموها وتطورها. في بعض الأحافير تم العثور على تجمعات من النمل يبدو وكأنها كانت تخوض معركة حامية الوطيس، بينما في أحافير أخرى تخص النمل الأبيض فقد اكتشف الباحثون أن لكل طائفة من طوائفه تركيب مميز يناسب وظيفتها؛ فللجنود تركيب مختلف عن العمال.
إلى الآن كل ما نعرفه عن النمل الأبيض المحارب يعود إلى 20 مليون سنة، ولكن يبدو أن هذه الأحافير الجديدة ستضيف على علمنا 80 مليون سنة أخرى هذا ما قاله الباحث فيليب باردن عالم ما بعد الدكتوراه في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي American Museum of Natural History (AMNH) the في نيويورك.
النمل الأبيض القوي
يقول باردن إن النمل الأبيض هو أقدم مجموعة حيوانات اجتماعية* معروفة، والأحافير والأدلة الجينية تشير إلى أن ظهور هذه المجموعة قد بدأ من العصر الطباشيري أي ما يعادل 146 إلى 100 مليون سنة مضت. ومن الجدير بالذكر أنه تم العثور على أحافير للنمل الأبيض عمرها يفوق 100 مليون سنة لكنها لم تكن إلا للنمل الأبيض التكاثري المٌجنَح، ولهذا فإن ما يميز أحافير الكهرمان البورمي الموجودة في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي (AMNH) هي أنها أقدم عينة موجودة لجميع طوائف النمل الأبيض الثلاث. مستعمرات النمل الأبيض في عصرنا هذا كما كانت في العصر الطباشيري مكونة من ثلاث طوائف: النمل الأبيض التكاثري المجنح وهو المسؤول عن التكاثر، العمال وهم المسؤولون عن بناء الأنفاق وجمع الطعام، والجنود وهم المسؤولون عن الدفاع عن المستعمرة. والتمييز بين العمال والجنود سهل للغاية، وذلك لأن العمال لا يتميزون بخصائص معينة، وتركيبهم بسيط، بينما الجنود فلهم رؤوس قوية مميزة، وفكوك سفلية قوية، وتركيب أكثر تعقيدًا. كما أن قتل العمال سهل بالمقارنة مع الجنود الذين يبدون كالدبابة المدرعة.
* الحيوانات الاجتماعية: هي القادرة على التواصل بشكل فعال مع أبناء جنسها.
في تقرير تم نشره على الإنترنت في الحادي عشر من فبراير في مجلة الأبحاث Current Biology أوضح أن الباحثين سمّوا نوعًا (Species) من أنواع النمل الأبيض المكتشف حديثا بـ جايقانتوتيرمس ريكس Gigantotermes rex ، ويتميز هذا النوع بطوله الذي يبلغ 1 بوصة (2 سم) و فكوكه السفلية الغليظة، كما قاموا بتسمية نوع آخر بـ كريشناترمس يودا Krishnatermes yoddha نسبة إلى الباحث في النمل الأبيض كومار كريشنا Kumar Krishna والكلمة الهندية Yod dha والتي تعني المحارب، كما أن جميع الطوائف الثلاثة للنمل الأبيض تم العثور عليها في الصنف المذكور آنفا K. yoddha ، وهي: الجنود غليظة الرأس، والعمال، و النمل الأبيض التكاثري ذو الأجنحة الشفافة.
يقول باردن: من المثير للاهتمام وجود هذا التخطيط المحكم لأدوار النمل الأبيض وطوائفه في ظل غياب عدوه الأكبر النمل والذي لم يكن مهيمنا على البيئة في ذلك الوقت أي منذ 100 مليون سنة! لكن مما يبدو أن دور جنود النمل الأبيض في تلك الفترة لم يكن لمحاربة النمل ومواجهتهم، فعندما كان النمل الأبيض مكتمل التطور والنمو، كان النمل لا يزال يخطو خطواته الأولى على هذه الأرض
النمل العتيق
خطوات النمل الأولى تلك وُضِّحت ونُشِرت على الإنترنت في مجلة الأبحاث Current Biology ، فقد قام كل من باردن وزملائه بفحص أحافير النمل المحفوظة في الكهرمان البورمي والتي تشكلت من 99 مليون سنة أصغر بسنة واحدة فقط من أحافير النمل المكتشفة سابقًا في فرنسا ، وكان مما زُعم أن النمل وُجِد وتطور قبل تشكُّل هذه الأحافير بـ 50 مليون سنة أي في نهاية العصر الجوراسي أو بداية العصر الطباشيري ولكن لم يتم العثور على أحافير له من تلك الفترة.
أظهرت الأحافير أنه وحتى قبل 99 مليون سنة كان النمل مخلوق اجتماعي حيث أنه يتواجد في جماعات، على الرغم من كون النمل يمثل 1% فقط من أحافير الحشرات التي وُجِدت محفوظة في الكهرمان ، واحتمالية وجود 11 نملة من صنف جيرنتوفورميكا الحلزوني Gerontoformica spiralis مع نملة واحد من صنف هيدومايرميكس زجراسي Haidomyrmex zigrasi هو 131 كوادريليون، وفي عينة أخرى من الكهرمان تم العثور على 21 نملة من ثلاث أصناف مختلفة.
واحدة من أكثر الأحافير إثارة للدهشة كانت لعمال من نوعي G. spiralis و G. tendir وهم يخوضون معركة ضارية فيما بينهم بأفواه متشابكة حول أطراف بعضهم البعض، وقبل أن يتمكن أي الفريقين من الانتصار، سقطت قطرات الكهرمان عليهما مُعلنة إنتهاء المعركة وتجمد العمال في أماكنهم.
يقول باردن إن المعارك والحروب القائمة بين النمل كانت دليلا استدل به العلماء على السلوك الاجتماعي المعقد لهذه الحشرات. كما أن عثور الباحثين على ملكات نمل وعمال متحجرين دعاهم للاستنتاج بأن هذه الطوائف الملكات والعمال كانت موجودة في مستعمرات النمل في العصر الطباشيري. وأضاف باردن أن النمل قديما كان مختلفا عما نراه اليوم في مطابخنا.
لنأخذ بعين الاعتبار جنس هيدومايرميكس Haidomyrmex (أي نمل الجحيم) المنقرض والذي كان يتميز بفكوكه السفلية الكبيرة التي قد يكون استعملها آنذاك للإمساك بفريسته، كما يقول باردن، وهذا الجنس كان قادرًا على النجاة لما يقارب 20 مليون سنة أو يزيد، وتركيبهم المميز يدل على أنهم كانوا يعتمدون في تغذيتهم على نوع معين من الفرائس لم يتمكن العلماء من اكتشافه بعد. وتم العثور أيضا على صنف آخر من النمل له رأس شبيه بالجمل، وشكل فم غريب مغطًى بشعر مدبب. ووصفه باردن قائلًا إنه شبيه بالوحش المعروف Predator أو المفترس الموجود في الأفلام.
شغف العلم لا ينتهي، فباردن وزملاءه اليوم يقومون بدراسة المزيد من الأحافير البورمية، بالإضافة إلى دراسة جينات الحشرات المعاصرة؛ ليستطيعوا بذلك الوصول لفهم أفضل لكيفية نمو التراكيب الجسدية والعلاقات الاجتماعية لهذه المخلوقات.
يقول باردن أن الأحافير تساعدهم في فهم المخلوقات المعاصرة، والعكس صحيح فالمخلوقات المعاصرة وجيناتها تساعدهم في فهم كيفية عيش أسلافها في العصور الآنفة.