سرايا - سرايا - كنتُ أتمنى أَن تَمضي السنواتُ الباقيةِ من عمري بهدوءٍ وسلامْ
ولكن يبدو أن قدرا غاشما عبثَ بما تبقى في محتوياتِ هذا العمر
كانت حياتي هادئة . . متزنه . . رتيبة . . مملة الى حد ما . . الى أن اجتاحتها العاصفة
أنا رجلٌ في العقدِ السادسِ من العمر . . تجاوزتُ الخمسينَ قبلَ بضعَ سنوات
أعملُ مديرا تنفيذيا لمصنع في المنطقة الصناعية شرقَ العاصمة . . ويتطلبُ عملي أن أكونَ على صلةٍ وتواصل مع جميع العاملين بهذا المصنع . . .لم أصلْ الى منصبي هذا إلا بالجهدِ والمثابرةِ والعزمِ على تحقيقِ ما أصبو إليه على الصعيدِ الشخصي . . . وعلى الصعيدِ العملي بالعمل الدؤوب على تطوير المصلحة
والاهتمام بكل شأن من شؤونها . .
الإنتاج . . العمال . . الموظفين . . الإدارة المالية . . والعلاقات العامة والشخصية
لا أخجلُ من بداياتي في المصنعِ قبلَ اثنين و ثلاثين عاما . . عاملا بسيطا رث الثياب أوكلت اليه مهامَ هامشية كالتحميلِ والتنزيلِ أوأعمال وضيعة مثل الإهتمام بنظافة الحمامات
و ملاحقة ومتابعة المعاملات الرسمية الحكومية التي تتعلق باستصدارالتراخيص والأذونات . . . وبكل فخرٍ أقولُ أنني غدوتُ شريكا في المصنع بنسبة لا يستهان بها . . .
كان يوما ربيعيا جميلا عندما استلمت موظفة مراقبة الجودة مهامها الوظيفية هي أحدى قريبات شريكي نجل المرحوم المالك السابق للمصنع . . الذي أمر بتعيينها في المصنع
دون أخذ مشورتي . . وقد أثار ذلك حفيظتي . . الشأن الذي جعلها لاحقا تتودد لي
وتطور من أدائها بصفة مستمرة لتثبت كفائتها وتفوقها بالعمل . . . وهذا ما كان بالفعل
كانت هذه الفتاة في مقتبل العمر اذ أنها لم تتجاوز الأربعة وعشرون ربيعا من العمر
تتمتع بخفة ظل . . وأنوثةٍ طاغية . . قلما تجدونَها في موظفات المصانع . . . بعد أن تَعينتْ بفترةٍ وجيزة بدأتُ ألاحظُ تغيراتٍ جذرية في تعاملها معي فقد أحسست انها تنظر لي بعيونٍ شاردةٍ وفكرٍ مشغول وتتعمدُ أن تأتي لمكتبي يوميا
لتستعلمَ عن أمورٍ بدهيةٍ تتعلق بالعمل والإنتاج ولا تحتاج الى اي استفسار افترضتُ أنها ترى في شخصي صورة لوالدها الذي فَقدته منذ أمدٍ بعيد عندما كانت طفلةً في المرحلة الإبتدائية إثر حادث مؤسف
لم أكترثْ للموضوع كثيرا فقد اعتبرتها في البداية كإحدى ابنتاي اللتان تخرجن من الجامعة وتزوجن منذ سنوات احداهما تقيم مع زوجها وأولادها في أحدى دول الخليج
والأخرى على أعتاب الأمومة بعد شهرين من الزمن . . . وتزورني ووالدتها بين الحين والآخر لتكسر حاجز الروتين والملل الذي تكون بيني وبين أمها مع مرور الزمن .
أو كالبنت الثالثة التي تتابع دراستها العليا في الهندسة المعمارية في الولايات المتحدة
ذاتَ مساء شتوي بارد . . كنت آخر من يغادر المصنع وتوجهت الى سيارتي في موقف المصنع لأُفاجئَ بأنَ هذه الموظفة قد تعطلت سيارتها وتقطعت بها السبل بعد أن فرغت بطارية هاتفها المتحرك . . فحاولت معرفة العطل وإصلاحه ولكن دون جدوى
حيث أن سيارات الهايبرد كثيرةُ المشاكل و غايةً في التعقيد . .
لم أجدْ سوى أن أقوم بتوصيلها الى المنزل وإرجاء اصلاح السيارة الى وقت لاحق
تجاذبنا أطراف الحديث الدافئ في جو السيارة الدافئ . . اعتمدتْ اسلوبَ التلميحَ في البداية . . .الا أن هذا الأسلوب لم يكن مجدٍ في توصيل الحالة الكارثية – على حد تعبيرها – التي
آلتْ اليها. . . صارحتني هذه الفتاة بعشقها الذي وصل الى درجة الوَلَهْ . . وصارحتني بأنها تتمنى ان أتقدمَ لخِطبتها من أخوالها . . وقالت بالحرف الواحد أنها تجد في شخصيتي شيئٌ
لم تجدهُ أبدا في أي انسان عرفته قبلي وأنها لا تبالي بفارقِ العمر بيننا ثم انهارتْ باكيةً بطريقةٍ أثارتْ شجوني . . . هدأتُ من روعها وطلبت أن تُمهلني حتى الصباح . . . تلك الليلة كانت أطولُ ليلةٍ في حياتي . . لم أذقْ فيها طعمَ النوم . . تقلبتُ كثيرا في الفراش . . . حتى أن زوجتي لاحظت أَرًقي واستفسرتْ عن حالي المزري فتحججتُ بألمٍ ألمَ بأسناني
في الصباح كنت قد تمالكت نفسي واتخذت قراري الذي أقسمتُ أغلظَ الأيمان بيني وبين
نفسي أن لا أتوانى في إخبارها به . . . مهما كلفَ الأمرُ من خذلان لها أو دموع
وبمجرد وصولي الى المصنع واحتساء قهوتي الصباحية استدعيت الفتاة لأخبرها بأنَ كل ما تفكر فيه تجاهي هو محضُ خيالٍ . . . إنْ لم يكنْ ضربٌ من الجنون
وأنه لا سبيل لجعل هذا الوهم حقيقة . . فأنا لست من جيلها وسيكون أي نوعٍ من الإرتباط بها ظلما شديدا يحيق بها وجَوْرا كاسِرا على رفيقةِ دربي وأمُ أولادي المخلصة
الا أنني وللأسف لم أتمكن بإخبارها بحرف واحد من هذا الكلام
فقد كان تداعي عَبَراتها أسبقُ مني في ادعاءِ عباراتي . . .
أعترفُ أنني تأثرت كثيرا بمشاعرها نحوي وأصبحت منذ ذلك الحين أفكر فيها يوميا وأفكر بموضوع الإرتباط بها بشكل جِدي
لا أجدُ أي مانع في خطبتها . . فقد أحل الشرع الزواج بأربع نساء وليس اثنتان فحسب . . . كما أنه لا يوجد أي سقف زمني للفرق بين عمر الرجل وعمر زوجته وزوجتى لن تموت إذا تزوجت بامرأة أخرى . . واقسمُ أنني عقدتُ العزمَ على العدلِ بينهما
لكنني لا زلتُ حتى اللحظة أجبنُ من أن أتخذ أي قرار بهذا الشأن
أحسُ بأن المعطياتِ لا تكفي للحل . . وأن المطلوبَ ذا بأسٍ أشدُ من وَضعي البائس
أخبروني . . . ماذا افعل بهذه المعضلة التي المتْ بحياتي وأفقدتها اتزانها المزعوم