11-07-2016 11:10 AM
سرايا - سرايا - يضيء كتاب جديد صدر قبل أيام للكاتب جعفر العقيلي، جوانب في حياة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي وسـيرته العملية ومنجزاته، مبيناً الأصول والمنابع التي شكّلت وعيه وبلورت ثقافته وجعلته من الشخصيات الاستثنائية التي أثّرت في تاريخ الأمة.
ويؤكد العقيلي الذي يحمل كتابه عنوان «محمد الأمين مايأبى الشنقيطي.. العالِم المربّي والسـياسـي الناشط والدبلوماسـي المصلِح»، أن الشنقيطي (1905-1990) اضطلع بدور وطنيّ كبير على مدى عقود، في مجالات عدّة تقلّدَ فيها مناصب رفيعة؛ في الإفتاء والقضاء، والمعارف (التربية والتعليم)، والسلك الدبلوماسـي، إلى جانب جهوده في إعمار المسجد الأقصـى وقبة الصخرة المشـرفة، وترؤسه الهيئة العلمية الإسلامية، وإسهامه في مشـروع وحدة الضفتين، إذ كان سماحة الشيخ في كل محطة في مسـيرته، أو مهمّة يُختار لها أو منصب يُسنَد إليه، يَطبع بصمةً تنمّ عن رؤية استشـرافية تضعُ مصلحة الأمة والصالحَ العام ومنفعة الناس وتطوير الأداء المؤسسـي في سلّم الأولويات.
ويوضح العقيلي في كتابه الصادر عن «الآن ناشرون وموزعون» (2016) أن الشـيخ محمّد الأمين طبّق هذه الرؤية المهمومة بالنهوض بالبلاد عملياً وعلى أرض الواقع، من خلال تطوير أنظمة وقوانين كان معمولاً بها، والاجتهاد في استحداث أخرى تواكب احتياجات المجتمع الناهض.
ويستعرض العقيلي في دراسته، ما عُرف عن الشيخ من حبّه للعلم، وثقافته الواسعة وخلُقه الرفيع، ومثابرته في العمل، ويبدأ العقيلي بالتعريف بعائلة الشـيخ محمّد الأمين؛ إذ ينتمي إلى عشـيرة جمعت بين العلم والزعامة في بلاد شنقيط بالمغرب العربي، التي تُعرف في الوقت الراهن بجمهورية موريتانيا الإسلامية.
وفي مطلع شباب الشنقيطي المولود عام 1905م/ 1322هـ ، عمل كاتباً في المحكمة الشـرعية في عمّان سنة 1929، ثم عُين قاضياً في السلط (1938)، ثم في معان (1941)، ثم في إربد (1942)، وظلّ في القضاء حتى سنة 1945 حينما عُين مفتياً لإمارة شـرق الأردن، ثم تولّى منصبَي قاضي القضاة ووزير المعارف في أول حكومة تشكّلت في عهد المملكة الأردنية، وأُسند المنصبان أو أحدهما إليه غيرَ مرة في التشكيلات الحكومية اللاحقة حتى مطلع الستينات من القرن العشـرين.
ويبين العقيلي أن فترة الخمسـينات شهدت تبلور شخصية الشـيخ محمّد الأمين وتطور خبراته، ما أسهم في اضطلاعه بدورٍ محوريّ في عدد من القضايا الساخنة على المستوى الوطني، إذ بُذلت الجهود لمنع قيام وطن قوميّ لليهود على أرض فلسطين، وقد شغل الشـيخ محمّد الأمين في تلك الفترة منصب قاضي القضاة ووزير المعارف، وساهم عبر تولّيه رئاسة الهيئة العلمية الإسلامية في تلك الفترة في توضيح سماحة الإسلام ووسطيته، كما ساهم عبر رئاسته اللجنة الخاصة بإعمار المقدسات الإسلامية في الحرم القدسـي الشـريف تحت الرعاية الهاشمية، في حماية المقدسات الدينية وصيانتها والحفاظ عليها، وإلى جانب ذلك، كان أحد الذين تولّوا رئاسة المؤتمرَ الإسلامي العام.
ويشير العقيلي إلى أن الوثائق الهاشمية في مطلع الأربعينات تشير إلى دور للشـيخ محمّد الأمين الشنقيطي في مهمات وطنية وقومية جليلة، مثل الوحدة مع سوريا، كان يؤديه بتكليف أو بتوجيه من الأمير عبدالله (الأول) بن الحسـين، إذ كان بمثابة اليد اليمنى للملك المؤسس في حلّه وترحاله، وكان الملك يجلّه، ويقدّمه في الصلاة، ويستشـيره في المهمات.وكان الشنقيطي أول من شغل منصب قاضي القضاة بعد أن انتقل الأردن من عهد الإمارة إلى عهد المملكة، كما كان والده أولَ من شغل هذا المنصب في عهد الإمارة. ويعدّ المؤسِّسَ الحقيقي لدائرة القضاء الشـرعي في الأردن.
أما في الجانب التربوي، فيؤكد الكتاب بما يتضمنه من وثائق ومراسلات وخطابات أن الشنقيطي كان يدْرك أنّ التربية بمفهومها الشامل تشكّل أهمّ ركائز المجتمع، وقد اختير الشنقيطي عضواً في مجلس الأعيان الثالث (1/9-31/10/1951)، جامعاً بين عضويته في هذا المجلس الذي تشكّل زمنَ وصاية الأمير نايف بن عبدالله على العرش، وبين تعيينه قاضياً للقضاة وعضواً في مجلس الوزراء في حكومة توفيق أبو الهدى التاسعة والتي كانت أول حكومة في عهد الملك طلال بن عبدالله.
واختير الشنقيطي عضواً في مجلس الأعيان السادس (1/11/1959-28/11/1962)، وبقي عضواً في المجلس نفسه الذي أعيد تشكيله في 29/11/1962، ثم استقال منه في 11/8/1963 عند تعيينه سفيراً للأردن في السعودية.
تأتي أهمية هذا الكتاب من كونه يتفرد بدراسة شاملة لمختلف جوانب حياة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، جامعاً لمسيرته وعمله، في سيرة تترجم مآثر الرجل وما قدمه خلال علمه من خدمة للوطن والأمة، وبما يعد إضافة إلى المكتبة العربية فيما تتضمنه من ِسـير الأعلام وتراجم رموز الأمة.