06-08-2014 07:08 PM
سرايا - سرايا - لم تكد تصل عقارب الساعة إلى الثامنة من صباح أول أيام اتفاق وقف إطلاق النار، حتى خرج سكان قطاع غزة بمئات الآلاف إلى الشوارع كلٌ نحو وجهته، بعد بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، وهو ما يعني عملياً توقف العدوان بعد شهر كامل من المعاناة.
وتحركت آلاف العائلات من المدارس وبيوت الإيواء ومنازل الأقارب والأصدقاء نحو بيوتهم أو ما تبقى منها، عقب انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق الشرقية لقطاع غزة، وهنا بدت معالم الكارثة أكثر وضوحاً، وأدرك الجميع أن ما حدث أكبر بكثير مما كانوا يعتقدون.
كثير من الأهالي كانوا يتصورون أن منازلهم كانت بمنأى من القصف كونها بعيدة نسبياً عن الشريط الحدودي، وأعدوا العدة للسكن فيها من جديد، لكن بمجرد وصولهم إلى الحي الذي كانوا يقطنون فيه أصابتهم الفاجعة من هول ما شاهدوا بأعينهم.
أحياء بأكملها أبيدت تماماً وتغيّرت معالمها، وبات من العسير على كثيرين مجرد التعرف على أماكن بيوتهم، ولا سيما في مناطق حي الشجاعية وحي الشعف المجاور له، وبلدة خزاعة شرق مدينة خانيونس، فضلاً عن المناطق الشرقية لمدينة رفح جنوب القطاع.
زلزال
سامر جندية مواطن فلسطيني خرج مع عائلته منذ ما يزيد على الأسبوعين من منزله الواقع شرق حي الشجاعية وظلوا جميعاً داخل إحدى مدارس وكالة الغوث، وبمجرد سريان اتفاق وقف إطلاق النار خرج مع عائلته بواسطة "تكتك" باتجاه المنزل، وهناك عقدت الصدمة لسانه.
يقول سامر، إن ما جرى لا يمكنه وصفه إلا بزلزال مدمر أتى على كل شيء، إذ دمّرت المئات من المنازل، وتحولت مربعات سكنية كاملة إلى أكوام من الركام، مشيراً إلى أن قرب منزله من الشريط الحدودي منعه في التهدئة الماضية من الوصول إليه، لكنه في هذه المرة عاد إليه ليجده أثراً بعد عين.
وأضاف الأربعيني الفلسطيني إن ما حدث طوال الشهر الماضي مجرد بداية لرحلة طويلة من المعاناة، بعدما تكشّفت له أهوال الحرب، وبدأ يتفقد ويعد الخسائر التي لحقت به وبغيره من سكان الحي.
وتابع "استشهد خلال الحرب عدد من أقاربي، وخسر العشرات منهم منازلهم، في الفترة الماضية كانت لدينا قدرة على احتمال الصدمات وترقّب ما سيأتي لاحقاً، لكن الآن تبدأ المعاناة الحقيقية، ما بين تذكّر أحباء لنا قتلتهم الحرب، وتفكير بالكيفية التي سنعيش فيها بعدما فقدنا كل شيء، ولم نعد نملك مجرد غرفة للنوم فيها".
جرائم حرب
أما أبو طارق النجار، مواطن فلسطيني من سكان بلدة خزاعة، عاد إلى البلدة ليجد معظم مبانيها مجرد أكوام من الركام، ويقول لـ24 إنه فقد أكثر من 100 من أبناء عائلته الكبيرة منذ بداية العدوان، من بينهم ابنته وزوجها وحفيدته، بعدما استشهدوا داخل منزل كانوا قد نزحوا إليه هرباً من القصف.
وأشار إلى أن الحزن الحقيقي لفقدان كل هذا العدد من أقاربه بدأ الآن مع وقف إطلاق النار، مؤكداً أن المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي تحتاج إلى تحقيق دولي، وإن كان "لا يثق بأن أي تحقيق سيفضي إلى محاسبة المجرمين الإسرائيليين".
ويؤكد أبو طارق أن الجيش الإسرائيلي قتل العشرات من العائلات بدم بارد وبقصف عشوائي، أدى لصعوبات كبيرة في انتشال الجثث من بين الأنقاض لحد الآن، ولفت إلى العديد من الأهالي تم إعدامهم رمياً بالرصاص بعد تقييدهم والتحقيق معهم من الجنود الإسرائيليين.
بيوت عزاء وجثث
وفي مدينة رفح التي عاشت أياماً عصيبة في الأسبوع الأخير من العدوان، لا يكاد يخلو شارع واحد من بيت للعزاء، بعدما تعذّر على الأهالي طوال فترة الحرب استقبال المعزين في استشهاد أبنائهم، إذ لم يكن أحد يستطيع مجرد الخروج من منزله.
ومن بين الذين كانوا يستقبلون المعزين أحمد الغول، الذي فقد معظم أفراد أسرته بعدما قصفت طائرة حربية إسرائيلية منزلهم خلال الليل، ما أدى لاستشهاد والديه و4 من أشقائه وشقيقاته وعدد من أبناء أشقائه، فيما نجا اثنين فقط من أفراد العائلة.
وجلس أحمد حزيناً باكياً داخل بيت العزاء، فيما يحاول المعزين تهدئته ورفع معنوياته، وعلى بعد أمتار فقط ينشغل مجموعة من الشبان في نصب بيت عزاء آخر لشهيدين من عائلة واحدة سقطوا في قصف مشابه.
المعاناة الحقيقية تتجسد بوضوح أكبر داخل المستشفيات، ففيها من المآسي ما يصعب نقله، من بينها ما يجري في المستشفى الكويتي بمدينة رفح، إذ يحضر بين الحين والآخر بعض الأهالي للبحث عن أبنائهم بين الجثث التي ما تزال مكدسة بانتظار أن يتعرف عليها ذويها.