حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,10 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 189010

احمد عويدي العبادي : ماذا قلت للملكة نور وماذا طلبت مني ؟

احمد عويدي العبادي : ماذا قلت للملكة نور وماذا طلبت مني ؟

احمد عويدي العبادي : ماذا قلت للملكة نور وماذا طلبت مني ؟

04-06-2014 04:08 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا - سرايا - رأيت هنا ان انشر قصة طريفة وهامة دونتها في يومياتي عن زيارة الملكة نور الى قرى العبابيد في لواء وادي السير عندما كنت نائبا في البرلمان في المجلس الحادي عشر المسمى مجلس ال 1989(التفاصيل في النسخة الورقية من المذكرات).

كانت الزيارة يوم الأحد – 21/10/1990، انطلاقا من قرية البصة في الوادي الاخضر حيث حضر مسبقا العديد من المسؤولين من مؤسسة نور الحسين ثم وزير الزراعة، وقد أحسنت استقبالهم جميعاً لأنهم ضيوف على العبابيد.


كانت مهذبة متواضعة وناعمة


ثم جاءت الملكة نور وكانت تجلس بجانب السائق، ووصلت بدون موكب ولا مضايقات للعبابيد وليس معها حراسة فهي تحب الاردنيين وهم يحبونها، وهبيت والرسميون لاستقبالها، وكانت ترتدي تنورة طويلة تغطيها حتى أخمص قدميها، وقميصاً طويل الأكمام حاسرة الرأس ، وصافحناها، واثقة من نفسها، وعرّفت على نفسي عند مصافحتها، فأشارت انها تعرفني، ثم تقدمت (الملكة) للسلام على المستقبلين الرسميين، ثم مجموعة من الناس من الحضور، وكانت مهذبة متواضعة وناعمة وراقية ورزينة.

ثم جلست ثم بدأ الحفل وتحدث العديد من المسؤولين والعبابيد، ثم تحدثت (شخصيا) اليها والى الجميع ارتجالاً (على الميكرفون) مرحبا بها باسم عشائر عباد في سائر أنحاء الأردن، قائلا لها: إن زيارتكم هي الأولى من نوعها التي يقوم بها أحد أفراد الأسرة المالكة لزيارة عباد بشكل رسمي، ونأمل أن تكون تمهيداً لزيارة الملك فيما بعد.

قلت ايضا: "إن عشائر عباد تعاني من الاضطهاد والقهر والاحتقان والتهميش والاقصاء من قبل مسؤولي الدولة، ولا ندري ما هو السبب، حيث يحرمون (العبابيد) كجماعات وأفراد من حقوقهم، حيث أن الواحد إذا وصل إلى رتبة رائد أو مقدم أو عقيد أحيل على التقاعد لأنه عبادي، وقد كنت أحد الضحايا" وتحدثت عن قصور الدولة في سائر المجالات من الرعاية الصحية وانعدام الماء والكهرباء والمشاريع والطرق والمدارس النموذجية وهيئات التدريس للذكور والاناث، وغياب وزارة الزراعة وعدم فتح وتعبيد الطرق "

قلت لها : " إن المنافقين من حولكم لا يألون جهداً في نقل الصورة الخاطئة إليكم ؛ لأن همهم الحفاظ على كراسيهم وليس على الوطن والشعب والملك، وإن هؤلاء قد وصلوا إلى مراكزهم بالنفاق، وحافظوا عليها بهذه الطريقة، ونقل الصورة غير الصحيحة عن العبابيد، ويقولون عنا أننا متخلفون، ونحن لسنا كذلك، بل نحن متحضرون، وإن الحقيقة أن الدولة تحاول زج أنفها ما بين العبابيد لإيجاد الخلاف بينهم، إلا أننا نتجاوز هذه المؤامرات باستمرار والحمد لله , ورغم عددنا الكبير الا انه ليس منا وزير ولا سفير ولا مدير ولا محافظ في الوقت الذي تجد فيه عائلة مكونة من خمسة أشخاص تبوأوا جميعاً المناصب الوزارية أو السفارة أو الإدارية العالية على مستوى السفير, وإنك الان في قرية البصة، وعلى قرب أمتار من حدود عمان الكبرى، وكأننا نعيش هنا في القرون الوسطى، لأن الخدمات معدومة إننا قبيلة مضطهدة، ونحن لا نستحق ذلك، ونحن الآن نعي ذلك جيداً، نرجو نقل الصورة إلى الملك".

ثم عرضت عليها الطلبات الخاصة للناس حالة، بعد حالة، وشرحت كل واحدة على حدة أمام صاحب الحالة، ثم ناولتها الطلبات العامة.

كما أنها طلبت مني نسخة عن جميع الكلمات التي قيلت، اما كلمتي فقد دونها المرافقون أيضاً.

بعد ذلك راحت تسلم على الأطفال وتقبلهم وتحتضنهم بود وحنان الام الحقيقية دون ان تهتم ان كان ذلك سيؤثر على ملابسها واناقتها فقد تجلت السلوكيات الحضارية لتغطي ما سواها.

ثم شاركت في قطف الزيتون مع المواطنين، وبدون حرس، وزارت مدرسة البنات دون تعطيل للدراسة فيها او تضييق على الناس وتحدثت الى العباديات بكل مودة وتواضع وانتبهت العباديات ان الملكة نور تلفظ حرف القاف بالأردني وليس بالمدني (قال وليس ال)، وتحدث إليها الجميع بدون حواجز وكانت تتصرف بعفوية الواثقة من نفسها المحبة للناس وهم يحبونها وهذا ما رايته وشعرته، والكل يريدها ان تبقى عندهم.

كانت متواضعة ومهضومة ومريحة ومهذبة ومتحضرة وشعرنا انها قريبة منا وأنها تحاول الافلات من قيود مرافقيها وطاقم مكتبها، وأنها وجدت عالمها الذي تعشقه من البساطة بين العبابيد، وأنها تثق بنا أكثر من ثقتها بالرسميين، مما اثار حفيظة وحسد مرافقيها فتقدم مني معاذ شقير (المكتب الصحفي للملكة) وإنعام المفتي مديرة مكتبها، وقالا: لقد بالغت في إظهار اضطهاد الدولة للعبابيد، فقلت: إنها الحقيقة ولا اتراجع عنها

ووجدت استياء لدى أنعام ومعاذ من مقولتي للملكة أن من حولكم منافقون وهمهم الحفاظ على مقاعدهم أما همّ العبابيد فهو الحفاظ على الوطن، وكررت تمسكي بموقفي.

وقالت أنعام: لقد كنت وزيرة فما كنت أكره العبابيد ولم أضطهدهم، فقلت: هل قدمت لهم خدمات آنذاك؟! قالت: لا، قلت: إذن أنت تكرهينهم هذا هو منطقنا، من لم يخدمنا فهو يكرهنا، قالت هي ومعاذ: إن الدولة ليست ضد العبابيد، فقلت: لنحتكم إلى هذا الطفل (من طلاب المدرسة وكان مارا بنا) فناديته: يا ولد أليست الدولة ضد العبابيد؟ وأشرت إليه بعيوني وراسي بما يوحي أنها ضدنا ففهم الطفل ما اقصده فقال: نعم الدولة ضدنا، فقال معاذ: الله أكبر د. أحمد غاسل أدمغة أطفال العبابيد إن الدولة ضدهم، قلت: هذه هي الحقيقة، وبذلك كان قول هذا الطفل هو الفيصل.


 انتهى امره وشطب نفسه بنفسه

 
بعد ذلك تحركنا إلى بستان أحد المزارعين العبابيد في البصة قرب مدرسة البنات، وهناك كان مسرح اللقاء تحت رمانة ليس في رمانها حبة صالحة حسبما الترتيب المسبق مني مع صاحب البستان ، كله مفلوق، ومتعفن ولا يصلح للبيع، وراح المواطن يشرح للملكة عن غياب وزارة الزراعة وإرشادها , وأنه (أي المزارع) يعمل باجتهاد من عنده، ثم همس المواطن في أذني أنه يريد تقديم حبتي رمان للملكة من النوع الجيد الفاخر هدية لها ( خارج اتفاقي المسبق معه )، فقلت: بل أكبر حبتين متعفنتين، مليئة بالفسفس , فقطف حبتين كبيرتي الحجم متعفنتين مليئة بالفسفس وقدمهما للملكة، فخرج منهما الفسفس في وجهها ( الملكة) مما جعلها تخاف وتنقز ، فقلت لها : هذا الرمان المتعفن، أليس من قلة الإرشاد الزراعي، وقلة عناية الوزارة، ما رأي الملكة؟ وما رأي معالي الوزير؟ وهنا اعترف الوزير بقصور وزارته وموظفيه. لقد انتهى امره وشطب نفسه بنفسه.

اما انعام المفتي فهي تعتقد انها أكثر خبرة وفهما مني في التعامل مع من تعمل معهم، ولا شك انني أكثر معرفة منها بما يؤثر عليهم، وكيف يفكرون وما هي النقاط التي تلفت انظارهم، ويبدو انها لم تقرا كتاب الجاحظ (التاج في اخلاق الملوك) الذي قراته عندما كان عمري اثنين وعشرين سنة.

وقد تشجع جميع الشباب في الحديث إلى الملكة وبكل صراحة وتقبلت (هي) منهم ما قالوه وكأنها امهم، حول تصورهم للدولة واضطهادها للعبابيد، وكانت الملكة هادئة وناعمة، وراقية وتسمع جيداً، وتحترم الناس، وقريبة منهم، ومهضومة، لكنها كانت منذهلة مما ترى وتسمع.

ثم ذهبنا إلى قصر عراق الأمير الاثري، وشرحت لها عنه وعن وضع العبابيد من حوله , ثم تحركنا نحو أراضي المناصير، حيث استوقفتها عند الألمانية، وشرحت لها عن نقص الخدمات في هذه القرى حيث لا ماء ولا كهرباء ولا مدارس، ولا عيادة، ولا مسجد، وكنت طيلة الجولة اشرح لها بالعربية , وعندما كنت اقرا في وجهها انها لم تفهم علي بالعربية كنت اشرح لها بالإنجليزية لغتها الاصلية , وقد تجمهر الناس في قرية الألمانية ينظرون إلى ما نفعل، فقال معاذ شقير: إنك تقوم بحملة انتخابية هائلة، فقلت: إنني أقوم بخدمة أقاربي، فقد قدموا لي الخدمة اللازمة لنا سلفا في الانتخابات السابقة.

سبقت موكبها الى عين وادي الشتاء، وهناك لقيت طفلاً (عباديا من المناصير) يملأ الماء في عبوة كبيرة ، سألته على عجل , اسئلة لأتوكد من حفظه لدرسه قبل وصول الملكة الى هنا وانا اعرف الحقيقة تماما , سألته : هل هذا الماء للشرب، قال: نعم، قلت: هل هناك حنفيات ماء عند الناس هنا؟ قال: لا، قلت: إنها مياه غير صالحة للشرب، قال: إننا نشربها، قلت: لا تغادر واشرب منها أمام الملكة لكي تعرف الحقيقة، ولقنته الدرس وفهمه بسرعة، ثم جاء طفلان آخران وانضما إليه والتزما بتوجيهاتي إليهم التي ستكون عند حضور الملكة كما سنرى.

جاءت الملكة، وطلبت ( بضم التاء ) (انا ) منها الترجل إلى العين , على غير رغبة من ايمن المجالي وانعام المفتي ، فترجلت ( الملكة ) ومعها أيمن المجالي فقط ، ولم تقم انعام بالسير معها , فقلت في نفسي : مسكينة انعام المفتي فقد لحقت بوزير الزراعة وانتهى امرها ايضا , ثم قلت للملكة : انظري، مياه غير صالحة للشرب، وقد شطب العبابيد كلمة (غير )وتركوا بقية الجملة( صالحة ) ليخدعوا أنفسهم بصلاحية الماء للشرب لعدم توفره في غير هذا المكان , وليس من ماء عندهم إلا هذا، ثم تقدمت( شخصيا ) من الأطفال الذين رتبت معهم قبل دقائق ، وسالتهم على مسمع ومرأى الملكة : هل تشربون منها؟ قالوا: نعم، فشربوا منها أمامنا، فاشمأزت الملكة وتقززت وكادت تستفرغ ، لكنه كان منظراً حياً وبرهانا واضحا , ثم أشرت إلى حوض ماء بجانب العين، كله من الماء الملوث الآسن المليء بالحشرات والطحالب، فقلت: عندما تنقطع هذه العين يشرب العبابيد من هذا الماء الآسن الملوث هم ومواشيهم، ثم قلت للملكة : هل تعتقدين بعد هذا أن هناك فئة مضطهدة حتى في جنوب أفريقيا مثل العبابيد , وارجو ابلاغ الملك اننا لسنا بخير, واننا جبهة عمان الغربية واقرب قبيلة اليها واننا قبيلة الحسم في عمان .

وانه يجب تغيير نمط التعامل معنا فقد تغيرت الدنيا وعلى الدولة ان تغير نهجها العقيم تجاهنا، اننا الان نفهم كل شيء والدولة لا تفهم شيئا في التعامل معنا وعليها ان تتغير ؟؟؟

ملحوظة

وللتاريخ فقد كانت الملكة نور الارقى والاكثر تحضرا وتواضعا ولطفا وتهذيبا ونعومة ورقيا بالعفوية وليس بالتكلف المصطنع من سائر اعضاء الطاقم الرسمي، وفي اليوم التالي وجدت الدنيا مقلوبة راسا على عقب في سائر مؤسسات الدولة، مما عزز بقوة تحقيق مشروعي الحضاري للنهوض بقبيلتي بما تستحقه كواحدة من أقدم قبائل الاردن , وان عظام اجدادنا تباع فوسفات ولكن اثمانها تذهب للفاسدين.  ( بقلم  د. احمد عويدي العبادي)








طباعة
  • المشاهدات: 189010

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم