04-11-2013 04:44 PM
سرايا - القائد المحنك هو من يصنع من الحدث موقفاً ومن الموقف عبرة ومن العبرة تغيراً شاملاً فيمحو من النفس اركان العجز والكسل ليرتفع بها من حضيض الضعف والانانية الى سمو القيم النبيلة والمباديء السامية لتصل بعطائها وبذلها وسعيها التوفيق والنجاح الالهي في بدئها وانتهائها .
يتجلى لنا هذا واضحاً في حدث من احداث السيرة النبوية التي مرت بالنبي صلى الله عليه وسلم مع اصحابه نقف معه لنستلهم منه دورساً وعبراً لعلها تجعل في قلوبنا نوراً وفي حياتنا ذكراً .
فعن ابي عمرو جرير بن عبدالله ( رضي الله عنه ) قال : ( كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءه قوم عراة مجتابي النمار، أو العباء متقلدي السيوف ، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة ، فدخل ثم خرج ، فأمر بلالاً فأذن وأقام ، ثم صلى ثم خطب فقال: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) النساء وقال :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ) الحشر 81 .
فتصدق رجل من ديناره ومن درهمه ومن ثوبه ومن صاع تمرة حتى قال ولو بشق تمره فجاء رجل من الانصار بصرة كادت يده تعجز عن حملها وتبرع بها ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من الطعام والثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنها مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سن في الاسلام سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها بعدة من غير ان ينقص من اجورهم شيء ومن سن في الاسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير ان ينقص من اوزارهم شيء انه الاحساس بمعاناة الناس فلم يعش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيداً عن واقعة او بيئته او اصحابه ولم يكن ينأى ويبتعد يوماً ما بنفسه ويعتزل الناس في بيته ومع ازواجه ويغلق ابوابه فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيش معاناة الناس كأنها معاناته هو بل ينهى من ولاهم الله أمر المسلمين ان يغلقوا ابوابهم دون تلبية حاجات الناس ، ويحذر من مغبة فعل ذلك فقد قال عمروا ابن مرة الجهني ( رضي الله عنه ) لمعاوية ( رضي الله عنه ) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة الا اغلق الله ابواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته ) اخرجه احمد والترمذي ، انها سلسلة من الاعمال الايجابية التي هي بمنزلة مساهمة من القائد لتغير الواقع .
فرق بين تأثر سلبي لا ينتج الا الجمود والسكون والتفرج على الواقع دون المشاركة في تغييره وتحسين وضعه بل ربما يكون سبباً في استمراره وتجذره وبين تأثر ايجابي فاعل ينطلق من لحظة الاحساس الى ساعة التطبيق في ميدان العمل انها رسالة نبوية الى اولئك الذين انعم الله عليهم بالنعمة والاموال والمكانة من اجل ان يلتفتوا الى حال اخوتهم الذين يعانون من قلة الحيلة وصعوبة المعيشة التفاتة صدق فهي احوج ما تكون اليوم لمن يتأثر لحالها فيتحرك ليشبع جائعها ويسقي ظمآنها ويكسو عاريها .
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما آمن من بات شبعان وجاره جائع الى جنبه وهو يعلم به ) .
hashemmajali_56@yahoo.com