23-12-2009 04:00 PM
تروي كتب التاريخ والسير ان القائد المسلم موسى بن نصير الذي غزا البحر في عهد الدولة الأموية و فتح قبرص وقيروان ومعظم مدن شمال افريقية والأندلس وأراد مواصلة الفتح حتى فرنسا وايطاليا لولا ممانعة الخليفة الوليد بن عبد الملك ، قد انتهى به المطاف فقيرا يسأل الناس كسرة الخبز في عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك الذي أمر فور عودته من المغرب ان يظل واقفا ومقيدا تحت أشعة الشمس إلى جوار شجرة حتى اغشي عليه وصادر كل أملاكه وتركه مشردا يسأل الناس العون في أحياء دمشق وهو في سن الثمانين من عمره . وها هو التاريخ يعيد نفسه بصورة لا تقل بشاعة مع المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد التي ناشدت قبل أيام حكومة الجزائر لزيادة مخصصاتها المالية لتستطيع العيش بكرامه ، اذ تقول في رسالتها أنها قد بلغت السبعين من عمرها ولم يتبقى من العمر إلا شهور او حتى أيام معدودة تتمنى ان تقضيها بكرامة وكبرياء بدل انتظار بقايا الطعام التي يقدمه الناس إليها بسبب ما وصلت إليه حالتها ! ولمن لا يعرف جميلة بوحيرد فنقول أنها التحقت بصفوف المناضلين الجزائريين وهي في سن العشرين للمطالبة بالاستقلال عن فرنسا ، ونفذت عمليات هجومية ضد الغزاة الفرنسيين وتخصصت في زرع القنابل في طريق المشاة والآليات الفرنسية ، وتم إلقاء القبض عليها بعد إصابتها برصاصة في الكتف وحبسها مدة ثلاثة سنوات تعرضت خلالها الى أبشع أنواع التعذيب وارتكبت بحقها جرائم الاغتصاب المتكررة ، وما هانت أو ضعفت أمام كل الضغوط والعذاب حفاظا على سر العمليات أو الكشف عن أسماء المناضلين من رفاقها ، وعادت من الاعتقال لتواصل عملياتها ضد الاحتلال ، حيث القي القبض عليها مرة أخرى وصدر بحقها حكم الإعدام الذي أوقفه الرئيس ديغول ومنحت الجزائر استقلالها بفضل تضحيات وبطولات الشعب الجزائري لتخرج من السجن من منفاها في فرنسا بعد الاستقلال عام 1962 ، بعد ان قدمت الجزائر أكثر من مليون شهيد ، وقد تغنى الناس بها واستقبلت في العديد من الدول العربية والغربية ومنها فرنسا كبطلة شعبية وصاحبة إرادة وعزيمة ما هانت ، وتسابق السينمائيون على إنتاج أفلام وبرامج وأشعار تحكي قصة هذه المناضلة ومنها الفيلم الشهير جميله بو حيرد الذي أخرجه يوسف شاهين . ما بين العهد الأموي والعهد الحديث مرت قرون وقرون ، وحال الأمة بتراخي وتراجع ، فلا قيمة ولا قدر لمن يحمل هموم الأمة في وجدانه ، ولا قيمة تذكر إلا لمن خانها وأدار ظهر المجن لها ، فأنطلق الفاسدون يعيثون الخراب في جسد الأمة ، فسارع فقهاء الدولار الى تشريع وإباحة الاستسلام والخيانة ، ومجد الشعراء والكتاب بطولات الذل والغدر وتغنوا بها ، فماذا جرى لهذه الأمة ، اهو الضياع الذي بلغنا أقصى درجاته ، ام حجم المؤامرات وغياب النظم الديمقراطية الحقيقية ، ام تسلط العسكر و القانون العرفي هو من أنسانا من سطر ارع صور النضال و الجهاد من اجل أمته ، وأنسانا حتى ان نعبر عن تضامننا مع أشقائنا في محنتهم ، ام هي ثقافة الذل التي أصابت عقل وقلب الأمة منذ بزوغ فجر الهيمنة الأمريكية - اليهودية على سطح هذا العالم منتصف القرن الماضي ! ما أصاب الأمة اليوم أبشع مما أصاب موسى بن نصير و جميلة بوحيرد ، و أبشع مما أصاب شعب غزة على يد المحتل الإسرائيلي و ابشع من حصار الاخ وابن الاخ ـ بل أبشع من الجدار الفولاذي العازل على حدود مصر مع غزة ، جدران العزل متعددة ومختلفة ، جدران عزل عن تاريخنا ومجدنا ، وجدران عزل عن ثقافة وقيم الجهاد والنضال ، وجدران عزل عن الحقيقة تطال الإعلام ، إنها ثقافة الجدران المعزولة التي نصبوها لهذه الامه منذ قرون واوصلتنا إلى ما وصلنا إليه ، حتى بتنا كالخراف لا تقوى على الحراك يجرها راع غافل و تحرسها كلاب تتربص بها إن أرادت الانطلاق . فلا عجب إذا في ضل تلك الجدران المرتفعة المقيتة ان يشكو ابن نصير حاله ، ولا عجب أن تسأل جميلة بوحيرد الناس كسرة الخبز .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
23-12-2009 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |