بقلم :

إن نكران الجميل هو أمرٌ محزنٌ وصعبٌ  قبوله من أي كان لأن الإنسان عندما يقدم معروفا لإنسان آخر أو حتى لحيوان فإنه يتوقع منه أن يقابل هذا المعروف بالمعروف وأن يجازيه الإحسان بالإحسان   ولكن النكران للمعروف صعب ويكون  أكثر صعوبة واسىً ومرارةً إن جاء هذا النكران والجحود من مخلوق ضعيف لا يملك من أمره شيئا ولم يكن قبل فترة وجيزة شيئا مذكورا  لخالقه وموجده والمتكفل به وبرزقه ومالك الملك والمتصرف بأمور الكون كله قال تعالى :

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ

وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ

وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ

ومن النكران  الصعب للمعروف كذلك هو نكران معروف الأم التي حملت وعانت وتألمت ووضعت ثم حضنت وأرضعت وأطعمت وسقت وربت وتعبت لأجلك  وسهرت  ...   وكذلك نكران  جميل الأب الذي شقي في الحياة وتعب وسهر وداوى وآوى ورعى وربى وفرح لأجلك وحزن وبكى ... وهذا النكران للأسف موجود في مجتمعاتنا العربية كثيرا والذي يريد أن يرى بعينيه فما عليه إلا أن يذهب لدور أو ملاجئ العجزة ليجد الأمهات والآباء هناك يعانون الوحدة والمرارة والألم بعد أن ضاقت عليهم قلوب وبيوت الأبناء .

وهذه القصة التي أمامنا هي قصة حقيقية فحصلت في باديتنا وهي تتحدث عن نكران الأبناء وجحودهم لفضل الآباء ....

            وتتحدث القصة عن شخص كان قاضيا من قضاة الأردن وجنوب سوريا.. كما كان شاعراً.. توفيت زوجته، وبعد وفاتها قام على تربية أبنائه، وعمل على تربيتهم التربية الصالحة، وواجه كل المصاعب في سبيل تلبية كل مطالبهم.. لدرجة أنه لم يتزوج بعد زوجته لئلا يؤثر ذلك على قيامه بواجبه في تربية أبنائه.. وبقي على هذا الحال إلى أن قام بتزويج جميع أبنائه.. حينها بدأت المشاكل، حيث أصبحت زوجات أبنائه لا يطقن أي طلب منه... ويسئن معاملته وبقيت الأمور إلى أن قل الكلأ والماء في الديرة التي يقيمون بها.. فذهب الأولاد للبحث عن منطقة أخرى ذات موارد أفضل، وطلبوا من زوجاتهم أنهم إن لم يعودوا في اليوم الفلاني أن يتبعنهم، ويقال أن الزوجات تركن الوالد الطاعن في السن لوحده، ولحقن بأزواجهن وذكرن لهم بأنه توفي وأنهن قمن بدفنه.

(وفي رواية أخرى يقال بأن الأولاد وزوجاتهم تركوا والدهم في ليلة ما وغادروا الديرة إلى ديرة أخرى إرضاءً لزوجاتهم(

وهكذا استيقظ الرجل العجوز في اليوم التالي وإذا به لوحده، وبقي لوحده متسائلا مستغربا عما حدث لأولاده.. إلى أن مر به أحد المسافرين.. والذي استغرب وجوده في تلك المنطقة لوحده خاصة لكبر سنه، فأخذه معه ليقيم معه ومع والده، وبقي القاضي لدى هذا الشخص لمدة ثمان سنوات، وفي السنة التاسعة حضر ضيوف لبيت هذا الشخص... وعند وضع الطعام طلب صاحب البيت من القاضي أن يجالس الضيوف كونه سيكون منشغلا بتغذية والده الكبير في السن.. وعندما نظر القاضي إلى صاحب البيت وهو يطعم والده تذكر معاملة أولاده السيئة معه وإهمالهم له إرضاءً لزوجاتهم، فانهمرت دموعه وقال هذه القصيدة، وطلب من الضيوف أن يوصلوها لابنه الكبير علي..

وفيما يلي القصيدة أرجو أن تنال إعجابكم

**********

يا طـْروش ياللي ناحرين المراجيب            

  طروش (الزوار)—ناحرين(قاصدين)—المراجيب (المكان العالي البعيد)

تريـّضوا لي واقصروا من خطاكم

تريضوا (تأخروا قليلا) ___ واقصروا (تمهلوا وتوقفوا )

وخذوا كلام الصدق ما به تكاذيب

ويا موافقين الخير حنا وياكم

     حنا (نحن) –وياكم (انتم)

وهديت بيكم راجلن وادي سلاحيب

هديت(رحلت)-راجلن(ماشي)—وادي سلاحيب(وادي سحيق وعر بين الاردن والسعودية)

ولقيت بالصبخة مدافيق ماكم

الصبخة( قطعة شاش واعشاب يضعها على رأسه لتخفيف الالم)- مدافيق ماكم(مصادر الماء)

وثمان سنين ارطب القلب ترطيب

أرطب القلب (أزرع فيه الأمل بعودتكم)

والتاسعة وانا اترجى حداكم

اترجى حداكم(اتأمل لقاء واحد منكم)

واجيبكم عن الوعر مع تداريج

ابعدكم عن الارض الوعرة وامشي بكم بتريث وهدوء

من خوفي يا بوي عايل يجهد بلاكم

عايل (إنسان )- يجهد بلاكم (يسبب لكم أذى)

واسعى مع الخلقان وارافق الذيب

الخلقان (الناس)- ارافق الذيب( أتحمل الاخطار)

من خوف لا ينقص عليكم عشاكم

ويا عيال ما سرحتكم مع الاجانيب

الاجانيب (الاغراب)

ولا عالصقعة كليتم غداكم

الصقعة(البرد الشديد)

ويا عيال ما ضربتكم بالمصاليب

المصاليب(أغصان الشجر الخضراء )

ولا سمعت الجيران جظة بكاكم

جظة أو لجة (صوت مزعج غير منقطع)

واحفيت رجلي في سموم اللواهيب

سموم اللواهيب(الصحراء الحارة اللاهبة)

وخليت لحم الريم يخالط عشاكم

الريم (الغزال)

وقمت اتعكز فوق عوج المذاريب

أتعكز( استند بعد أن هرم أو ضعف)—عوج المذاريب (عصاة فيها عوج)

وقصرن خطاي يوم طالن خطاكم

قصرن خطاي (هرم وضعف) طالن خطاكم(اصبحتم اقوياء)

ويا عيال خوالكم مرويين بالطيب

خوالكم(أهل أمكم) مرويين بالطيب (مشبعين بالكرم والاخلاق الطيبة)

وما تعلموني هالردا منين جاكم

الردا(الاخلاق الرديئة)

وهبم يا جيل الخنا كلكم عيب

وهبم (خسئتم)- جيل الخنا(العار)

ياللي على الوالد كثير لغاكم

لغاكم(الكلام الذي ليس له داعي ولا أساس)

وانتم تبعتم صفر العراقيب

صفر العراقيب(النساء الماكرات واللواتي ويلدغن كالعقارب الصفراء التي تسكن اماكن جبلية خطرة تدعى بالعراقيب)

ما هـِنْ معزة سوّد الله قراكم

ما هن معزة (ليس معهن العزة ولا فيهن الفخر)-قراكم(وجوهكم)

وريت نساكم ما تحبل ولا تجيب

(دعا لهم ولنساءهم بعدم الإنجاب)

وتقعد بطالة جالسات بلاكم

(يجلسن ولا يجدن طفل أو إنسان يتحدثن معه عند غيابكم عنهن)

وعسى قمركم لا يطلع ولا يغيب

(دعا عليهم بأن يصلو لاردى حال كما هو حاله الذي أوصلوه اليه )

والشمس مطمية ويعـْتم سماكم

مطمية (محجوبة عنهم)