12-02-2012 07:38 AM
سرايا - سرايا – علي أبو الراغب هو أول رئيس وزراء أردني يشكل ثلاث وزارات في عهد الملك عبدالله الثاني الذي بدأ في فبراير 1999، فبعد أن كان المحرك والمحرض وراء إقالة حكومة سلفه عبدالرؤوف الروابدة، تحديدا على قضية خلافهما في موضوع مدينة العقبة الإقتصادية الخاصة، جاء دور علي أبوالراغب لتأليف وزارة جديدة، فالرجل كان يقود لجنة إقتصادية كلفت بدراسة ملف العقبة وإحالتها الى منطقة إقتصادية خاصة، وكان يشرف من وراء ستار على عدة ملفات إقتصادية كانت تحظى بمتابعة شخصية من الملك الأردني، لذلك كان إختياره لتأليف وزارة جديدة متوقعا في أي لحظة، خصوصا وأن مدير المخابرات الأسبق المشير سميح البطيخي كان يدفع بإتجاه خيار أبو الراغب الذي كان لاحقا أول شخصية سياسية أردنية تطيح بالبطيخي، بل وتؤسس قانونيا لمحاكمته.
مع تأليف أول وزارة لعلي أبوالراغب في يونيو 2000 اصطدم سميح البطيخي بممانعة قوية ولافتة من تدخل البطيخي بتعيين وزراء حكومته، لكن البطيخي نجح بتمرير بعض الأسماء، وقرر بشكل مباشر إثارة الأزمات في وجه علي أبوالراغب لدفعه نحو الحاجة المبكرة لخدماته، إلا أن أبوالراغب ولدوافع تتعلق بشخصيته الميالة للإقتصاد، كان قد ترك ملف السياسة الخارجية للقصر الملكي طوعا، مستأذنا أن يظل ملف العراق بقيادة صدام حسين خاضعا لتأثيره، بعد أن تمكن تحالف عبدالكريم الكباريتي وسميح البطيخي منذ عام 1996 بالإساءة لعلاقات الأردن والعراق إرضاءا لأجندات خليجية، إلا أن الأمر لم يرض البطيخي فاستمر في التحريض ضد عودة نهج العلاقات المتين بين عمان وبغداد، رغم معرفته بإمتلاك علي أبوالراغب قناة مباشرة للإتصال مع القصر الرئاسي العراقي.
تفائل الشارع الأردني بقدرات علي أبوالراغب على الصعيد الإقتصادي، رغم التسريبات من الدوار الرابع حيث مقر الحكومة الأردنية، عن معارك عض أصابع بين أبوالراغب والبطيخي، إذ بعد أربع أشهر فقط من تولي أبوالراغب منصبه، فقد تمكن أبوالراغب من إقناع الملك بمعية ضابط كبير في المخابرات هو اللواء وقتذاك سعد خير بضرورة إقصاء البطيخي، نظرا لأن شرائح من المجتمع الأردني أصبحت على قناعة أن البطيخي يعطي إنطباعات وتلميحات لأنصاره أنه من يقود البلد، وأن كلمته لا تنكسر، فكان لا بد من التغيير على رأس الدائرة الأمنية الأهم، فجاء سعد خير، وتنفس علي أبوالراغب الصعداء لتمكه من إزاحة عبء كبير.
جرى تفاهم بين أبوالراغب وخير بعد أن باشر الأخير عمله، بأن تستقيل الحكومة، على أن يعاد تكليف أبوالراغب تشكيل الحكومة، بغية إقصاء بعض الوزراء الذين عينهم البطيخي، وكانوا يتلقون الأوامر منه مباشرة، في حين أن اللجوء الى تعديل وزاري من شأنه أن يقود الى إنطباع مفاده أن أبوالراغب وخير ينتهجان نهج تصفية الحسابات مع البطيخي ورجاله، وهو أمر لم يكن مسموحا به في قاموس جلالة الملك منذ توليه العرش.
أعاد أبو الراغب تأليف وزارة جديدة، أشرفت على الإنتخابات، ومحاكمة البطيخي وسجنه في محاكمة علنية لما تردد وقتذاك عن صلته بقضية تسهيلات بنكية بمئات الملايين أقترضت بلا ضمانات حقيقية من بنوك أردنية، ومع تصاعد شعبية علي أبوالراغب، كانت أجواء إنتخابات برلمان جديد تضغط على وزارة أبوالراغب، فتمسك حكومة الأخير بقانون إنتخاب موقت على قاعدة الصوت الواحد، أضر بهذه الصورة كثيرا، ثم ما لبثت الإنتخابات ذاتها، التي أجريت في ظل 220 قانون موقت صدرت في غياب الحياة البرلمانية، قد دفعت الحكومة للتراجع على صعيد الشعبية والشرعية، كما الإنتخابات ذاتها شابتها شوائب قانونية ودستورية، وحديث عن تدخلات أمنية لدعم بعض المرشحين قد بددت الإنطباعات الإيجابية عن علي أبوالراغب، فتوفرت وقتذاك معلومات وإنطباعات عن رحيل وشيك لحكومة علي أبوالراغب التي إستقالت في يونيو 2003 كإستحقاق لعرف سياسي يدفع الحكومة للإستقالة بعد إجراء الإنتخابات، وبدأت صالونات عمان بضخ أسماء شخصيات لخلافة أبوالراغب.
المفاجأة الحقيقية أن جلالة الملك وخلافا لكل التوقعات قد أعاد تكليف أبوالراغب للمرة الثالثة بتشكيل الوزارة، ليكون أول سياسي أردني في العهد الجديد يحظى بهذه الفرص، إلا أن أبوالراغب الذي إنفرد بالقرار والقوانين في ظل غياب البرلمان في حكومته الأولى والثانية، أظهر عجزا كبيرا من العمل تحت رقابة البرلمان، وشاخت حكومته الثالثة في أسابيعها الأولى رغم تصويت البرلمان لصالح الثقة بوزارته بنسبة تصويت مريحة، إلا أن أقطاب برلمانية في مقدمتها عبدالرؤوف الروابدة قد تطوعوا للتصويب بكثافة على حكومته، ومراجعة العشرات من القوانين الموقتة التي أصدرتها حكوماته، وقد حاول القصر الملكي، والمخابرات التدخل لصالح جسر الهوة بين الحكومة والبرلمان، فالأخير قد تفرغ لمناكفة أبوالراغب ووزراء حكومته الثالثة، وإغراقه بمئات الأسئلة التي تطال مخالفات وتجاوزات لحكوماته في ظل غياب البرلمان، وهي عملية أصبحت مرهقة جدا وقتذاك، ولوحظ أن وزارة علي أبوالراغب تعاني من الشلل التام.
وفي خطوة لتوزيع الأدوار وتخفيف العبء السياسي عن أبوالراغب، وبهدف منحه فرصة جديدة، صدر قرار ملكي بتعيين رئيس التشريفات الملكية وقتذاك فيصل الفايز وزيرا للبلاط الملكي وهو منصب أعيد إستحداثه بعد نحو عقدين من تجميده ضمن وظائف رفيعة في القصر الملكي، إذ شاعت إنطباعات بأن الفايز سيلعب دورا سياسيا لمساندة أبوالراغب، ونقل وجهات نظر القصر لأقطاب برلمانية، لكن إنطباعات أخرى قالت أن التعيين يهدف الى تحضير خليفة محتمل لعلي أبوالراغب في منصب رئيس الوزراء.
في أكتوبر 2003 وأثناء ترتيب زيارة ملكية الى دولة الإمارات، وإستثناء أبوالراغب من مرافقة الملك ، فقد قرر أبوالراغب التوجه برحلة خاصة الى سويسرا لإجراء فحوصات طبية، وكان مقررا منذ أسبوع أن يرتب خير والفايز تقريرا حول وضع حكومة علي أبوالراغب، لكن مناقشة التقرير جاءت بعد إنتهاء القمة الأردنية الإماراتية وقبل ساعات قليلة من المغادرة الى عمان، حيث أوصى الفايز وخير بتأليف وزارة جديدة، وحال البدء بمناقشة اسماء محتملة، قال جلالة الملك بسرعة لافتة: "أبوغيث قدها وقدود"، لم يعلق بعدها المشير خير، إذ هناك وجود صلة قرابة مباشرة بين خير والفايز، فكلف الفايز بتشكيل الوزارة على متن الطائرة الملكية، لكن التسريبات وصلت الى عمان قبل الطائرة الملكية، إذ علم علي أبوالراغب بخبر إقالته من قبل صحافيين مقربين منه قبل أن يذاع رسميا.
نشر بالاتفاق
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
12-02-2012 07:38 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |