31-12-2025 12:39 PM
سرايا - خاص - أكد نقيب الجيولوجيين الأردنيين ورئيس اتحاد الجيولوجيين العرب، الجيولوجي خالد فياض الشوابكة، أن ما شهده الأردن خلال السنوات الأخيرة، وبرز بوضوح خلال المنخفض الجوي الأخير من انهيارات أرضية وانزلاقات وإغلاقات متكررة للطرق، خاصة في محافظة الكرك وعدد من محافظات المملكة، لم يعد حدثاً عابراً يمكن اختزاله بالأمطار أو تحميله للظروف الجوية وحدها.
وقال لسرايا إن ما جرى ويجري هو نتيجة مباشرة لفشل تخطيطي متراكم، ولسياسات طويلة الأمد همّشت العلم، وأقصت الجيولوجيا والجيولوجيين عن مواقع القرار، وحوّلت إدارة المخاطر الطبيعية إلى ردود فعل موسمية تُدار بمنطق “الفزعة”.
وأضاف أن الأمطار لم تكن يوماً هي المشكلة الحقيقية، بل كانت العامل الذي كشف الخلل، فالأردن بلد معروف جيولوجياً بتعقيده وتنوعه، وبوجود صدوع وتراكيب جيولوجية نشطة، وتكاوين صخرية هشة، وترب شديدة الحساسية للتشبع بالمياه، إضافة إلى منحدرات غير مستقرة بطبيعتها.
وبين أن هذه الحقائق ليست أسراراً ولا اكتشافات حديثة، بل من أبجديات علم الجيولوجيا، ومع ذلك تُنفّذ مشاريع طرق وبنى تحتية كبرى دون دراسات جيولوجية وجيوتقنية حقيقية، أو تُختزل هذه الدراسات إلى تقارير شكلية لا تؤثر في القرار ولا في التنفيذ.
وأردف أن النتيجة باتت معروفة ومتكررة، حيث تنهار الطرق وتنزلق المنحدرات وتفشل الجدران الاستنادية، ثم تُغلق الطرق وتتوقف الحياة ويبدأ سباق الطوارئ، وما حصل في طرق الكرك خلال السيول الأخيرة لم يكن استثناءً، بل مثالاً صارخاً على هذا النهج، حيث أعادت الأمطار طرح السؤال ذاته حول سبب تنفيذ هذه المشاريع دون فهم حقيقي لطبيعة الأرض.
وأوضح الشوابكة أن المفارقة الصادمة تكمن في أن وزارة الأشغال العامة والإسكان، المسؤولة عن آلاف الكيلومترات من الطرق والجسور، لا تضم في كوادرها سوى عدد محدود جداً من الجيولوجيين (5 فقط)، وهو رقم لا يتناسب مطلقاً مع حجم المسؤولية ولا مع مستوى المخاطر الجيولوجية في المملكة.
وزاد بأنه إن صحّت هذه الأرقام، فنحن لا نتحدث عن تقصير إداري عابر، بل عن خلل بنيوي في فلسفة التخطيط، وعن تعامل مع الجيولوجيا بوصفها عبئاً يمكن تجاهله، لا عنصراً أساسياً في القرار.
واستطرد مبيناً أنه بعد كل انهيار يتكرر المشهد ذاته بلا أي تغيير جوهري، حيث تُرسل الآليات ويُردم الموقع على عجل ويُفتح الطريق مؤقتاً وتبدأ التصريحات، لكن الحلول الإسعافية لا تمنع الكارثة، بل تؤجّلها فقط إلى أول مطر قادم، فإدارة المخاطر لا تبدأ بعد الانهيار بل قبل التنفيذ بسنوات عند اختيار مسار الطريق ودراسة التكوينات الجيولوجية.
وأوضح أن هذا يواكبه مشهد إعلامي مألوف يهرع فيه المسؤولون إلى المواقع المتضررة أمام الكاميرات، وتُطلق عبارات منمّقة عن المتابعة والتوجيهات، ثم ينتهي العرس الإعلامي وتُطوى الصفحة دون محاسبة أو مراجعة علمية، ودون سؤال جوهري عن سبب انهيار الطريق ومن سمح بتنفيذه بهذا الشكل.
وقال إن المشكلة ليست نقصاً في الكفاءات، فالأردن يزخر بجيولوجيين مؤهلين، لكنهم مغيّبون عن لجان التخطيط وغير مشاركين في اختيار مسارات الطرق، مما جعل القرار الهندسي منفصلاً عن الواقع الجيولوجي، وكأن الأرض مجرد سطح يُعبَّد لا نظام حيّ يتحرك ويتفاعل.
وتساءل الشوابكة عن المدى الذي ستظل فيه الدولة تُدار بعقلية الطوارئ ومداواة الفشل بالتصريحات، مؤكداً أن "إعطاء الخبز لخبازه" قاعدة إدارة علمية، فالطرق لا تُحمى بالآليات أو الظهور الإعلامي، بل تُصمَّم وتُنفَّذ وفق أسس الجيولوجيا والجيوتقنية وإدارة المخاطر.
وحذر من أن استمرار هذا النهج يعني مزيداً من الانهيارات والإغلاقات والخسائر المالية والبشرية، وعندها لن يكون السؤال ماذا حدث، بل من يتحمّل مسؤولية هذا الفشل، فالطرق لا تنهار لأن المطر نزل، بل لأنها بُنيت دون فهم الأرض التي تحتها.
وأكد أن الحلول يجب أن تعالج جذر المشكلة وتنتقل بالدولة من منطق “إدارة الأضرار” إلى منطق منع المخاطر، ولخص الحلول العملية في ثماني نقاط أساسية:
أولاً، إعادة الاعتبار للدراسات الجيولوجية كشرط إلزامي، بحيث لا يجوز تنفيذ أي مشروع دون دراسة جيولوجية وجيوتقنية وهيدرولوجية متكاملة تكون مستقلة وملزمة في نتائجها، وتُراجع من جهة فنية محايدة.
ثانياً، إشراك الجيولوجيين في القرار لا بعد الكارثة، من خلال وجود مختصين دائمين ضمن لجان التخطيط واختيار المسارات وتصميم الجدران الاستنادية والمنحدرات، بوصف الجيولوجي شريكاً أساسياً لا جهة استشارية ثانوية.
ثالثاً، تعزيز كوادر وزارة الأشغال والبلديات بالاختصاص الجيولوجي، وتعيين كفاءات مؤهلة موزعين حسب الأقاليم في الوزارة والبلديات وأمانة عمان، مع منحهم صلاحيات حقيقية في التقييم والاعتماد.
رابعاً، إعادة تقييم الطرق القائمة عالية الخطورة عبر إجراء مسح وطني، خاصة في المحافظات الجنوبية والوسطى مثل الكرك والطفيلة ومعان والسلط، لتحديد المقاطع الخطرة ومعالجتها جذرياً قبل وقوع الانهيار.
خامساً، إلزام المقاولين والمكاتب الاستشارية بالمسؤولية الفنية، بحيث يُراجع فنياً أي مشروع ينهار بعد سنوات قليلة من تنفيذه لتحديد مكمن الخلل والمسؤول عنه، فالمحاسبة شرط لوقف تكرار الفشل.
سادساً، بناء قاعدة بيانات وطنية للمخاطر الجيولوجية، تكون مرجعاً ملزماً لجميع المشاريع وتصنف المناطق حسب درجة الخطورة الجيولوجية، بحيث لا يُسمح بتنفيذ أي مشروع دون الرجوع إليها.
سابعاً، الانتقال من ثقافة الطوارئ إلى ثقافة التخطيط الوقائي، بحيث تكون الآليات في مواقع العمل قبل الكارثة، مع تفعيل الصيانة الوقائية ومراقبة المنحدرات وتنظيف القنوات ومتابعة التشققات لمنع الانهيار.
ثامناً، توفر إرادة سياسية تعترف بالمشكلة، فالاعتراف الصريح بأن ما يحدث هو فشل تخطيطي وليس مجرد "قضاء وقدر" أو كارثة طبيعية هو الخطوة الأولى للإصلاح.
واختتم الشوابكة بأن الحل ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب احترام العلم وتمكين الجيولوجيا وإعطاء القرار لمن يفهم الأرض، فالأمطار ستتكرر، لكن الانهيارات ليست قدراً محتوماً إذا توفرت الإرادة لتصحيح الخيارات.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
31-12-2025 12:39 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||