25-07-2025 10:31 AM
سرايا - كتب:م ناصر طبيشات -لن اكتب اليوم عن عبدالرزاق طبيشات القامة الوطنية، الوزير، النائب، العين و رئيس البلدية الأسبق، سأكتب اليوم عن عبدالرزاق الإنسان.
فمنذ ان بدأ يتشكل الوعي لدي منذ الطفولة المبكرة ، واسم عبدالرزاق طبيشات يتردد على مسامعي كثيراً. لكني كنت صغيراً جداً لأفهم و أعي موقع هذا الرجل الفاضل. مع تقدم السنين وعيت بان هذا الإسم هو لشخص ذو شأن في الدولة و عرفت بأنه شقيق جدتي، خال والدتي. لكن لم نكن نلتقي حيث كانت الجغرافيا تمنع هذا اللقاء فالرجل في عمّان، وكنت أنا و عائلتي بين اربد و الخليج. وفي سن الشباب بدأت اذهب مع والدي كل عيد لديوان عشيرتنا، وهنالك كنت ارى عبدالرزاق حيث كان يجتمع رجال العشيرة للتهنئة في العيد. لكني آنذاك لم احضى يوماً بلقاء شخصي ومباشر بيني وبينه. وهذا كل ما كنت اعرفه عن الرجل.
في عام 2014، انتهت اجازة الشتاء في الأردن، وكنت عائداً إلى اسطنبول من خلال مطار الملكة علياء في عمّان وذلك لبدء الفصل الدراسي الثاني في الجامعة. وحين وصلت قاعة انتظار الطائرة، رأيت مجموعة من الرجال واقفين حول رجل ما. فضولياً بدأت استرق النظر لأعرف من هذا الرجل المهم الذي يحاوطه هؤلاء الرجل، ولأجل القدر الطيب والحظ الرائع كان هذا الرجل هو بطل روايتي؛ عبدالرزاق طبيشات.
ترددت في الذهاب، هل اذهب لاسلم عليه اما لا؟! كان هذا التردد سببه الخجل و الرهاب الاجتماعي. لكني تغلبت عليهم، وذهبت لاخترق صف الرجال وأسلم عليه، فعرّفته عن نفسي، وعن والدي ووالدتي و ثم شقيقته جدتي. فوقف الرجل ليرحب بي بكل حرارة و قبلني، ثم طلب من الرجل الذي بجانبه بإفساح المجال لي لكي اجلس. في تلك الأثناء كان احد الرجال يتحدث معه عن مشكلته و يطلب منه المساعدة. وطوال حديث الرجل كان يمسك بيدي ولم يتركها. اطال الرجل بالحديث وكان الخال عبدالرزاق منصتاً بإخلاص لمشكلته. وفي تلك الأثناء بدء النداء الأخير لصعود الطائرة، و هنا استأذنته للمغادرة، فسلم عليّ و ودعني، وعاد للاستماع لذلك الرجل.
لكن، هل يكتفي عبدالرزاق بهذا القدر من المحبة؟ هل يكتفي الرجل الذي حاز على محبة وثقة و احترام الآلاف من الناس بهذا اللقاء وفقط؟؟؟ لا والف لا!! فلقاء عابر مثل هذا تكون هكذا نهايته عند غالبية البشر، لكن عند قدوتي وبطل روايتي عبدالرزاق، هذه كانت مجرد البداية …..
صعدت على الطائرة، وفي هذه الرحلة تحديداً كنت قد حجزت مقعداً في الدرجة الاولى first class, وكان مقعدي في الصف الأخير من مقصورة الدرجة الاولى. وبعدها بلحظات، صعد عبدالرزاق الطائرة وكان مقعده في الصف الاول من المقصورة. اقلعت الطائرة وحين استقرت في الجو، غادرت مقعدي وتوجهت إلى حمام المقصورة في الامام، عبرت بجانبه وكان حينها منشغلاً بالحديث مع الرجل الذي بجانبه؛ اي انه لم ينتبه لوجودي او عبوري.
وحين خرجت من الحمام، لم اجد الرجل في مقعده! وتسألت حينها، اين ذهب وخصوصاً انه لا يوجد إلا حمام واحد في مقصورة الدرجة الاولى. ذهبت إلى مقعدي وجلست و اخرجت كتابي و بدأت القراءة، بعدها بلحظات؛ فُتحت الستارة التي تفصل بين الدرجة الاولى و الدرجة التجارية. لكني لم أنظر إلى من فتح الستارة، لكن بعدها بلحظات قليلة، شعرت بأن من فتح الستارة، لم يتحرك بل بقى واقفاً، وهنا نظرت إلى يساري، لأجد الخال عبدالرزاق الرجل الذي كان عمره على مشارف الثمانين عاماً، واقفاً و ينظر اتجاه المقصورة التجارية، وكأنه يبحث في نظره عن احدهم! فناديت عليه، وقلت له: خالي بماذا استطيع مساعدتك؟ فنظر إليّ وقال متعجباً: انت هون!! كنت ابحث عنك في الداخل! ثم بدأ بالحديث معي و السؤال عن أحوالي. اردت الوقوف من مقعدي للحديث معه، لكنه رفض و ضغط بيديه على كتفي واجبرني على البقاء جالساً، وبقي هو واقفاً. وبعد ان أخبرته عن اسطنبول ودراستي بها، قالي لي:
" خالو، أنا بتردد كثيراً على اسطنبول، سجل رقمي، واذا احتجت اي شيء لا تتردد بالاتصال بي". ومنذ ذلك اليوم لم يغادر رقمه هاتفي.
وفي ختام حديثنا، قال لي ناصحاً: " الله يوفقك خالو، دير بالك على حالك ودراستك، و لا تقرب الخمر و العلاقات العابرة مع النساء".
وحين هبطت الطائرة في مطار اتاتورك في اسطنبول، انتظرني لحين خرجت من الطائرة وسرنا سوياً برفقة اثنين من اصدقائه إلى منطقة الجوازات، وقبل الوداع الأخير طلبت منه التقاط صورة لنا سوياً. لتكون ذكرى خالدة ليوم لقائي به، و معرفتي احد اهم اسرار نجاح هذا الرجل في هذه الدنيا، وهو انه التطبيق الحي لمقولة:
"ان الله اذا احب عبداً، احبب عباده فيه"
دفء كلماته، ورقة تعامله، وبساطته العظيمة ما زالت تسكن قلبي حتى اليوم. لم يكن عبدالرزاق طبيشات مجرد رجل دولة أو صاحب مناصب، بل كان إنساناً يتقن فن القرب، ويجيد النزول من علياء المناصب إلى عمق القلوب.
فطوبى لمن عاش محبوباً، ومات مذكوراً بخير، وترك خلفه سيرةً تنضح بالنبل والإنسانية. رحمك الله وأسكنك فسيح جناته، وجعلنا ممن يقتدي بخطاك.
إلى جنات الخلد ايها الرجل الطيب الفاضل …
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-07-2025 10:31 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |