11-11-2011 10:04 AM
يعرف الطاعون بأنه( مرض وبائي معدي سببه عدوى ميكروبية), وشكل على مدار التاريخ العدو الأول للإنسان والحيوان وسمي بالموت الأسود لقدرته على حصد أرواح وإعداد هائلة من البشر , وكان شرا مستفحلا تتطير منه كل الأمم ِوتحتاط له اِلدول بكل ما أوتيت من قوة وتجهيزات وبرامج تطعيم وحجر للمصابين به, حتى جاء القرن العشرين باختراعاته العلمية التي تكفلت بالقضاء على هذا المرض وتقليص الخوف منه كوباء قاتل, ولكنها بليت بنوع آخر من الموت الأسود الزؤام الذي انتشر في أنحاء الكرة الأرضية ولم تسلم منه أي من الشعوب سواء تلك المتقدمة تقنيا وعلميا وبشريا أو تلك التي ترزح في نير الظلمة والجهل والتخلف وهو بحق يستحق أن نطلق عليه (طاعون العصر) انه طاعون الفساد.
لقد ذكرت منظمة الشفافية الدولية على لسان رئيسها أن حجم الخسائر التي تلحق بالاقتصاد العالمي نتيجة انتشار ظاهرة الفساد بأشكالها المختلفة يقدر بأكثر من 400 مليار دولار سنويا, كما أوضح أيضا أن ظاهرة الفساد أصبحت من المظاهر الرئيسية التي تهدد جميع أشكال التطور التي يشهدها الاقتصاد العالمي, وتعرف منظمة الشفافية العالمية الفساد بأنه "استغلال السلطة من اجل المنفعة الخاصة" أما البنك الدولي فيعرف الفساد بأنه "إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص"والطاعون الذي شبهنا به الفساد هو (الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل ، وعلى من كان قبلكم ، فإذا سمعتم به بأرض ، فلا تدخلوا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها ، فلا تخرجوا منها فرارا منه) كما قال عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إن الفساد هو طاعون وبائي معدي لمن مارسه ومن شاهدة ولمن لم يحرك ساكنا عند معايشته ولمن رعاة وعززه, وسببه عدوى بشرية متعاظمة هي الابتعاد عن شرع الله في الأرض والنوم في أحضان شياطين الإنس والجن وتغليب شرع البشر المتخاذل والناقص على شرع مالك السماوات و الأرض العزيز المتعالي, كما تتشابه أعراض مرض الطاعون مع طاعون الفساد بأنه يسبب صداعا شديدا لبدن البشر مع ارتفاع عال لحرارته نتيجة الفقر والحاجة ورعشة في جميع أوصاله نتيجة غياب العدل والمساواة والسرقة ونهب المال العام والخاص بطرق يتشابك بها القانون مع اغتصاب الحقوق في وضح النهار, كما انه يتسبب في تورم الغدد اللمفاوية في معدة الوطن حيث تتورم من التقيح والنهب وتراكم المديونية والعجز عن الإنتاج والتخاذل في العمل العام حتى تصل إلى مرحلة التقيح التام الذي يتسبب به كثرة التواطؤ على اغتيال الشخصية الوطنية وتغييب وغياب هيبة الدولة وهيبة الموظف العام, إضافة إلى احتقان وجه مسئولي الدولة مع جفاف لسانهم عن أي تبرير قد ينقذهم من ويلات السؤال كيف سرق الوطن وكيف بنيت منظومة الفاسد وكيف صار لها مريدون وعشاق وأناس سيندثرون إن تم القضاء على الفساد لأنه امتزج بذواتهم ومعاشهم وقوت يومهم ثم نجد عارضا صحيا آخر هو العطش الشديد الذي يترافق مع زيادة نهم السارقين والفاسدين وحماتهم والمدافعين عنهم وعطشهم للحماية ولتوفير الرعاية الرسمية لعملهم غير القانوني, وأخيرا هناك عارض مخيف مميت يتسبب به طاعون الفساد هو إصابة المريض وهو المواطن والوطن بالهلوسة والغيبوبة التي قد تؤدي إلى موت البشر ألما وحسرة وفقرا وحاجة ’ نتيجة للصراع المجتمعي على مغانم ومكارم الفساد وانتشار الجريمة الاقتصادية والجرائم المتنوعة الأخرى التي تأتي كنتيجة للإمراض الاجتماعية المختلفة التي يأتي بها الفساد أيضا ,ثم الموت الذي يعصف بالأوطان.
ويضع الأطباء وصفا دقيقا لطرق الوقاية من مرض الطاعون وفي حالة طاعون الفساد فإنها تتشابه قطريا وعموديا وراسيا , فلا بد من التحصين بالمطاعيم وهي تأتي على شكل عودة حتمية لمنهاج الإسلام الصحيح في السلوكيات البشرية وطرق إدارة المال العام والحكم الرشيد ومن ثم ضرورة التخلص من البراغيث المتسببة لهذا المرض بالسجن والإعدام والتخلص منهم من مجاري الوطن الممتدة والتي حفروها عنوة وغيلة ومكرا وخداعا والقضاء على أوكار البراغيث الفاسدين, كل في وكرة, واستعادة كل ما تم اغتصابه من مقدرات الوطن والمواطن وإعادة مؤسسات وشوامخ الوطن واستعادة هيبة القانون وهيبة الدولة ووضع مناهج وقوانين ونواميس لزيادة نسبة اكتشاف جريمة الإصابة بمرض الطاعون وجعلها سلوك ومنهج يدرس في مدارسنا وفي رياض أطفالنا وفي جامعاتنا وفي مساجدنا وتغليظ عقوبة المصاب بآفة الفساد والتشهير بهم ونبذهم مجتمعيا جهارا نهارا, ليكونوا عبرة لكل من يريد أن يتنعم بفيروس الفساد وبكتيرياته, ثم مكافحة الفئران وهم من يرعون الفساد ويهيئون له التربة الصالحة للانتشار والديمومة ورش كل أنابيب الصرف الصحي التي ترعى الفساد والمفسدين وتجفيف منابعها وإغلاق الأبواب التي يأتي منها ريح الفساد وأزلامه وأفكاره ومحبيه.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
11-11-2011 10:04 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |