حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,25 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 870

كُلنا باخوم

كُلنا باخوم

كُلنا باخوم

29-09-2020 10:34 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : فراس الطلافحة

باخوم هو بطل قصة للكاتب الروسي الكبير ليو تولستوي. هذه القصة لا أبالغ إن قلت: أنني قرأتها أكثر من خمسين مرة في حياتي وفي كل مرة أجد بها شيئًا جديدًا وأتعلم منها. ومن حُسن حظي أنني قرأتها لأول مرة حين كنت في الخامسة عشرة من عمري. فكان لها الأثر الكبير بتغيير بعض المفاهيم لدي، وبما يخص الرزق والطمع وعدم القناعة والإستحواذ، والتي تشترك بها النفس الإنسانية جميعها.


باخوم هو قروي كان يتمنى أن يمتلك قطعة أرض كبيرة، وعلم أن السيدة التي يعمل لديها. تريد بيع قطعة أرض بالتقسيط فإشتراها، وإشترى أيضًا قطعة أرض مجاورة لها. وأصبج باخوم بليلة وضحاها صاحب خمسين فدانًا.
في يوم من الأيام زاره صديق قديم له وسأله: عن النجاح والسعادة؟ فأجابه: أما عن النجاح فأعتبر نفسي ناجحًا فأنا أملك خمسين فدانًا، وأما السعادة فهي مفقودة فأنا أتمنى أن تصبح الخمسين فدانًا مئة أو ألفًا ولكن أصحاب الأرض التي حولي لا يريدون بيع أراضيهم لأشتريها وأضمها إلى أرضي. فقال له صديقه: إني عائدٌ من بلاد بها أراضي فسيحة وخصبة، وأصحابها بسطاء ويمكنك الحصول على أراضيهم بسهولة. صدق باخوم كلام صديقه، وباع كل ما يملك وسافر مع خادمه إلى تلك البلاد، وقدم الهدايا لرئيسها وأعيانها، ورحبوا به وعندما سألهم عن ثمن الأرض عندهم قالوا: ألف روبل لليوم الكامل. فسألهم باخوم: ما المقصود باليوم الكامل. وكم فدانًا يساوي؟ فأجابوه: نحن لا نستخدم المقاييس التي عندكم. إنما نقدر ثمن الأرض بالمسافة التي يقطعها الإنسان في اليوم الواحد بدءاً من شروق الشمس، ولكن عليه أن يرجع إلى النقطة التي بدأ منها قبل أن تغرب الشمس ولو بدقيقة واحدة، وهذه الأرض تساوي الألف روبل، فتكون كل الأرض التي قطعها له. أما لو تأخر بعد غروب الشمس ولو بدقيقة واحدة فإنه يفقد الأرض والألف روبل أيضًا. وكان باخوم بقمة سعادته وهو يدفع الألف روبل وإستعد للرحلة، ونام وهو يحلم بالأرض التي سيمتلكها بالغد.


في الصباح الباكر. وصل إلى المكان الذي عينوه له ليكون مكانًا لنقطة البداية. وذكروه بالشروط وهي العودة قبل غروب الشمس لتكون كل الأرض التي يقطعها ملكٌ له أو سيفقد الألف روبل إن لم يحقق ذلك.


بدأ باخوم يركض بمنتهى القوة. وكان كلما قطع مرحلة كبيرة وأراد الوقوف عندها. تغريه خصوبة الأرض فيستمر في الركض. وظل يركض ويركض حتى إنتصف به النهار وإشتد به التعب فجلس للحظات تناول بها بعض الطعام وشرب الماء وتابع الركض من جديد. إلى كل الجهات حتى يستطيع كسب أكبر مساحة من الأرض. كان الوقت عصرًا حين فكر أن يعود إلى النقطة التي بدأ منها حتى لا يخسر كل شيء.

بدأ باخوم يشعر بالتعب وأخذ بخلع ملابسه قطعة قطعة. وحتى حذاءه لم يكن يطيقه فخلعه أيضًا وتابع الركض وقدماه تمزقهما الأشواك والحجارة الحادة. فلما سيطر عليه التعب والألم من جديد فكر أن يجلس ليستريح ولو لحظات. لكنه شاهد الشمس تنحدر نحو المغيب، فإستمد من ضعفه وألمه قوة وبدأ بالركض من جديد وأنفاسه تتدافع وتتقطع وبقي يكافح حتى وصل نقطة البداية مع آخر خيط للشمس قبل أن يغيب. فإستقبلوه بهتاف عظيم وقال له زعيم البلاد: هنيئًا لك قطعة الأرض التي قطعتها وهي لك. فمد باخوم يده ليصافحه، لكن إنفجر الدم من فمه وأنفه وسقط على الأرض. وأسرع خادمه ليسعفه ولكنه أصبح جثة هامدة.


المعظم منا يشبه باخوم. وكالمقامرين نحن في هذه الدنيا. نجلس على طاولتها ونبدأ اللعب. من يكسب في البداية، يواصل اللعب حتى يكسب المزيد. ومن يخسر في البداية يواصل اللعب أيضًا ليعوض ما خسره. قد يخسر كل شيء من كسب في البداية، وقد يكسب في النهاية من خسر بالبداية. فتمضي الحياة بنا إلى النهاية التي نكتشف معها أننا لم نملك من هذه الدنيا إلا قبرًا يتساوى به الفقير والغني.


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 870
برأيك.. هل تكشف استقالة رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وصول الردع الإسرائيلي لحافة الانهيار ؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم