حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,24 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 1513

(سجين الزرقة) تضيء الزوايا المظلمة

(سجين الزرقة) تضيء الزوايا المظلمة

(سجين الزرقة) تضيء الزوايا المظلمة

08-09-2020 08:46 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - رواية «سجين الزرقة» هي الرواية الأولى للكاتبة شريفة التوبي، التي أصدرت قبل ذلك
مجموعة من المؤلفات في القصة والمقالة. وتفتح الرواية ملفات جريئة، مثل ملف مجهولي
النسب، وملف ضحايا ما يسمى «جرائم الشرف» من النساء، وتسلط الضوء على معاناتهم
والظلم الذي لحق بهم، ونظرة المجتمع لهم، والمصير المنتظَر إن لم تعالج هذه الملفات

بعدالة وإنصاف وشفافية.
تتلخص حكاية الرواية في معاناة فتاة حملت من زوج أمها وهي طالبة في الثانوية،
وتكشف حملها بفضيحة للأسرة، فحُكم على الفاعل بالإعدام، أما هي فعوقبت بالسجن
عشر سنوات بوصفها متواطئة ومتستّرة على الجريمة ولأنها حاولت الإجهاض. ومن خلال
مسيرة الفتاة خلال المحاكمة وفي السجن تستعرض حكايات لنساء محكومات بقضايا
متنوعة بما فيها من معاناة وظلم وقسوة وتحيز.
وفي الجانب المقابل، تتناول الرواية معاناة طفل الخطيئة الذي رافق أمه في السجن إلى
أن بلغ الخامسة من العمر، ومن ثم نُقل إلى دار للأيتام، على وعد من أمه أن يلتقيا بعد
إنهاء محكوميتها، ولم يبقَ له منها إلا لحاف (منديل) أزرق، فعاش يعدّ الأيام وينتظر،
حتى أصابه اليأس والقنوط، فعزم على السفر وهو يشعر بالمرارة والضياع والتهميش،
فالمجتمع يأخذ أمثاله بجريرة آبائهم ولا يتقبلهم.
تكشف الرواية بعض الزوايا المظلمة في المجتمعات العربية، حيث تتوافق الأغلبية ضمنياً
على الصمت، وتجاهل هذه الزوايا التي تتسع تدريجياً وتشكل بؤراً للبؤس والشعور
بالظلم والاضطهاد، مما قد يحولها في المستقبل إلى بيئة خصبة للانحراف والجريمة
والتطرف والإرهاب. لذا أرادت الرواية عدم التقليل من شأن الملفات الاجتماعية المسكوت
عنها والتذكير بخطورتها؛ لئلا يبقى لأحد حجة ادعاء الجهل وعدم المعرفة، أو إبقاء
الرؤوس في الرمال؛ إيثاراً للسلامة وراحة البال.
الرواية الصادرة عن «الآن ناشرون وموزعون» (ط2 ،2020 (لم تضع حلاً للمشكلة، ولا يُنتظَر
منها ذلك، ويكفي أنها أماطت اللثام، أما الحل فمسؤولية المؤسسات المعنية
والمجتمعات التي يجب أن تتسلح بالوعي والمعرفة، وتؤمن بالعدالة والمساواة والحرية
وتكافؤ الفرص، وتُعلي من قيم التكافل والتعاون والتعاضد؛ لتجنّب الضعفاء والفقراء
والأيتام مغبة الهوان والإذلال والسقوط في مهاوي الرذيلة.
وقد ألمحت الرواية لأهمية العلم والتعلم لتجاوز المحنة والتغلب على الوضع المعقد، فقد
أصرت البطلة على مواصلة دراستها وهي في السجن، وحصلت على شهادة جامعية، مما
أهّلها لتسلم عمل جيد، مكّنها من إعالة أسرتها قبل أن تتزوج، بالإضافة إلى أنها رحلت
مع أسرتها إلى مكان لا يعرفهم فيه أحد، واستطاعت بحزمها وقوتها وحكمتها أن تصنع
نفسها من جديد، وتخرج من تحت الرماد، ولم تقع أسيرة ماضٍ مؤلم، أو حكم مجتمعي

ظالم، على خلاف ابنها الذي وقع فريسة ماضيه، فأقعده وحطّم نفسيته، وجعله سجين
لحاف أمه الأزرق، منتظراً عودتها إليه، فباء بالخيبة والخذلان ومرارة الأيام، يجتر ذكرياته
ومعاناته جراحاً وصفعات، فلم يزداد إلا وحدة وحرماناً وشعوراً بالدونية.
نجحت الرواية في مهمتها، وسلطت الضوء بجرأة وقوة على معاناة شريحة من الضحايا
التي تُؤاخَذ وتُحاسَب بجريرة غيرها، وأدانت المجتمع الذي لا يرحم، ويُعلي جانب الحسب
والمكانة الاجتماعية على القيمة الإنسانية وحق الفرد أن يعيش حياة كريمة وألّا يُوصم
بعار لم يكن له يد فيه.
كما أن الرواية وضعت المجتمع بعامة أمام مسؤولياته، فالرواية في حقيقتها مرآة لهذا
المجتمع وإن أنكر ذلك، فالجاني والجانية جزء من المجتمع، ولكن عندما تقع الواقعة،
يصب الناس جام غضبهم على اثنين فقط، ويتجاهلون أن المنظومة الاجتماعية شريكة
في هذه الجريمة بشكل أو بآخر.
إن البطلة ورفيقاتها في السجن، والابن وأقرانه في دار الأيتام، هم كذلك ضحايا مجتمع
يمثل الجاني الحقيقي بعاداته وتقاليده وأعرافه وقوانينه، وصراعاته الداخلية، وطبقيته
الظاهرة والباطنة؛ فالمفترض أن يحمي المجتمع كلَّ أبنائه وإن شذّ بعضهم، فيكون لهم
عوناً ومعيناً للعودة إلى جادة الصواب، لا أن يطردهم من رحمته. ثم ما ذنب أبناء الخطيئة
في ما اقترف غيرهم، وربُّ العزة، خالق البشر، وصاحب الحق المبين والحكم المطلق يقول:
«وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» (الزمر: 7.(
وبعد؛ جاءت رواية «سجين الزرقة» متماسكة على الرغم من طولها (345 صفحة)، واتسمت
بكونها رواية فاتنة، ممتعة، ناضجة، قوية، وصادمة، كشفت عن قضايا مسكوت عنها
اجتماعياً، ووضعت يدها على مفاصلها، وبينت آثارها المدمرة. والرواية مميزة لغة وسرداً
وحبكة، اعتمدت تقنية تعدد الأصوات بالتناوب بين صوتي الأم والابن، وبما يثير شهية
القارئ للتساؤل والتفكير والبحث، ويضعه أمام تحدٍّ لإعادة النظر في ظروف وأحوال
ومستقبل فئة مهمشة تتعرض للإقصاء والإدانة والمقاطعة وهضم الحقوق، مع أنها
ضحية جميع الأطراف من المهد إلى اللحد


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 1513

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم