حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,25 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 817

النسوية بوصفها فكراً عمومياً

النسوية بوصفها فكراً عمومياً

النسوية بوصفها فكراً عمومياً

07-09-2020 08:28 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - النظرة الميتافيزيقية نظرة كلية ترى الأشياء بجانبيها المادي والتجريدي بعكس النظرة
الفيزيقية التي لا ترى من الأشياء سوى جانبها الظاهر والمرئي، وبهذه الكلية تكتمل
النواقص وتردم الثغرات ويتحقق التفاعل والتغيير بالانسجام، مقدمة الحجج والدلائل
ومزحزحة أي جمود دوغماتي في العالم بوصف الدوغماتية مذهبَ الذين يرون حل
إشكاليات العالم ممكنا من دون اعتبار للتغيير واستمراريته. وليس في التفكير

الميتافيزيقي انحراف عن جادة المعرفة ونشاطها العلمي؛ وإنما هي محاولة في البحث
عن حلول لمسائل شائكة واقتراح سبل تساعد البشرية على إيجاد الطريق الصحيح أو
اختيار الأساليب الملائمة لإنجاز مهامها الحياتية. ومن مجموع المهام والأساليب يكون
النفع المعرفي قد تحقق وعمَّ.
ولا يمكن لأي قضية ميتافيزيقية، نظرية كانت أو تطبيقية، أنْ تحقق أهدافها من دون
مهام محددة وأساليب تستبطنها وتتقن استخدامها عارفة من أين تبدأ، وماذا تحلل،
وأيّ الأمور تهيئ، وما الظواهر التي علينا أن نوجه إليها جهدنا ووقتنا، وكيف نتمكن من
إدراك قوانينها الداخلية والخارجية.
والفلسفة تولد ولها موضوعها المتغير الذي يحقق لها تطورا تاريخيا. وبناء على هذه
التغييرية نشأت من تحت عباءة الفلسفة العلوم والمعارف المختلفة ثم انفصلت عنها.
وما دامت النسوية قضية لها موضوعها المتغير والجاد، ومفهوما فكريا وتأصيلا مبدئيا
يستند إلى أرضية الوعي الذي يرى العالم بمنظار موضوعي؛ فإن من الممكن لها أن تكون
مولدة لفلسفة، فيها يكون للجنس المؤنث بكليته وللمرأة بفرديتها حضور فاعل
ورئيس وبوسائل فردية وجماعية تشاكل وربما تتعدى ما في الفلسفات من وسائل
المحاججة والجدل، كالأفكار المطلقة والإرادة الحرة والذات الكلية، وبلا نمذجة مثالية أو
تعال مادي.
وما فلسفة الذات المؤنثة لنسويتها سوى الوجه الآخر لمسألتها الجوهرية التي تريدها
نظرتها المعرفية للعالم، وهي فهم الطبيعة الداخلية لهذه الذات وجوهر نظامها
الخارجي متمتعة بعقل محنك.
وإذا كان المثاليون ينكرون إمكانية معرفة العالم، والماديون يرون العالم ممكن الإدراك
بصرف النظر عن جوهر هذه المعرفة؛ فإن النسوية تختزل العالم موضوعيا بالنساء
مؤمنةً أن الطبيعة منحت المرأة كما الرجل العقل وجعلتها مثله قادرة على إدراك
منطقية قانونها الذي فيه الأشياء لا تُرى من زاوية واحدة؛ بل تُرى من زوايا عدة، فلا نأخذ
بإحداها ونغمض أعيننا عن سواها.
هذه الصورة المنطقية للعالم هي نفسها الصورة التي تريدها النسوية للجنس المؤنث
بعمومية الجمع الذي فيه للإفراد خصوصية. إذ من هذه العمومية تتجلى خصوصية المرأة
التي لها فرادتها وتميزها داخل المنظومة التي هي من جنسها وعليها أن تمثلها كما
هو الحال في عمومية الذكورية وخصوصية الفرد فيها.
وليس القصد من النسوية العمومية فرض الاستغلال والهيمنة والاستفراد وهماً ونفياً
في التعبير عن العالم؛ وإنما هو الانبثاق من العموم نظاماً أمومياً حليفاً وشريكاً للنظام
الأبوي توكيداً أولاً لجدلية العالم الموضوعية القائمة على وجود موضوع/ مادة تتحرك
النسویة بوصفھا فكراً عمومیاً - صحیفة الرأي 2020/7/9
8/3 ثقافة-وفنون/النسویة-بوصفھا-فكرا-عمومیا/10551533/article/com.alrai
داخل ذات/ جوهر. وتدليلاً ثانياً على أن النسوية في عموميتها هي الحركة التي منها
تتولد جدلية هذا العالم بوصفها هي الأصل الذي غابت حقيقة تأصله بالاستلاب والتبعية
وكنتيجة منطقية لفعل القوة.
وبالرغم من ذلك الاستلاب فإن النسوية ظلت وستظل هي التجسيد الحيوي للقاعدة التي
عليها أقامتْ الذكورية هرميتها. وهي أيضا الصورة الثقافية لما حققته البشرية من تقدم
فتطورت من مجتمعات زراعية واستملاكية واستعبادية وإقطاعية إلى مجتمعات رأسمالية
صناعية وما بعد صناعية.
إن خطورة الفلسفة النسوية ليست في كونها حقلاً معرفياً هي فيه نظام فكري
متكامل؛ بل في ما تمتلكه من قاعدة يراد تفنيد واقعيتها بالوهم والجهل؛ تبريراً للعقل
الفلسفي الذكوري وتعزيزاً لتفرده في امتلاك الحكمة والأمانة وتشويهاً لمكون مهم من
مكونات هذا العالم الموضوعي ودحضا لفلسفة العقل فيه.
والمعروف أن الفكر الموضوعي لا يمرر الأوهام ولا يتظاهر بالمثالية، وجوهره الوعي الذي به
يؤكد هذا الفكر قدراته في فهم تناقضات الحياة الاجتماعية وتفسير ظواهرها والبشر
في مثالبهم ومناقبهم الاخلاقية. والنسوية جزء من هذه الحياة الاجتماعية ومن ثم
ينبغي للفكر الذي يريد أن يفهم طبيعتها أن يكون موضوعياً لا يحابي ولا ينحاز كي
يكتشف حقيقتها ويقتنع اقتناعا تاما بأنها نظام وفلسفة أو لا.
وإذا كان من سمات العقل الذكوري تضييق متاحات الآخر العقلية وتحجيمها والنظر
لموجودات العالم بميتافيزيقية التعميم الذكوري، فإن هذا العقل في تعامله مع العقل
النسوي يتعمد استعمال أساليبه القديمة في المجادلة والمتمثلة بالسياسة المرنة التي
هدفها كسب الوقت بالتشويه، ومحصلتها إفراغ قضية الاخر المؤنث من الجدية لتبدو
في النهاية قضية واهية بلا أرضية ولا مرتكز. وما ذلك إلا خشية من أن تستعيد النسوية
حقها المضاع الذي إذا استعادته فعلا؛ فإن شبهة التبعية والدونية ستفارقها إلى الأبد.
وعندذاك ستتقاطع ثوابتها مع ثوابت العقل الذكوري ومبادئه وانجازاته الموجهة كلها
ضد النسوية.
ولقد أظهرت لنا كشوفات العلم وتجاربه العملية أن الجنس البشري مثله مثل الطبيعة؛
يتضاد فيتوافق، ويتخصص فيتكامل. وهو ما يراد للفلسفة النسوية أن تفيد منه وقد
هيأت أساليبها الخاصة في المعرفة وطورت ما لديها من أفكار وربما استحدثت غيرها
لتكون هذه الأساليب هي المفاتيح التي بها تلج ميادين جديدة لها علاقة بالطبيعة
والمجتمع والإنسان والعالم، عاملة بكلية على حلّ مسائلها العمومية المعقدة وغير
المفهومة.

وواحد من تلك الأساليب هو التمثيل والمحاججة لا في النسوية نفسها؛ بل في الوجود
كعملية ديالكتيكية أزلية يُراد من النسوية إدراك حقيقة الحركة التاريخية فيها مع الوقوف
على منابع المعرفة التي بها تتمكن من فهم الحياة والكون وتطورهما، موظفة خبرتها
العملية في خدمة المجتمع الإنساني.
ولأن لا حياة من دون تطور مثلما أن لا مجتمع من دون خبرة، يغدو مجموع التطورات
والخبرات بمثابة استراتيجية للتقدم المعرفي الذي فيه يتضافر القديم مع الجديد وتتوازن
الحياة في أنظمتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها.
وإذا أقررنا أن للنسوية فكراً؛ فإن الميتافيزيقيا هي ميدان من ميادين هذا الفكر، مارسته
النسوية في الأزمنة الشفاهية الغابرة بينما حُرمت من الخوض فيه في عصور التدوين
والحضارة اللاحقة. وتاريخياً كانت الميتافيزيقا وحدها حقلا معرفيا قديما قائما بنفسه، ولم
تنضم إلى الفلسفة كحقل معرفي إلا في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين.
وما خوض النسوية في الميتافيزيقيا سوى توكيد لرغبتها في فهم العالم مختزلة
ماهيته وحركيته الفيزيقية بما تمتلكه من فكر ووعي فطريين وبسيطين لكنهما
ينزعان إلى التطور الذي يماشي طبيعة الحياة.
وموضوع الفلسفة النسوية المتغير هو الوعي الاجتماعي بالنسوية نفسها والإحساس
بموقعها في هذا الوجود، وهويتها التي بها تبين عموميتها أمام العالم الذي هو في
حركة دائبة نحو التطور والتوالد.
وما يميز هذه الفلسفة في تغيراتها أنها ذات مقولات ومفاهيم فيها النسوية عمومية
كقانون ونظرية يحكمها العالم بحركته وتحولاته وظواهره تعبيرا عن عمومية أكبر هي
عمومية التضاد والتوحد والانسجام والتكامل والإتقان القائم على حركة جدلية أساسها
علمي ومبناها معرفي.
ولا استغناء للفلسفة عن المعرفة والعلم مثلما أن العلم والمعرفة لن يستغنيا عن
الفلسفة، ومن اجتماع هذه الميادين الثلاثة (الفلسفة، المعرفة، العلم) تتشكل وحدة لا
تنفصم عراها، فيها الفلسفة هي القاعدة، والعلم هو الأساس في البناء عليها تدريجيا،
وتظل المعرفة هي الهرم الذي لا نهاية له.
والسبب أنه كلما زاد التدرج العلمي في التخصص ضاقت مساحة الاشتغال الفكري الحر
وتنوعت أبعاد النظر ومسارات الممارسة حتى إذا وصلنا إلى قمة الهرم وجدنا أن العلم
الطبيعي والتجريبي ما زالا بحاجة الى مرحلة معرفية أخرى تتبصر في ما هو نظري
واجرائي فتغدو كالقاعدة التي استندنا إليها في الانطلاق.
وتمدنا الفلسفة بوصفها الميدان الواسع الجدلي، بالمقولات والمفاهيم والرؤى والنظريات
التي نحتاجها على مستوى الوعي بالمادة أو على مستوى الوعي بجوهرها والتي مرت

خصومة أنصار ديموكريتس ومؤيدي أفلاطون.
ولم يكن تاريخ الفلسفة في العصر الحديث ببعيد عن ذلك، فقد شهد هو الآخر خصومات
بين فكر زائف مصنوع يعتقد بالغلبة يقابله فكر أصيل يريد الإنصاف لتظل الجدلية
الفكرية تدور في حلقة واحدة هي حلقة التخاصم في البحث عن حقيقة مفقودة لن
تتحصل بالمغالبة والاصطناع ما دام هناك حق مستلَب ومستبعَد تاريخيا من الفلسفة
هو حق الجنس المؤنث الذي استفرغت وجوديته واستهين بعقله فحُرِّم عليه الجدل
وظل يُنظر إليه حيّا كموضوع وغائبا كذات.
وما هذا الاستبعاد والحرمان الفلسفيان للنسوية سوى توكيد لحالة التوجس والقلق
والخوف من فاعليتها ومن ثم يكون مفروضا وواجبا في أيّ مجادلة فلسفية أن لا تكون
للنسوية أيّ مركزية فيها وإنما يفترض فيها أن تبقى طرفا خاضعا وتابعا ضمن عالم فيه
الجنس المؤنث غير فاعل ولا متجدد ولا أصيل.
وهذه الخصومة هي التي تحصر الممارسة الفلسفية في العقل الذكوري، وهذا الحصر
منح الفلاسفة الذكور حافزا حيويا لأن يطوروا مجادلاتهم وخصوماتهم جيلا بعد جيل وفي
الإطار الاستحواذي نفسه الذي أساسه مخاصمة الآخر المؤنث الذي لم يبق من وجوده
الفكري سوى قضيته كجسد يعمل بعيدا عن العقل.
وهو ما يراد له أن يدوم نمطيا في التداول إرجاءً لحقيقته التي لن يُتحصل عليها والادوات
الموظفة في البحث عنها محدودة ومزيفة وغير منطقية.
ولا عجب أن تعاني النسوية طويلا من ويلات هذا المنع الفلسفي الذي أرادها قضية
مخصوصة بالجسد لا بالعقل إلى أن جاءت المرحلة ما بعد الحداثية وما رافقها من ثورة
معلوماتية وما تبعها من عولمة شملت جميع الميادين الحياتية، فسادت أفكار انقلابية
ثارت على الثابت والمترسخ الفلسفي وانتقدت أول ما انتقدت مركزية العقل الذكوري
مدافعة عن هوامش هذا العقل ومنها النسوية وأعيد النظر في ممكنات وعيها، وركائز
تدعيم هويتها. فتمت إعادة منتجة مواضعاتها وأعرافها على اختلافها لاسيما تلك التي
حملت طابعا لاهوتيا. والغاية تطوير النسوية كنظرية وكنظام فكرا وممارسة مع تعدي
حدود السياسة والاجتماع والقانون إلى ميدان هو أبو الميادين كلها وأساسها، ألا وهو
الفلسفة.
وأساس النسوية الفلسفي هو في عموميتها لا في انضوائها في الفاعلية الذكورية؛
فكيف نستدل على أن للنسوية هذه الفاعلية التاريخية؟ وما السبل التي بها تستطيع
النسوية فضح المصادرة الوجودية طويلة الأمد التي ترسخت مع ترسخ النظام الأبوي
وتسيده؟ وهل تتمكن النسوية من أن تفيد من التطور المتسارع والهائل في نظم
المعلومات وطرائق الإنتاج لتثبت نجاعة عموميتها الفلسفية في مقابل فلسفة ذكورية
وطدت وجودها عبر قرون؟ وما الذي يفيد النسوية من أن تكون فلسفة هي في الحقيقة

فتية إزاء فلسفات راسخة أولا في مواضعات أفكارها المثالية والمادية حول رأس المال
والقوة الإنتاجية والاحتكار الصناعي وشائخة آخرا في عمق أنظمتها الحديثة كالنظامين
الاشتراكي والرأسمالي والنظام العالمي الجديد وما طرأ عليه مؤخرا من اعتراف أولي
بالتنوع الثقافي والتعدد الهوياتي والماهية الجنوسية والمجتمعية؟
لعل الإجابة عن الأسئلة السابقة تبدو شائكة لعدم ناجزية التمثيل عليها بعد، باستثناء
السؤال الأول الذي يُتتبع على صعيدين: صعيد كتابي تمثله وثائق التاريخ المدونة
كأرشيف عُثر عليه تنقيبا وحفرا. وصعيد شفاهي تمثله مسألتان: الأولى مخفيات التاريخ
التي بالإمكان ملء ثغراتها بالتفسير والتأويل، والمسألة الثانية هي مخزونات الذاكرة
التي تنتقل عبر الأجيال جينالوجياً فتكون بمثابة موروثات ثقافية مودعة في شكل
طقوس وعادات شعبية تعتمل في ممارساتنا بشكل جمعي لا واع


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 817

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم