حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,25 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 2081

(فردقان) والمصائد التي تربك القارئ

(فردقان) والمصائد التي تربك القارئ

(فردقان) والمصائد التي تربك القارئ

02-09-2020 09:04 AM

تعديل حجم الخط:

رشيد عبدالرحمن النجاب - اجتمع في رواية «فردقان» ليوسف زيدان عنصران شكّلا دافعا للقراءة، أولهما موضوع
الكتاب متمثلا في الشيخ الرئيس (ابن سينا) وخصوصا ما يتعلق باعتقاله، وثانيهما كاتب
الرواية الذي قرأت له قبل «فردقان» عماين هما «عزازيل» و«النبطي»، وهما ضمن روايات
أخرى ذات طابع تاريخي بشكل عام.

لماذا يمكن أن يُعتقَل الشيخ الرئيس «أبو علي حسين بن عبداالله بن سينا»؟! ذلكم هو
ما لفت انتباهي وشدني للرواية الصادرة عن دار الشروق بالقاهرة (2018.(
يتحدث زيدان في الرواية عن آمر قلعة في منطقة همذان يترقب وصول معتقل من نوع
فريد مع توصية بالعناية به، كأنه نوع من الإبعاد الحمائي بعيدا عن ظروف معينة حماية
لهذا الشخص الذي هو «ابن سينا»، وهذا ما أشار إليه السرد عبر فصول الرواية، فبعيدا
عن السراديب سكن المعتقل في غرفة بسرير، وقناديل مطلة على الساحة الرئيسة
للقلعة، وطاولة للكتابة، وورق الكاغد الفاخر، والدواة والريشة للكتابة، ثم يأكل مما يأكله
الآمر، بل يشاركه الطعام والشراب ويبادله أطراف الحديث أحيانا. في هذا المحبس كان ابن
سينا هو الطبيب، والحكيم، والمستشار ?ي أمور كثيرة، يستقبل الضيوف والزوار، ولديه
الوقت للكتابة والتأليف، محبوس وما هو بمحبوس!
من هذه القلعة ينطلق الراوي لينقل لقطات من مراحل حياة ابن سينا في مواقف
مختلفة، من العائلة والنشأة، إلى الدراسة فالعمل، بما في ذلك العمل السياسي أحيانا،
مرورا بالعلاقات الإنسانية.
عبر هذه الرواية يمر شريط التاريخ بالمرحلة التي عاشها ابن سينا بين القرنين العاشر
والحادي عشر للميلاد، متحدثا عن الممالك السامانية، والبويهية، وما دار بين البويهيين
من نزاعات داخلية جعلتهم لقمة سائغة لمحمود الغزنوي وغزواته الدموية في الهند
وإيران وغيرهما.
لا تخلو الرواية من إيجابيات بتضمينها إضاءات على شخص ابن سينا وفكره، وكتبه،
وبراعته في صنعة الطب ممارسا ومدرسا ومؤلفا، ويسوق المؤلف في ذلك أمثلة عديدة،
كما يدرج العديد من المؤلفات من مضامينها. ومن المؤكد أن الرواية تشمل العديد من
المعلومات المستقاة من مصادر متعددة والتي جاءت في قالب قصصي روائي؛ له ما له،
وعليه ما عليه.
ويندرج تحت بند «ما لهذا الكتاب» أنه يقدم ملامح من شخص العالم الفيلسوف ابن سينا؛
فهو في الطب عالم بالصنعة، ماهر في فنونها، خلوق في ممارستها، عطوف على
المرضى أيّا كانت مراتبهم الاجتماعية أو عقائدهم الدينية والمذهبية. وهو كاره
للعصبيات العقائدية، داعٍ للبعد عنها، دالّ على شرورها وعواقبها. وهو كاره من دواوين
السلاطين ما لا يُظهر علمه في إطاره الحقيقي، ومن ذلك رفضه الترحيل إلى بلاط السفاح

محمود الغزنوي، مؤثرا النجاة بكرامته فأدركها بعد أن كاد يفقد روحه في السبيل إليها.
وهو جَسور في طرح وجهة نظره الفلسفية وتقديم?ا للناس غير عابئ بما وجده من
غضب بلغ حد التكفير.
ولكن ثمة مصائد في الرواية تُسَهِّل الإيقاع بقارئ غير ذي حذر، فمما يندرج تحت بند «ما
على هذا الكتاب» أن الكاتب يتناول ثلاث تجارب لابن سينا مع النساء، والأرجح أنها جزء من
الخيال من ابتكار المؤلف، ربما سعيا للتشويق. إن استخدام الجنس أو التلويح ببعض
مشاهده يشكل عامل جذب وتشويق إن كان ذلك في حدود المعقول، وبطريقة بعيدة
عن الابتذال، ولا تثير النفور، وهو ما لم يتحقق في هذه الرواية. صحيح أن ابن سينا إنسان،
وله ما لغيره من احتياج لهذه العلاقات، ولكن إقحامها على هذه الصورة لا يضيف إلى
مضمون الرواية شيئا. فضلا عن أنه? تسيء إلى شخص الشيخ الرئيس، ومكانته، وعلمه،
وآرائه الفلسفية، وهو بمنأى عن الحاجة لمثل هذه الإساءة في زمن يتعرض فيه فكره
للنقد التكفيري شديد النبرة.
ورغم ما ورد من كره بَيِّن من قِبل الشيخ الرئيس للتفرقة المذهبية، والذي تجلى في
العديد من المواقف عبر فصول الرواية، تصريحا وتلميحا بل وفعلا، متمثلا في نهي أخيه
عن المضي في نهج الدعوة المذهبية، وتوجيهه للتدريس والتأليف وكتابة المادة
الدراسية اللازمة.. رغم ذلك نجد العديد من الإشارات التي تعزز هذا النهج، وتلقي عليه
الأضواء، كوضع الكلام بين علامتي تنصيص تشديدا وتأكيدا، وفي أكثر من موقع، الأمر
الذي يتعارض مع فكر هذه الشخصية وتوجهاتها ويشكل تناقضا مع رسالة الرواية
الهادفة إلى إبراز هذه الشخصية في أنصع صورة.
هذه المضامين المتناقضة تربك القارئ، وتقلل من أهمية ما ورد من إيجابيات في الرواية،
وتشكل داعما لنهج التفرقة، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه للابتعاد عن المزالق
الخطرة.
رشيد عبدالرحمن النجاب


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 2081

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم