حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,25 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 641

«العشر العجاف» لسمير درويش .. سيرة نص مفتوح

«العشر العجاف» لسمير درويش .. سيرة نص مفتوح

«العشر العجاف» لسمير درويش ..  سيرة نص مفتوح

30-08-2020 02:35 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا - يُظهر كتاب «العشر العجاف.. من الهزيمة إلى النصر» للشاعر سمير درويش، كتابة
متمردة على الأشكال، وملتزمة بالخطاب السير ذاتي.
إنها كتابة تنتهك الأنساق وتسرق من نثار الذاكرة ورواسب التاريخ ووصايا التراث والذاكرة
الشعبية، لأن ما شغل الكاتب فتمحور حرصه عليه، بالتالي، عبر هذا المنجز، هو الحفاظ
على عنصري المصداقية والواقعية، المفترض أن تحترمهما بل وتتقيد بهما أيّ ممارسة
إبداعية يهمّها أن تلامس شغاف القلب قبل أن تستقر في الذهن.
تفتح هذه السيرة الصادرة عن «الآن ناشرون وموزعون» (2019 ،(صفحة في التاريخ السياسي
بمصر، محاولة إنصاف شخصية فاعلة ووازنة في المشهد القومي العربي، في فترة ممتدة
ما بين أواسط الستينيات وأواسط السبعينيات، وما قُبيلهما وبُعيدهما، وهي عشرية
أثّرت في تكوين الشاعر سمير درويش، نفسيا وثقافيا كما صرّح هو بذلك.
وقد نذرت هذه السيرة نفسها، لفصول حكم ذلكم الرمز الذي تعلّق به شعب أرض
الكنانة وشعوب عربية أخرى، نظرا للثورة التي نفّدها، ومشروع الحداثة الذي انتهجه، على
نحوٍ حقّق التنمية، وكفل العدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية.
وكأنّي بهذا الكتاب يحتفي بجمال عبد الناصر، يرعى رمزيته، ويدين الشرذمة التي خانته،
مع بعض الإشارات التي تفيد تاريخانية مكرورة وملحّة، بحتمية الاستفادة من عِبر الماضي
ودروسه، فنجد المبدع وقد ساق مثالا فذكر بطل دحْر التتر، فارس الانتصارات الأول، الأمير
قطز، مخلّص مصر والشام من همجية المغول وبربريتهم، ومن جهة أخرى، قدم السارد
مقارنة بين فارس آخر من عهد المماليك، هو الظاهر بيبرس، وبين محمد أنور السادات.
يستعين درويش بذاكرة المراهقة لجرد تفاصيل شهادته على ذلك العصر، فيغيّب عن
عوالم سرديته الشخصيات وحتى الأحداث التي هي بمثابة أنْوية وبؤر، تأخذ في ما بعد
تسارعات ومنحى تصاعديا، كما في المنجز الروائي أو السيناريو الذي لا يستقيم إلا
بالتسلسل المنطقي.
لكن الإيقاعات السير ذاتية تحضر بقوة، تختزل الحالة وتدور مع أفلاكها، بل إنها تبرز على
درجة من الواقعية التي من شأوها تصوير ما خفيَ من أحاسيس مشتركة، أو بالأحرى ما
خان منها، فخطف عبورا ظاهريا أو طيفا واجهاتيا يفسّر الذوات ويوغل في أسرارها.
يقول درويش: «إحداهن تكبرني بعامين، تتشارك معهن في معظم الصفات، إلا أنها
رشيقة متكبرة، لا تتكلم إلا بحساب وليس مع كل أحد، أجمل كثيرا من نجمات السينما

اللواتي ضبح عبد الحليم حافظ صوته في الغناء لهن، لذلك يتعارك الشباب الكبار عليها،
وتعلو أصواتهم في مندرتنا ليلا وهم ساهرون حول الشاي والسجائر والمعسّل مع أخوَيّ
الكبيرين، تهديدات وشتائم وعراك، البنت تعرف أن الحروب تدور حولها وهي لا تكترث، ولا
تنتصر لأحد ضد الآخرين» (ص22.(
ويتطرق درويش إلى طبائع وعادات وتقاليد وسلوكيات وأساليب للعيش، وسمها التقارب
الطبقي، ويصف انطباعات غلبت على ذاكرته، يحتويها بكل صدق وحرارة وفطرة، في إطار
ثقافة مركبة صبغت المجتمع المصري في العشرية المذكورة.
نقتطف للكاتب أيضا، قوله: «حين يلمّ بي خطب ما، أو يكشر في وجهي أحد أو يلوم أو
يصرخ، أو يهدد بالضرب و يلوّح بيده،كنت أذهب إلى ركن مظلم في الدار، أعتبره ركني
الشخصي، وأبدأ في بكاء صامت موجوع مقهور، يصاحبه نسْج ميلودراما متخيلة من
صنعي، تسير فيها الأحداث بشكل معقد حزين مكركب كالأفلام الهندية، حيث الضياع
والشحاذة على الأبواب والمرض والسعال والوحدة والمطر، وكنت -ولا تندهش- أسمع
أصوات أبطالي المفترضين وألمس دماءهم، وأضع موسيقى تصويرية حزينة ومؤثرات
تجسّم الأحداث وتزيد كارثيتها» (ص120.(
إنه واقع المأساوية والوجع والأوبئة المجتمعية والنفسية والسياسية وغيرها، يتحكم في
ذاتٍ تحاول أن تتحرر وتستقل عن ذاكرة غمرها الألم، بحيث لم يجد السارد سبيلا إلى صرف
معاناة كهذه بمفهومها الشمولي، بغير هذا الأسلوب الفوضوي المازج بين محطات
سياسية وعقدية ومجتمعية، وما من قدرة على تعرية كواليسها، بعدا اعتماد مثل هذا
الخطاب السير ذاتي، المحمول على تيارات النص الزئبقي المفتوح.
إنها معاني الألم تتدفق في شرايين نص نافر، لا يأبه بالسياقات، ويعزز الحضور الواقعي
والصادق، غير مكترث بالقوالب الأجناسية والتجديف في مضمارها.
إن درويش في كتابه هذا يعتمد إستراتيجية محددة لتشكيل عناصر شهادة قوية
ومحايدة وموضوعية، نلفيها وقد وازت بين الرّسالة والجوانب الفنية الأخرى، فشذّت على
منطق الخطابة والإنشائيات في أحايين ومناسبات كثيرة، واستطاعت صناعة الجمال
وتضمينه في روح الرسالة المبتغاة من هذا النمط التعبيري الذي يعتبر السير ذاتي وعاءً
له.

رسم درويش الجرح المصري والعربي، في إطار تلك العشرية التي أججت دراميتها هزيمة
1967» :أمي ليست ست البيت التقليدية الحنون التي توزع حنانها على أبنائها بالتساوي
فقط، أمي عالم مليء بالحيوية والحكايات والقوة والصلابة والحدّة والتمسّك بالرأي،
تستقبل ضيوفها بترحاب، وتقدم لهم كل ما تملك، تحب دون إفراط ودون عبارات
تقليدية، وربما دون كلام أصلا، لكنني أعرف ما بداخلها وأفهمه وأحبه، لا أحبها فقط، بل
أعيش داخلها بكاملي» (ص 188.(
إذن، هو معنى الأمومة الذي أيقظ مثل هذا الحس القومي البريء والمشروع، مثلما نسج
خيوطَه إبداعُ السيرة الذاتية المباهية بلغة انقلابية، حضنتها تجاويف النص المفتوح.
كتابة سمير درويش تنفست جرحا عربيا عميقا، من خلال ذوات تتقاطع وتتداخل، في أفق
ميلودرامي، يبدو أنه قدّم ثقافة الأمل والانتصار على تاريخ الهزيمة والنكسات، وراهن على
الطاقات الإيجابية وضرورة ترجيحها على الروح الانهزامية والوجود السلبي


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 641

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم