حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,24 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 4283

(صندوق عجب) .. المصداقية الفنية وتجسيد الواقع

(صندوق عجب) .. المصداقية الفنية وتجسيد الواقع

(صندوق عجب) ..  المصداقية الفنية وتجسيد الواقع

04-01-2020 08:36 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - يحتفي الفيلم الروائي الطويل «صندوق عجب» للمخرج التونسي رضا الباهي، بعوالم الفن
السابع وما يفيض بها من متعة وبهجة للناظر.
منذ فيلمه الروائي الطويل الأول «شمس الضباع» (1976 ،(واصل الباهي مسيرته الفنية
مقدماً أعماله السينمائية المتتالية: «الملائكة» (1984 ،(و«وشم على الذاكرة» (1986،(

و«السنونو لايموت في القدس»، و«صندوق عجب» (2002 ،(و«ديما براندو» (2009 ،(وصولا إلى
فيلمه الأخير «زهرة حلب» (2016 ..(وجميعها نالت حظوظها من العرض والتكريم اللائقين
في الكثير من المهرجانات العربية والدولية.
قطع الباهي شوطاً على طريق تحرير أدواته السينمائية وتحويلها إلى وسيلة لتناول
الواقع الذي عايشه من خلال رؤية ذاتيه خاصة لهذا الواقع، فقد تدرجت ثقافته السينمائية
بدءا من انخراطه في الأندية السينمائية داخل جامعته ومحيطة الاجتماعي، مرورا بمغادرته
إلى باريس لدراسه علم الاجتماع هناك، ونيله شهادة الدكتواره. وإبان إقامته هناك أنجز
سلسلة من أفلام الهواة القصيرة هي: «الدمية»، «صابرة»، و«المرأة والتمثال».
وتحققت شهرة الباهي في حقل الإبداع السينمائي لدى إنجازه فيلمه التسجيلي اللافت
«العتبات الممنوعة»، وهو العمل الذي قاده إلى إخراج أول أعماله الروائية الطويلة «شمس
الضباع»، وفيه قدّم الباهي نقدا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا لبيئة فقيرة يعيش فيها
الصيادون داخل بلدة بسيطة في تونس المعاصرة، أبرزت فيه كاميرا الفيلم تفاصيل
حياتهم اليومية، وما يعانونه من فقر وبؤس وتخلف قبل أن تأتي الشركات الأوروبية
الكبرى لتقيم مشاريع سياحية في منطقتهم بمساعدة من اصحاب النفوذ المحليين
والقوى الصاعدة.
جوانب من السيرة الذاتية
أكد فيلم «شمس الضباع» موهبة مخرجه المولود عام 1974 بالقيروان، في التعبير عن
هذه المشكلة المهمة، وثبت من خلاله نفسه كقامة سينمائية رفيعة في فضاءات
السينما العربية والعالم الثالث عموما، لقدرته على ربط عمله بالتراث السينمائي العالمي
في محاولته لصنع سينما جديدة.
تأكد لكثير من النقاد أن هاجس الباهي، ظل على الدوام البحث عن جمهور، ولكن ليس
بأي ثمن، ومن هذا الإدراك تبين لهم أن فيلم «صندوق عجب» كان الجسر الذي سلكه
المخرج لغايات الوصول إلى جمهور واسع، على نحو يقدم فيه جوانب من سيرته الذاتية،
يصور فيها حقبة زمنية قريبة في هيئة بطله الطفل/ المخرج، ولكنه في الواقع كان
يتكلم عن محيطه الاجتماعي والسياسي والثقافي، كأنه يرغب في محاكمة للماضي
وافكاره دون تقديم أي تنازل أو رضوخ للتهويل الأجنبي الذي طالما وقع فيه أقرانه من
المخرجين, وظل مواظبا على تنشيط وتفعيل جوانب حية من ذاكرة ?بدو شاهدة على

ما يسري من أحداث تقع إمامه وإن ارتبط ذلك كله بنظرة المخرج نفسه إلى أسئلة الحياة
المثقلة بالهموم والآمال.
في «صندوق عجب»، نحن إزاء مخرج يعمل على إنجاز فيلمه القادم عن الأطفال تلبية
لطلب شركة إنتاج أوروبية، فيؤثر أن يذهب إلى مسقط رأسه، ومن داخل بيئته المحليه
تطغى على الفيلم السيرة الذاتية، خصوصا أن المخرج يعاني من مشكلات مع زوجته
الفرنسية التي تملك أفكارا يختلف معها الزوج. ومن ناحية أخرى نرى في دواخله فتى نشأ
في مدينة مثل القيروان بما تحمله المدينة من أبعاد روحية واجتماعية وثقافية سائدة
خلال حقبة ستينات القرن المنصرم، وما يرافق ذلك من قلق وحنين وعذاب ومتعة
ومواقف غير مألوفة، اشتغل عليها الباهي بملامح من أحلام ا?يقظة في الانتقال من
الحاضر إلى الماضي والتناوب بينهما دون أن يشي للمشاهد أنه صار في زمن آخر.. تاركا
ذلك لفطنته ودرايته بالمتابعه لسينما مختلفة.
فالفيلم الذي يحتشد بالمحطات واللقيات الفريدة في دنيا الأطياف والأحلام (السينما)،
يصور بإتقان أعتاب مرحلة المراهقة ولحظات من وقائع القهر والسجن في تلك الفترة
بمزيج من الخيال والذكريات لأشخاص عبروا في حياة المخرج وذاكرته.
على دفتي الحلم والواقع، تتوغل كاميرا الفيلم داخل منظومة من التحديات التي تواجه
مجتمع الأمس والحاضر وما بينهما من روابط وعلاقات تجمع بين أفراد أو عائلات مثلك تلك
التي تدور بين زوج وزوجته على خلفية تناقض بيئتين متنافرتين، وما يضيفه إليها صانع
الفيلم من فهم لتأثيرات صعوبة تحقيق الإبداع الفني لعدم توافر الإمكانيات, ونحن هنا
لسنا أمام فيلم تقليدي واضح في حقبته، بل أمام عمل فني متكامل يصب فيه المخرج
شيئا من هموم محيطه وانشغالاته الجمالية.
وبعيدا عن مساحة الخيال والحقيقة، فإن هناك بلا شك حالة من الصدق الفني لتجاوز
الواقع نفسه الذي يعايشه المخرج، حيث يروي العمل أحداث أربعة عقود من الزمان في
حياة تونس كبلد وأفراد وجماعات من جيل المخرج وبدايات يقظته الأولى على فن
السينما وتعلقه بها عن طريق خاله العاشق للسينما والذي يعمل محركا لآلة العرض
السينمائي، وحيرته مع صرامة والده المحافظة التي ترى في السينما نبتا شيطانيا، إلى أن
يأخذ الفيلم بالتنقل بين زمنين (الماضي والحاضر) في عناق مع جيلين، وبينهما تختلط
مشاهد الأفلام وأغنيات عبد الحليم حافظ وفريد الأطر?، ثم تتابع الأحداث في حياة الطفل
وهي تفسر الكيفية التي يفكر فيها الناس ويتعايشون في بيئة اجتماعية تتباين فيها

مصائرهم، كل ذلك يسري في عمل متقن الصنعة والفرادة يفسر ويمس كل جوانب
الحياة في رؤية ذاتية تنبع من خيال موضوعي وضعه المخرج في قوالب من الحب والحنان
والتدفق والإحساس الفطري البديع تجاه أهالي مدينته في فترة حبلى بالأحداث والطموح
والتمرد.
"صندوق عجب»، فيلم حول العبور الصعب الذي يقود إلى عالم الابتكار والإبداع
السينمائي، مذكرا في بعض محطاته بقامات رفيعة في السينما العالمية، على غرار
الفيلم الإيطالي «سينما براديسو»، لكنه التأثر الخلاق وليس التقليد الجامد الكسول.
على دفتي الخيال والواقع
يعتني الفيلم عناية خاصة بإدارة أبطاله مثلما كان بشخصية الفتى لحظة ختانه وتعابير
وجهه وشغفه في صندوقه السحري الذي يطل من خلاله على حياة أخرى، ولحظة بيع الأم
الصندوق ضمن متاع البيت عندما احتاجت نقودا للإنفاق على الأسرة بعد سجن الأب الذي
أدى دوره ببراعة المطرب لطفي بشناق. وبالمثل أيضا هنا الممثل هشام رستم في أدائه
لدور محكم سيذكره عشاق السينما طويلا وهو يؤدي دور الخال الحنون الذي يأخذ بيد
الطفل إلى عالم السينما وسحرها العجيب بكل تلاوين العطاء والتطور في تصعيد
الشخصية مع تبدل حالات وعلاقات وأمكنة مجرى أحداث ال?يلم في تجسيد واقعي متين
يفيض بمشاعر الألم والحنين.
يدلف «صندوق عجب» بالمشاهد إلى روح السينما الحقيقة، ويبرز بتفرده عن مثيلة من
الأفلام المكرورة التي تقدم كل ما هو دارج، دون أيّ اهتمام بدفعه إلى التفكير بقدرة
السينما في إيصال خطاب إنساني مجبول بهموم وتطلعات الأفراد والجماعات كفن يتكئ
على الصورة في المقام الأول من واقع تعاملها مع قضايا التحولات في المجتمع والبحث
عن مغزى المعرفة والاختبار في دلالات بصرية أخّاذه، لهذا كله عُدّ العمل واحداً من
الإضافات النوعية اللافتة في مسيرة مخرجه ومنجز تاريخ السينما التونسية.


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 4283

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم