حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,29 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 8903

الأسرتان الثقافية والإعلامية تؤبنان طارق مصاروة

الأسرتان الثقافية والإعلامية تؤبنان طارق مصاروة

الأسرتان الثقافية والإعلامية تؤبنان طارق مصاروة

04-07-2019 09:13 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - يا سرّ وصفي الذي خذلته السنون، ويا طيف الذاكرة الذي لا يخون، تلوّح لك $، بيتك،
وموطن قلمك، ومهوى فؤادك، وهي تستذكر قلماً رمحاً فجّ الآفاق ليكشف لوننا الذي

اكتنز في زوايا الأرض، الأرض التي وُوريت بذرةً تُستنبَت كلما طاف بالأردن طائف.
يا أبا علي، يجول الكبار في ساحة ذاكرتك، يلتقطون السوسن والدحنون، يفركون بين
أصابعهم زهر الخزامى، فيستعيدون شذى أسرارك التي تبوح بالكثير..
أنت أنت، ظلّك لا يغيب، فحين التقى الأحبة على سفح يوم أول من أمس، يستظلّون جرح
فراقك، كنت أنت الأبهى حضوراً، والأعلى صوتاً، والجالس على جميع المقاعد، فما زرعت يا
أبا علي إلا المحبة، وها أنت تحصد زرعك.
ففي اليوم الذي استذكر فيه رفاق دربك عناوين من عمر أفنيته برفقتهم، وفي حفل
أقامته وزارة الثقافة التي ما زال عطر حرفك يفوح في أدراج مكاتبها، قال فيك الأصدقاء
مؤبنين قولاً واحداً: إن موقعك سيبقى شاغراً، وسنبقى ننتظر. وسيقول خلفهم
الأردنيون الذين عشقتَ لونهم: «لقد خضتَ نيابة عنا آلاف المعارك، ولن ننساك».
كأنه الأردن في كل تفاصيله
قال وزير الثقافة ووزير الشباب د.محمد أبو رمان في الحفل الذي احتضنه المركز الثقافي
الملكي: «في هذا الموقف المليء بمشاعر الإجلال والتقدير لقامة أردنية عروبية عالية،
نستذكر بامتنان وفخر شخصية فريدة قلّما يجود الزمان بمثلها، فطارق مصاروة مدرسة
في الإعلام ومدونة في التاريخ السياسي والاجتماعي الأردني، ومثال في التواضع ونبل
الأخلاق؛ فقد رافق كبار رجال الدولة الأردنية منذ بواكير عهد الراحل الكبير الحسين بن
طلال طيب االله ثراه، فكان بذلك ذاكرة ذهبية وسجلّاً عز نظيره، في السيرة الغيرية، وفي
التاريخ غير الرسمي، فهو حاضر ومؤثر، وبؤرة التقاء فكري وسياسي، جعلت منه مقصداً
ونبع معرفة تميز بالغنى والشمول».
وأكد أبو رمان أن مصاروة «كاتب مقالة بنكهة خاصة، في مقالته جرأة دون إسفاف، وفكرة
تنبش في الماضي وتقرأ الحاضر وتؤشر على المستقبل.. في قلمه لون التراب وطعم
القمح وغلة البيادر، فكأنه الأردن في كل تفاصيله ورؤاه». وأضاف أن مصاروة لم يكتفِ
بالكتابة، بل امتدت إسهاماته لتشمل مؤسسات صحفية وإعلامية، وكانت $ بيته ووطنه
وقلمه ومهوى فؤاده، وهو المسكون بالإنسان الأردني، معلناً انتماءه للأصلاء والمهمشين
الصامتين من أبناء هذه الأرض الأردنية المباركة».

واستذكر أبو رمان علاقة مصاروة بالدراما الأردنية وتاريخ بداياتها بالقول: «عاصر مصاروة
الدراما الأردنية في عصرها الذهبي من خلال الشركة الأردنية للإنتاج التلفزيوني والإذاعي،
والتي كان لها دور كبير في نهضة الدراما الأردنية ودخولها إلى كل بيت عربي؛ مدركاً دور
الفن والثقافة في بناء المستقبل، ومقدرتها في بناء جسور التواصل بين الشعوب
والأمم، وقد أثبت غياب هذه الشركة المساحة والدور الكبيرين اللذين نهضت بهما في
هذا المجال».
وتوقف أبو رمان عند زهد مصاروة بالمناصب، وإيمانه بدور الإعلامي والصحفي في قيادة
الوعي وبناء المعتقد التنويري، وقال: «عندما مرت المنطقة في فوضى ما سمي (الربيع
العربي)، وعزفت كثير من الشخصيات عن مسؤولية عدد من المناصب، كان طارق مصاروة
حاضرا في الزمن الصعب كعادته، ورغم أن فترة توليه وزارة الثقافة لم تكن طويلة، إلا أن ما
تركه من أثر في وجدان وعقول المثقفين والموظفين خالدٌ كنقش ثمين، فهو رجل
صاحب أثر طيب أينما حلّ، كزيتونة مباركة».
وختم أبو رمان كلمته بقوله: «سيبقى طارق مصاروة إحدى علامات الوطن الفارقة،
وسنذكره دوما من خلال إرثه الكبير والغني الذي سنعمل ما استطعنا على إبرازه ونشره
بالتعاون مع المؤسسات المعنية، ليكون حاضرا لدى الأجيال القادمة. نعم إنّ الفقد صعب،
والحزن عميق، لكن مثلهُ يخلّد في العقول والقلوب».
أخلص لقضايا وطنه وأمته
واستذكر رئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية الأردنية $ أيمن المجالي، مواقف مصاروة
أحد أهم مؤسسي $، الهرم الإعلامي الكبير الذي كان وما يزال يحمل وجهة نظر الأردنيين
ويعبر عن آمالهم وطموحاتهم. وقال المجالي في كلمته: «لا أجد في هذه الوقفة الجليلة
وفي عيون هذا الجمع المهيب، إلا مزيدا من الألم والحزن واستذكار ذلك الطود الراسخ
اسمه في عالم الكتابة الصحفية والتحليل السياسي، والأخلاق الإنسانية، والصفاء الروحي،
لقامة أعطت الوطن الكثير، ولم تنتظر حمدا أو شكرا؛ لأن هذه الأخلاق هي أخلاق الرعيل
الأول الذين أخلصوا لقضايا وطنهم وأمتهم وعروبتهم، فكانوا أشجارا يستفيء بظلّها
الناس، وكانوا حراسا على نهضة الوطن وماضيه وأصالته، وكانوا يقرؤون تفاصيلنا، فلا
يكتبون لمجرد أن يكتبوا أو ينالوا شهرة، بل لقد صدقوا وعملوا وعرفوا أن كل حرف
صاغوه فيه من تلقائية أهلنا الطيبين وطموحاتهم وآمالهم، فكانوا يعتقدون أن الأوطان
والعروبة والمجد أمانة هم مسؤولون عنها، وتلك الهوية التي ظلوا عنها يدافعون، ولها

يعملون».
وأضاف المجالي: «كان طارق مصاروة أحد هذه النماذج المضيئة في سماء الوطن والعروبة،
بقيت حروفه شامخات، وبقي حسه أصيلا، وظل إحساسه متوقدا، يعاني ما تعانيه العروبة
والأوطان الجريحة، ويدرك كم هو الدور العظيم لوطنه الأردن خصوصا. فقد كان طارق
شاهدا مبكرا جدا على الأردن وهو يأسى لفلسطين، الجرح النازف غرب النهر».
وتابع بقوله: «كان طارق نجما ساطعا وقلما حرا يدافع عن العروبة ويتألم لما يجري على
أرضها من تمزق وفرقة، وكان يبث هذا الألم عبر (الرأي) التي تفتقده اليوم كأحد كبار
كتابها ومؤسسيها ومحبيها، الذين دافعوا عن مواقفهم باعتزاز»، داعياً إلى تعريف
الأجيال الجديدة بمسيرة هذا الكاتب الكبير ودوره في المشهد الصحفي الوطني من أجل
مساعدة الوطن على تجاوز التحديات وتعزيز الثقة بمستقبله واستلهام روحه الأصيلة
والمستنيرة وماضيه الأصيل.
ووجه المجالي الشكر لوزارة الثقافة التي «أنزلت الرجال منازلهم» واحتفت بهذه القامة
الثقافية والسياسية والإعلامية، صاحب القلم البارز والمختلف والمدافع الشرس عن الأردن
وتاريخه وحضوره.
الأبرز بين جيل من المبدعين
وأشار الوزير الأسبق سمير الحباشنة إلى أن مصاروة لم يكن أردنيا وحسب، وإنما كان عربيا
لا يتوانى لحظة في الدفاع عن عروبته في أي محفل. مؤكدا أن مصاروة كان الكاتب الأردني
الأبرز بين جيل ويزيد من المبدعين. وأضاف: «إنه فارس وطني غيور، رمح أردني صلب، لم
يهادن في حب الأردن، ولم يساوم على قناعاته بذلك. الثبات على المبادئ سمته، تقرأ له
في السبعينات وفي التسعينات، وفي الألفية الحالية، فتجد نفس الخطاب والعقيدة
والمبدأ، ولكنه الأقدر على المواكبة بتحديث الأدوات التي تخدم هذا الخطاب».
واستذكر حباشنة ما قاله له طارق مصاروة ذات يوم: «حب فلسطين هو في حقيقته حب
الأردن»، مؤكدا أن الفكر النير يفتقده، والكلمة الصادقة والمقال الملتزم أيضا، وقبل كل
ذلك الروح الصافية المحبة الإيجابية والمتفائلة».
مدافع صلب عن مواقف الأردن

واستعاد أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية د.علي محافظة، بدايات الراحل حين كان معلقا
سياسيا في الإذاعة الرسمية الأردنية، وبداية علاقته معه في صيف العام 1965 ،قائلا: «كان
مصاروة صحفيا وإعلاميا بارزا من المدرسة الإعلامية العربية التقليدية التي كان يمثلها في
مصر أحمد سعيد ومحمد عروق في إذاعة (صوت العرب)، كما كان طارق إعلاميا صلبا
ومدافعا عن الأردن ومواقفه السياسية المحلية والعربية والدولية في ظل الحرب الإعلامية
الشعواء القائمة بين الدول العربية، في خمسينيات القرن الماضي، حينما كانت هذه
الدول منقسمة إلى معسكرين: التقدمية والمحافظة».
وأضاف أن تجربة مصاروة أثناء عمله ملحقا إعلاميا في السفارة الأردنية في ألمانيا، أثرت فيه
تأثيرا عميقا وأكسبته خبرات جديدة، كما وسّعت آفاقه الفكرية وعمّقت ثقافته السياسية
وهذّبت مسلكه المهني.
فراغ مُدَوٍّ في غيابه
وقال عضو مجلس الأعيان الأسبق والكاتب فالح الطويل: «الحديث عن صديق بحجم طارق
مصاروة وحضوره الكبير في أذهاننا ليس سهلاً، فأبو علي كان يشغل في حياته فضاءً
واسعا لكل من عرفه؛ يدخلون إليه كل لقاء ويخرجون عندما يخرجون أكثر سعادة
واطمئنانا ورضا، لكنه اليوم لم يعد يقف حيث اعتدنا أن نجده، بل ترك ذلك الفضاء فارغا،
فنرتد عنه إلى مساحات لا طرق عليها ولا علامات طرق، بل مجرد فراغ يكاد يخلو من الهواء
بكل ما يعني مثل هذا الفراغ لصديق مثلي».
وأضاف الطويل: «ترتبط صورة أبي علي في ذهني بأحداث كثيرة بدأت تتتالى منذ أربعين
عاما، كان أولها في بغداد في عام 1979 ،كنت يومها قد قدمت أوراق اعتمادي للرئيس
العراقي احمد حسن البكر رحمه االله، عدت بعدها إلى مبنى السفارة، لأجد أبا علي قد
وصل إليها قبلي في مفاجأة جميلة من مفاجآته الكثيرة لأصدقائه الذين يعلم مقدار
تعلقهم به، وما إن جلسنا قليلا نتحدث بصوت سعيد النبرات، حتى قيل لي إن أحدهم
على الهاتف يريد التحدث معي ليعلمني وبصوت متعجل أنهم وجدوا طفلا أردنيا هائما
على وجهه في شوارع بغداد فأحضروه للسفارة، وصعقنا الخبر، ذلك اليوم كان همنا
جميعا مع أبي علي -رحمه االله- أن نكون لذلك الطفل أهلا، نحتضنه ونحميه ونحافظ على
حقوقه، وخلال الأيام التالية صار الطفل الموضوع الأهم لصحيفة (الرأي) حين كان طارق
مصاروة كاتبا يوميا على صفحاتها، يقرأ مقالاته الرفيعة كل قارئ تقريبا».

صاحب الموقف والكلمة الجريئة
كلمة نقابة الصحفيين ألقاها أمين سر النقابة الزميل زين الدين خليل، وتحدث فيها عن
مصاروة بالقول: «هي لحظات من عمرنا نؤبن فيها وخلالها أعلامنا ورجالنا ومنهم زميلنا
وكاتبنا الراحل طارق مصاروة، وكل منا يذكر إيمانه وثوابت قلمه ورؤيته الإعلامية النابضة
من عشق أصيل لثرى الأردن الوطن والدولة، التي تقف في قلب بلاد الشام، ونعيد ما كتب
ذات يوم: (ليس هناك ما هو أعظم من تاريخ الأردن، فهو مبني على حقائق ثابتة، وموثق
بالعقل والخلق ودم الشهداء، وأولهم الملك المؤسس شهيد المسجد الأقصى)، من هنا
نقف لنستذكر بفخر شخصية إعلامية وطنية قدمت أكثر من 60 عاما من الفكر والصحافة
والانتماء للصحافة الأردنية والعربية القومية، وأسهم في صقل وتشكيل الرأي العام
الأردني من خلال المؤسسات التي عمل بها على مدى عقود مهمة من تاريخ المملكة».
وأضاف خليل: «لقد كان راحلنا واحدا من الكبار الذين أرسوا قواعد الصحافة الوطنية.
نستذكره اليوم مع إحساسنا بالفخر بجيل من كبار الصحفيين والإعلاميين من رجالات
الأردن المخلصين وأصحاب الفكر الوطني الحر، الذين غابوا وفي أعينهم الإصرار والتحدي،
وهو الذي قال ذات مقالة: (على الأردنيين أن يعودوا إلى كل حرف من تاريخ بلدهم وتاريخ
قيادتهم)، فهذا هو مصاروة صاحب الكلمة الجريئة والموقف الثابت المنتصر للحق
وللحقيقة وللناس دائما، فقد كان -رحمه االله- منارة تنير الطريق للوطن والمواطن في
أشد الأوقات حلكة، وكان سندا وعونا لكل من عرفه».
وتابع خليل بقوله: «أجيال عديدة من الصحفيين والإعلاميين نهلت من علم مصاروة
وفكره وكتاباته، فقد كنا نتحسس ضوء الفجر لنتلقف الصحف أو المجلات التي كتب بها،
نقرأ بلهفة العشاق، تتلمذنا على يديه، وكان قدوتنا بعشقه للوطن وبفكره الواسع
ومهنيته العالية التي تركت أثرها في المشهد الإعلامي وفي نفوس العاملين فيه».
عاشق متيَّم بالوطن
السيدة نبيلة مصاروة زوجة الراحل، استذكرت بفيض الدمع وصية رفيق الدرب التي ألقاها
على كاهلها: «اكتبي على قبري (لقد كان أردنيا)»، مضيفة: «فكما تباهت زحلة بضم رفات
الكبير سعيد عقل في أرضها، يحق لمادبا أن تفخر بضم رفات طارق في أرضها، هذا
العاشق المتيم بالوطن العائد إليه من سوريا حيث أمضى طفولته وجزءا من شبابه هناك،

عاد ليعطيه كل الحب والتفاني والوجد». وزادت مصاروة: «ترحل عنا وكأنك لم تكن يوما
وشاحا على صدر الوطن، وكأنك لم تكن يوما وردا يفوح عطرا بحب الأردن، ولم تكن
تفاصيل يديك مليئة بأحزان الأمة».
واستذكرت مصاروة زوجها مستعيدة ذكريات الألم والحب بالقول: «لقد عاش طارق فقير
الجيب لكنه كان غني الثقافة واللغة، لا بل اللغات، لم يحتفظ بأي من كتاباته حتى التي
مُنعت من النشر، وكان يقول: (أنا أكتب والناس تقرأ). نعم لقد كان له قرّاء كثر ينتظرونه
كل صباح، أكثرهم لا يعرفونه ولا يعرفون أنه يحب المطر والأرض والزرع والشجر وفيروز
وعبدالوهاب والموسيقى الكلاسيكية ولوحات فان كوخ والريف الأوروبي».
وتابعت مصاروة بقولها: «لم تكن حياته سهلة، فقد عاش التشرد والسجن والفقر والمنع
من الكتابة بالصحف، وصودرت العديد من مقالاته، واستقال وأقيل، وكل ذلك لم يكن
يمنعه من الكتابة للوطن والأمة، أما الجرح العميق الذي لم يلتئم فكان فلسطين،
وتبعها الباقي، فأنتم تعرفون أكثر مني ما حل بهذه الأمة من مصائب».
وتعود مصاروة بالذاكرة للشهيد وصفي التل الذي ترك غيابه ندبة في روح طارق، لتقول:
«في الكمالية عندما كنا جيراناً لوصفي التل، كنا نزور بيته بعد استشهاده، حيث كان
طارق يعرف كل تفاصيله، ونزور الضريح، فيبكي طارق على أيام قضاها برفقة وصفي؛ فقد
كان يعيش معه حتى بعد استشهاده».
واستعادت مصاروة بعض طقوس زوجها الراحل ويومياته: «كان طارق مدمن قراءة،
وعندما دخل الإنترنت على حياته أصبح قليل الذهاب إلى فندق الأردن لشراء الدوريات
الأجنبية والعربية، ينام والراديو إلى جواره، كان محبا لأصدقائه، وفيا للأردن الغالي،
متواضعا، لم تكن المناصب تهمه، فقد كان يجلس طويلا مع مزارع صغير أو عامل وطن
يحدثه ويروي له ما شاء من أخبار وأحداث. وقد توافد على طارق العديد من طلبة العلم
الذين كانوا يجلسون معه لساعات وأيام يكتسبون من خبراته الطويلة في مجالات عدة
أهمها الصحافة والإعلام».
ذاكرة عربية ووطنية متّقدة
مدير مركز المخطوطات ودراسات بلاد الشام في الجامعة الأردنية د. مهند مبيضين
استحضر مصاروة الذي أحبه، الكاتب الذي نقل لنا نحن أبناء الجيل الذي لم يلتقِ وصفي،

كيف كان ذلك الزمن الجميل، وكيف كان أهله يفكرون ويخططون ويتخذون القرارات
المصيرية. وقال مبيضين: «أن نقول: طارق مصاروة الكاتب والإعلامي والسياسي المتمنع
قَبولا بهوية غير العروبة، فهذا ما يعرفه، بتفاوت، معظم رجال الفكر والثقافة في الأردن
والكتاب العرب من جيله. أما طارق الإنسان فكان حكرا ليس على أهله وأصدقائه وحسب،
بل على رفاق المهنة، وجلّهم من أعلام المعرفة والثقافة والسياسة في كل ميادينها،
وكان لكل منهم منـزلة عنده احتفظ لنفسه بمعيار ترتيبها، فكانت حياته زاخرة بالعطاء
على غير صعيد؛ فأنَّى سرَّحت طَرْفك في فضاء الثقافة والإعلام الأردني، فأنت واقع، لا
محالة، على بصمات ووجود له، في مختلف دروب الإعلام».
وأضاف مبيضين: «إن الأجيال التي تؤبنه اليوم وتحضر هنا، لا تحمل في وجدانها عنه سوى
صورة شبه ثابتة لم يعتَرِها تبدّل كبير على مدى عقود: الفطن الحيوي الحضور، مع مزيج
من الانفتاح العفوي على الآخرين، والمرح العلني المعدّل من حدّة وقار السمعة الثقافية
التي لها في الأذهان حيطان عالية يحجب وهمها سهولة الوصل معها، والوصول إليها.
صفته المركزية ككاتب، التي أدار حولها بلباقة المزايا الأخرى في شخصيته من جرأة
وشجاعة وكرم، لم ينفك يؤكدها، ويعيد تأكيدها كتابةً وشفاهةً، ويسحبها على كل
الحوادث. إلا أن أحبّها إليه هي تلك التي يلتبس فيها الكاتب بالمناكفة والدور الاعتراضي
كمثقف، والتي استقر على مزاولتها، هذا الالتباس الذي يحسم تعيين (بطله) الأوحد، أو
(مصدره) الأوحد، فهو (الكاتب الأول) في زمن الأفق والوطن وصوت الشعب والعرب اليوم
قبل الصدور، ثم كاتب الزاوية الأقرب للنظر في $، وقبل ذلك في (الدستور)».
وأعاد مبيضين كشف المزيد عن «ذاكرة متّقدة، ذاكرة عربية ووطنية مرنة، أشبه بقرص
تخزين عالي الجود والسعة، نادرة لا تشيخ فيها التواريخ، ولا تتداخل فيها الأزمنة، ولا تبهت
فيها الوقائع الصغرى والأمكنة وأسماء الأعلام المعروفة وغير المعروفة».
واستذكر مبيضين موقفا رواه على لسان مصاروة: «لما أصدرنا مجلة (الأفق) ذهبنا أنا
ومريود التل لمقابلة الملك الحسين، فأخذت معي جهاز تسجيل وجلسنا بمكتبه وإذا
بـ(الفيش) لا يدخل، فقام سكرتيره الصحفي فؤاد أيوب بإحضار جهاز من عنده، وقال:
(اكبسوا الكبسيتن)، وبدأنا المقابلة. لحظتها اقترح الحسين علينا أن نكبس كبسة
جانية لإتمام التسجيل، قلت: (سيدي، لا أعرف عن الجهاز، وفؤاد قال لي: اكبس بس
الكبستين)، وضحك الملك، وأتممنا المقابلة ونحن نظن أننا نسجل لنكتشف عندما عدنا
للمكتب أن جهاز فؤاد أيوب لم يكن يسجل، وكان الملك يعرف، واستحضرت كل الأسئلة
وأرسلت المقابلة لـ ينال حكمت واطلع الملك عليها وضحك كثيراً».

وقال مبيضين: «هكذا هو الراحل.. سفر روايات أردنية، ورؤيته للتاريخ لم تشرد بعيداً عن
رؤية المؤرخين القدامى: ليس كل ما يحدث يستحق الرواية (للآخرين)، ولكن كل ما
يستحق الرواية (يستحق الكتابة) هو تاريخ ما. هذا التاريخ الشخصي له، ليس له أن يغدو،
برأيه، ذريعة للتجاهل. فلا بدّ من الكتابة حتى لو كان يعلم أن منع المقالة أمرا واقعا لا
محالة».
وختم مبيضين بالقول: «حضور طارق مصاروة المحبّب والمشعّ كان أيضاً من صنعه، ومن
دأبه. ومع المرح الذي يفصح عن ميل فطري فيه نحو مباهج الحياة، لم يكن يخبئه، لم
يفرّط، مع ذلك، باليقظة الفطنة ومراقبة الذات في علائقه بالآخرين. كان حذقا، مقتدراً على
التكيف، مرناً. وكان أيضاً عنيداً، من غير أن يحمله عناده إلى مواجهة أو إلى تراجع!».


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 8903

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم