حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,24 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 14680

السكون في عالم متغير

السكون في عالم متغير

السكون في عالم متغير

24-04-2019 03:54 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : اسامة الاسعد
منذ خسر العالم توازنه عام 1991 بإنتهاء الاتحاد السوفيتي و تفرق جمهورياته عن طريق الاستقلال، حيث تفككت القطبية التي سادت فيما عرف بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفيتي خلال فترة امتدت من منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات، و حيث كانت الندية بين القوتين العظميين و التحالفات خاصة العسكرية من خلال حلفي الناتو (فلك الولايات المتحدة) و وراسو (فلك الاتحاد السوفيتي)، و لكن كانت سادت أيضاً نزاعات و صراعات قوة دولية عديدة، منها حصار برلين، الحرب الكورية، أزمة برلين مجدداً، حرب فيتنام، التدخل السوفيتي في أفغانستان و أزمة الصواريخ الكوبية، حيث و في بداية الثمانينيات استشعر العالم عمق هذه النزاعات و انه على شفا حرب عالمية ثالثة، و هذا لم يكن وارداً، و عليه بدت القوتين العظميين و كأنهما بصدد تبديل هذا التوازن الى فوضى منظمة و لكن ليس حرب، و بدأت عندها الولايات المتحدة بممارسة شتى أنواع الضغوط السياسية، الاقتصادية و العسكرية على الاتحاد السوفيتي، حيث تمكن بعدها الرئيسين ريغان و غورباتشوف من ما ادى الى الانهيار التام للاتحاد في شرق آوروبا تاركاً الولايات المتحدة متفردة كقوة عظمى وحيدة في هذا العالم، عند ذلك أيضاً خسرت الدول التي كانت تسير في فلك دولي متوازن؛ توازنها هي الأخرى، و بدا ان عليها اعادة كل حساباتها سواء كانت مع هذا القطب أو ذاك، ففي الحالتين كانت هناك مشكلة.

و لقد كان الاولى بالدول العربية و الإسلامية حينذاك ان تنكب على تحسين أحوالها الداخلية سياسياً و اقتصادياً لعلها تصمد أمام تغيير أتى بهذا الحجم، و لكن هذا لم يحصل، إذ تم استقطاب زعماء هذه الدول دون دولهم، و هذا هو تحديداً ما قصدته بالفوضى المنظمة التي تتحكم بها قوة عظمى واحدة، حيث بدت هذه الدول و كأنها مستقرة بعكس الحقيقة، فلا ديمقراطية ولا تنمية ولا عدالة مكنتها من الاستمرار لأكثر مما استمرت سيما بعد ما شهدناه من تساقط هؤلاء الزعماء نهاية العام 2010 و حتى يومنا هذا على يد شعوبهم أو على الأقل هذا ما بدا للمراقب العادي، و الأنكى ان أحداً لم يستفد من الدرس، و ما تزال مسلسلات سقوط رؤوس الأنظمة دون انظمتهم مستمرة، و البدائل الفاسدة لا تقل شراً، و الفوضى في تعمق و الشعوب تعاني من التخلف و قلة الحيلة و ضبابية المستقبل، ما وسع من الفجوة و عطل كل أسباب الحياة الحرة الكريمة.
أما نحن في الاردن فقد نجونا من شر مستطير، لا شك، و لكن كان على الحكومات (و السياسيين و هم قلة و في تناقص على كل حال) العمل على خطة ( أ ) و خطة ( ب ) و خطة ( ج ) لكل شيئ، إلتقاطاً للفرصة، بدءاً من تشكيل التحالفات السياسية بتوازن و هدوء، لمصلحة الاردن فقط، مروراً بتمكين البلد اقتصادياً على قواعد التقشف و الاعتماد على الذات منعاً للتبعية بتفاقم الدين و استفحال العجز، و بالاهتمام بالاستثمار و الصناعة و كل ما من شأنه التشغيل، تقليص نسب البطالة و رفع سوية الطبقة المتوسطة بتوسيعها لما لها من آثار إيجابية على دورات الاقتصاد، اضافة الى الاهتمام بالصحة و التعليم و البنى التحتية و المشاريع الإنتاجية القابلة للتطور و التوسع، لا الريعية مؤججة الآزمات المرشحة للخسارة، و انتهاءاً بإصلاح و بتحسين كامل البيئة التشريعية؛ اقتصادياً بالتركيز على الحجم لا الكم لخلق حوافز نمو مضطردة، و سياسياً لخلق تدرج ديمقراطي؛ البلاد في امس الحاجة اليه، فمنذ 2010 للآن أضعنا حوالي العشرة سنوات، و فرصاً نادرة قد لا يسمح الزمن بتكرارها؛ أضعناها سياسياً و اقتصادياً و بالتالي اجتماعياً و ثقافياً. ففي الحديث عن التحالفات يسأل احدنا: أين السياسيين في الحكومات و في الظل ؟ و في الحديث عن الاعتماد على الذات يسأل المرء: أين الاقتصاديين في الحكومات و في المؤسسات المختصة الأخرى ؟ فهل تحالفاتنا السياسية ناجحة أو على الأقل هي كما نريدها ؟ و هل سياساتنا الاقتصادية ناجحة ؟ و بالتالي أين التنمية السياسية و أين التنمية الاقتصادية ؟ أم ان لدينا مشكلة ! مع كل آسف يستطيع اي مواطن الإجابة عن مثل تلك التساؤلات المشروعة التي تؤثر على مستقبله أيما اثر.

لقد كان علينا ان نحتفظ بتوازن خلاق في علاقاتنا مع الشرق و مع الغرب، مع المحيط القريب و مع المحيط الأبعد في الإقليم و خارجه، سياسياً و كذا اقتصادياً، و تاريخنا يسمح بمثل هذا التوازن، فلا نثق ولا نعادي بسهولة، بل نشتغل سياسة و مصلحة بدبلوماسية فن الممكن، و لقد كان علينا ليس فقط التنبه بل و الإستشراف و التخطيط و وضع البدائل، لقد كان علينا ان نعمق من تجربتنا الغنية المؤسسة على قاعدة قيادة شرعية مستنيرة تقدمية تحظى بالاحترام الدولي منذ إندلاع ثورة العرب 1916 الى قيام الإمارة 1921 ثم المملكة 1946 و الى يومنا هذا؛ فيما قارب المئة عام.

لقد كان الاولى بنا ان نخرج من ضيق الفكر و ردات الفعل (الفزعات) الى وسع العلم و التنور و الفعل (المبادرات) و الاستفادة من كل مشكلة بتحويلها الى فرصة، و لغاية وقت قريب لم يكن هذا صعباً، و كان علينا التخلص من الفردية و الإقصاء و التهميش، و الغوص في عمل الفريق المتآلف المتحالف الذي لا يختلف إلا على الأسلوب و الآلية، لا الهدف و المستقبل، الفريق الذي لا يقصي احد، فلم يعد يكفي ان نتفاخر بأننا نجونا ! بل كان لابد من تكريس هذه النعمة بالعمل الجاد لصالح البلاد و العباد.

و أخيراً كان علينا ان نعمق من كل مفاهيم الإدارة في مؤسساتنا الموجودة بالفعل، و استغلال الوقت في تقليص حجم الترهل فيها خاصة في الحكومة، في الهيئات و المؤسسات في كامل القطاع العام، و كان القطاع الخاص حتماً سيلحق بالركب لإن الإدارة الحكيمة الفاعلة كانت ستفرض نفسها سيما إن ساد القانون و سادت العدالة و تلاشت الإستثناءات و تكرست الشفافية، فالإدارة الحصيفة قوة، و هي نقيض الفساد، و هي لا تعتمد على أشخاص بعينهم - مهم جداً - بل على القانون و على الفريق الذي سيخشى أفراده المحاسبة و المسائلة، حيث لا يتقدم احد إلا بكفاءته و علمه و جهده - إنجازاته - و ليس لأي شيئ آخر، هذه و غيرها هي عناصر جوهرية كان الأجدر ان تكون اليوم شؤون عادية و آداء معتاد، لا آمال و طموحات معقدة بل و مرشحة للتدهور أكثر مع كل آسف بعد ان أصبحت هذه السلبيات مسلمات و امر واقع يبدو مستعصي الحل.


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 14680
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم