حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,20 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 14015

نحو إنشاء معاهد أو أقسام لحوار الأديان والتسامح الديني

نحو إنشاء معاهد أو أقسام لحوار الأديان والتسامح الديني

نحو إنشاء معاهد أو أقسام لحوار الأديان والتسامح الديني

28-10-2018 09:17 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور قصي انور الذبيان
نشرت إحدى الصحف الأمريكية قبل أيام على موقعها الإلكتروني مقالا عن مقتل خاشقجي؛ وقام شخص، على الأغلب أنه أمريكي، بإضافة تعليق قصير باللغة الإنجليزية على المقال المذكور، قال فيه: "هؤلاء المسلمون يقتلون بعضهم ويقتلون الآخرين بتهوّر ولأتفه الأسباب". بطبيعة الحال، غاضني التعليق، وفكرتُ بالردّ. ولكن وبسبب أن الموقع يعود لصحيفة إلكترونية ونظرا للعدد الكبير من التعليقات، وربما بسبب خوفي من الدخول في متاهة، أحجمتُ عن الردّ.

ما زال الصراع الديني، وسيبقى، أحد أشكال الصراع المتأصّلة بين الحضارات والأمم. وما كتبه ذلك القارئ الأمريكي ما هو إلا انعكاسٌ لقناعاتِ وأفكار ملايين من الأشخاص الآخرين، وما هو إلا دليلٌ على ترسُّخِ وتجذّرِ واستمرارية هذه الصور النمطية السلبية عن الإسلام والمسلمين في أرجاءٍ كثيرة من العالم.

ما أحوجنا اليوم إلى جيلٍ جديد من الدُعاةِ والوعّاظ والأئمة والخطباء والمرشدين. ما أحوجنا إلى جيلٍ جديد منفتح ومتنور من المفكّرين الإسلاميين الذين يتقنون فنّ الحوار مع الآخر والدفاع والذود عن دينهم ورسالته وتعاليمه، بعيدا عن العواطف المُتعصِّبة الجياشة والتزمُّت العدوانيّ المُرعب وأساليب التكفير والتنفير. جيل عصري يقومُ خطابُه على المنطق والعلم، وأساليب الحوار السلمية المُقنِعة والتفكير الصحيح، وتقبُّل الآخر، وعلى الحجج والبراهين والاثباتات العقلية، وعلى منهجيةٍ منطقية وتاريخية وواقعية. حوارٌ يقوم على التاريخ والواقع السياسي والمناورة الدبلوماسية الذكية بعيدا عن التعصّبِ والتعسّف والجدل العقيم. حوارٌ جديد متجدّد يتوافقُ مع متطلبات وحيثيات العصر الحالي والواقع الجديد ويتوافق مع عقليةِ وخلفيةِ البشر الحاليين ومع التطورات العلمية والثورات التقنيّةِ الحديثة، ومع التحوّلات الاجتماعية والسياسية الهائلة وكذلك مع نفسية الإنسان المعاصر الذي لم يعد يقبل بالأساليب التقليدية في الدعوة والحوار. فالوعيدُ بعذاب القبر وأهوال عذاب جهنم لن يُجدي معه نفعا، بل قد يكون عامل تنفير، والقولُ بأن القرآن يدعو الى المحبة والتسامح والسلام قد لا يُغيّر شيئا، ومحاولةُ إقناع الآخرين بأن محمدا هو نبيّ الله للبشرية جمعاء وخاتم الأنبياء والمرسلين وأن القرآن هو كتاب الله وآخر الكتب السماوية لن يؤدي الغرض المطلوب ولن يقود إلى الإقناع.

نحتاجُ إلى خطابٍ آخر من نوع مختلف. وإلى مفكّرين إسلاميين من نوع متميّز فريد. يحاورون باللّين ودون فظاظةٍ أو غلظةِ قلب، ويجادلون بالتي هي أحسن، ويفهمون ويراعون خلفية ونفسية وعقلية الآخر، وطبيعةَ وخصوصيةَ مكانه ونمطَ تفكيره وأسلوب حياته وتاريخه وتراثه. نحتاجُ إلى جيلٍ جديد يعمل بدِرايَةٍ وحِرَفية على تصويبِ الأفكار وتصحيح الخلل الذي حلَّ بتاريخنا وتاريخ ديننا وأمّتنا وإصلاح الأفكار الباطلة والتشويه الذي أصاب إرثنا الديني ومُراجَعةِ التاريخ وإزالة الشوائب والتلفيق والزيف الذي تمّ دسّه في كثيرٍ من كتب الفكر الإسلامي والتراث الديني وعقول الآخرين على مرِّ التاريخ. نحتاجُ إلى جيلٍ جديد يُتقِن مبادئ الحوار والبحث العلمي الرصين القائم على العلم والمنطق والحقائق التي تواكب التطور العلمي والعقلي والفكري والسيكولوجي للإنسان المعاصر؛ إلى جيلٍ ملتزم وعليم بأحدث النظريات السيكولوجية والتاريخية والسياسية والاجتماعية والتكنولوجية والأنثروبولوجية. نحتاجُ إلى جيلٍ يفهم تماما ويدرك بعمقٍ ودرايةٍ ما يجري حوله على مختلف الصُعد وفي كل المجالات. نحن بحاجةٍ إلى جيلٍ ناضج من الدُعاة والوُعّاظ والخطباء مهيئون نفسيا وعقليا وفكريا لمثل هذا العمل؛ يؤمنون بما يفعلون وقادرون بذكاءٍ وفطنةٍ على ضبط أنفسهم وأعصابهم ويتمتعون بمهاراتٍ خاصّة يتم تدريبهم عليها من قبل متخصصين في هذه المجالات. نحن بحاجة إلى أئمة وخطباء ودعاة يفهمون الواقع الاجتماعي والسياسي وعلى وعي واسع بقضايا الأمة ومشاكلها المعاصرة، وبهموم وقضايا الأجيال الحديثة التي تحتاج إلى خطابٍ علمي منطقي مقنع ورعايةٍ من نوعٍ خاص دون إكراه وإقصاء وتهميش.

قبل أسابيع تم طرح فكرة إنشاء برامج أكاديمية جديدة لنيل درجة الماجستير في الجامعات الأردنية بتخصص "الوعي المروري والسلامة المرورية"، لعل وعسى أن تُسهِم هذه البرامج والأقسام من الحدِّ من المشاكل المرورية ويكون لها أثرٌ ودور بارز وفعاّل في إشاعة الوعي المروري وثقافة التعامل الحضاري المتحضّر مع كل ما يتعلق بالمرور.

نحن أيضا بحاجة إلى معاهد أو أقسام وبرامج مماثلة تعنى بحوار الأديان والتسامح الديني. وهي ليست أقسام وبرامج تقليدية. يجب أن تنتمي إلى ما يُسمّى بالإنجليزية بـ "Interdisciplinary" أيّ "الحقول والاختصاصات المتداخلة" أو "تعدد التخصصات والمجالات". فتتبع هذه المعاهد والأقسام إلى كلياتٍ وبرامج متعددة أخرى وتستقطب طلابا متميزين لديهم القدرة على النجاح والتميّز بهذا التخصص الصعب الفريد. يجب أن يتم إعدادُ خططا دراسية من نوع فريد تجمع علوم التاريخ والسياسة وعلم النفس وعلم المنطق والفلسفة وفنون الحوار والتواصل والتكنولوجيا واللغات (خاصة الانجليزية). برامج كهذه يجب أن يتم تدريسها باللغتين العربية والإنجليزية مناصفة. فإتقان اللغة الإنجليزية ضروري لمثل هؤلاء المتخصصين ولمثل هذا النوع من التواصل، وهذا ما يفتقر إليه أغلب وُعّاظِنا ودُعاتنا وخطبائنا.

برنامج كهذا يتطلب أن يدرس الدارسون مساقاتٍ أكاديمية متخصصة في علم النفس يتم إعدادها لهذا الغرض خصيصا تُشرِفُ عليها كليات التربية، ومساقاتٌ مماثلة يتم إعدادها في كليات وأقسام السياسة تتعلق بالسياسة والدبلوماسية الدينية، ومساقاتٌ تديرها كليات اللغات وأقسام اللغة الانجليزية لتعليم أصول الحوار والمناظرة والتواصل الدعوي الاسلامي باللغة الانجليزية، ومساقاتٌ أخرى متخصصة بالتاريخ الإسلامي وتاريخ الأديان والحضارات، بالإضافة طبعا إلى الدور الهام لكليات الشريعة في تسليح هؤلاء بالعلوم الدينية ومقاصد الشريعة. كما ونحتاج إلى مساقات في المنطق والفلسفة الإسلامية والدينية، وعلم الإجتماع وعلم الجمال وأدبيات الاتكيت.

بهذا لا ننكر دور كليات الشريعة في جامعاتنا وطبعا لا ننكر وجود علماء ومشايخ متنورون ويتمتعون بهذه المهارات ومؤهلون للقيام بهذا الدور على أكمل وجه. ولكن ما زال عددهم محدودا جدا، وكثير منهم بحاجة إلى المزيد من المهارات الضرورية والأساليب الحيوية العصرية. ولهذا وجب أن يكون لدينا معاهد أو اقسام أكاديمية خاصة تقوم بهذا الدور. يجب ان يُناط هذا الدور وهذا الفن لمتخصصين فيه وأن لا يُترك لمن لا يتقنونه ولا يحسنون التعامل معه.


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 14015
برأيك.. هل طهران قادرة على احتواء رد فعل "تل أبيب" بقصف بنيتها التحتية الاستراتيجية حال توجيه إيران ضربتها المرتقبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم