حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,25 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 31328

العفو العام بين الازمه الاقتصاديه والواقع الاجتماعي بقلم القاضي بشير الصليبي

العفو العام بين الازمه الاقتصاديه والواقع الاجتماعي بقلم القاضي بشير الصليبي

العفو العام بين الازمه الاقتصاديه والواقع الاجتماعي  بقلم القاضي بشير الصليبي

19-06-2018 10:01 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا - المتابع لوسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والإلكترونية وحديث المجتمع يلاحظ ازدياد حوادث الإجرام بجميع أشكالها وأنواعها ولذلك يجب على كل مسؤول يتعامل مع ظاهرة الإجرام أن يكون لديه تصور واضح عن المستقبل وأن يكون هذا التصور غاية يعمل من أجلها، وأن يمتلك الوسائل المؤدية إلى تحقيق هذه الغاية وأن يحدد بشكل واضح الوسائل القادرة على بلوغ هذه الغاية.

يجب على المسؤول أن لا يغفل عن العلاقة الرئيسية بين السياسة العامة للدولة ( الاقتصادية والاجتماعية ) وسياستها الجنائية، فمكافحة ظاهرة الإجرام تتطلب أن تكون هناك إستراتيجية تتضمن أهداف محددة تتحول إلى خطوات عملية والأهداف الإستراتيجية يجب أن تتميز بالشمول بحيث تشمل جميع أشكال الإجرام ويجب أن تكون كذلك طويلة المدى بالقدر المعقول وكذلك أن يكون هناك توافق بين السياسة الاجتماعية والاقتصادية وأخيراً يجب أن تكون هذه الاستراتيجية مرتكزة على التخطيط العلمي.
ولكن يمكن القول إن تعاملنا مع الظاهرة الإجرامية ينبغي أن لا ينصب عليها ذاتها وإنما يجب أن يتجه إلى حلها أي إن التركيز يجب أن يكون على الحل وليس على المشكلة، ولكن حين نواجه مشكلة فإننا ندور حولها ونهدر الوقت والجهد ونحن نتحدث عنها أو نفكر في أسبابها وأعراضها وآثارها بدلاً من أن نسعى في حلها، مع أن الاستغراق في المشكلة ذاتها يلهينا أحياناً عن البحث عن حلها، فبقدر أهمية تحديد المشكلة فإن تحديد الحل المطلوب وتحديد الموارد المادية لهذا الحل أكثر أهمية، وهذا ما يغيب بعض الأحيان عن الأذهان ومن أكبر المشاكل حين لا نعرف أن لدينا مشكلة أو حين نعرف بوجود المشكلة ثم ننكرها وينطبق ذلك على الأجهزة التي تتعامل مع الظاهرة الإجرامية التي تعاني من المشاكل التقليدية في العمل، ويمكن القول أن الظاهرة الإجرامية تظل تتكرر بوجوه وألوان متعددة ذات جوهر واحد وعادةً ما يتم مواجهة هذه الظاهرة بشكل طارئ دون معالجة السبب أو أن يتم معالجته أحياناً بنفس الأسلوب إلا أنها تعود للظهور من جديد.
في الحقيقة هي أن كثير جداً من المشاكل لا تجد لها حلاً في الواقع بقدر ما تجد الحل في أسلوب التفكير والنظرة والاستعداد لتغيير بعض الأفكار والقناعات في التعامل مع الظاهرة الإجرامية لكونه يغلب في بعض الأحيان أن تأخذ المشكلة حجمها من خلال ما نضيف نحن عليها حيث أن الظاهرة الإجرامية لا تحل إلا بإلغاء التي أوجدتها أو التي ساهمت بوجودها أو في الحالة التي وُجدت فيها من خلال استئصالها كاملةً وذلك منعاً لتفاقم الآثار المترتبة عليها وتعاظمها.
إن المجتمع قد طرأت عليه تغييرات عميقة ونجد أن التغيرات التي تركت آثارها على ازدياد ظاهرة الإجرام يمكن القول أنها نابعة من تعقد ظروف الحياة في ضوء المشاكل الاقتصادية وخاصةً مع قلة دخل الفرد بشكل خاص وكذلك الأزمة الاقتصادية وانتشار ظاهرة التفكك الأسري كل ذلك مع ازدياد الرغبة لإشباع الحاجات المادية، ومن التغييرات التي حدثت في المجتمع هي اختفاء الطبقة الوسطى التي أدت إلى اتساع الهوة بين طبقات المجتمع الأمر الذي ترتب عليه أن اختل التوازن بين أفراد المجتمع وانعكس ذلك على اضمحلال التكافل الاجتماعي، إلا أن التغييرات التي حصلت على المجتمع قد تركت آثارها في بعض الأمور التي تهم حياة الفرد ومنها قيام العائلة بالبحث عن مصادر زيادة الدخل الاقتصادي للأسرة لمواجهة أعباء الحياة اليومية الأمر الذي يترتب عليه ذهاب الأم للعمل وقضاء وقت طويل للوالدين في الأعمال اليومية حيث أدى ذلك إلى قصور في تربية الأطفال وتأخرهم في المستوى الدراسي وفي ظل غياب الأهل فإن المدرسة أو المربية أو دار الحضانة غير قادرة أن تقوم بالدور الذي يقوم به الوالدين، في ضوء ذلك فإن الاختلال العائلي قد رتب انعكاسات سلبية على سلوك الأطفال ونشأتهم.
ونجد بأن التوسع العمراني وخاصة في المدن الكبيرة أدى إلى نشوء أحياء قبل أن تستكمل بنيتها الأساسية حيث أصبحت هذه الأحياء تفتقر إلى أماكن الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليم وبقدر الإمكان أدى ذلك إلى غياب أماكن التسلية التي تستوعب طاقات الأجيال الشابة مثل الملاعب والحدائق، كل ذلك انعكس سلبياً على البنية الشخصية للأجيال الشابة حيث أدى ذلك إلى انصرافهم إلى أماكن ترفيه تشجع على ارتكاب الجريمة وتساعد على إنشاء بيئات إجرامية.
ومن أهم المشاكل التي تركت آثارها لدينا في الأردن وهي الأزمة الاقتصادية وآثارها على التنمية، ونجد أن أزمة الديون الخارجية في الأردن وكذلك الأزمة الاقتصادية في العالم كل ذلك أثر على حجم المساعدات الدولية وأوجه التعاون الدولي في مجال التنمية، ونجد إن مشكلة البطالة وهي من المشاكل الرئيسية حيث أدى تفاقم مشكلة البطالة تحولها إلى مشكلة هيكلية وليست دورية، ومن العوامل التي أسهمت في تحول مشكلة البطالة إلى مشكلة هيكلية هي الثورة العلمية والتكنولوجية حيث أصبحت حقول الإنتاج في كثير من الصناعات لا تحتاج إلا إلى تدخل بسيط من جانب الأيدي العاملة وكذلك من العوامل التي أسهمت في ارتفاع نسبة البطالة هو ازدياد العمالة الوافدة التي حلت محل العمالة الأردنية في كثير من النشاطات، ومن الأسباب التي أسهمت كذلك في ارتفاع مشكلة البطالة هي انخفاض الربح في قطاعات الإنتاج المادي التي تحتاج إلى أيدي عاملة في الإنتاج مما دفع كثير من رجال الاقتصاد إلى تحويل نشاطاتهم إلى الاستثمار في قطاع البنوك وأسواق رأس المال والأوراق المالية والإسكان وهي استثمارات تحقق معدلات أرباح أعلى فيما لو قورنت بالعائد المتحقق في قطاعات الإنتاج المادية مثل المصانع والزراعة وغيرها حيث أن الاستثمارات التي تحول إليها رجال الاقتصاد لا تحتاج إلى أيدي عاملة كثيرة، نجد أن مسألة تدويل الإنتاج والتي تمثلت في كثير من الشركات اعتمدت ظاهرة تدويل الإنتاج أي أن الشركات الاستثمارية أصبحت تتخذ من بعض الدول مثل الصين وتايوان وهونج كونج وكوريا الجنوبية مجالاً لاستثماراتها وذلك لكي تستفيد من العمالة الرخيصة الأمر الذي يصبح معه جلب الاستثمارات إلى الأردن لكي تساهم في حل مشكلة البطالة أمر بالغ الصعوبة وأخيراً فإن من الأمور ساهمت في ازدياد عدد العاطلين عن العمل هي لجوء الحكومة إلى تخفيض الإنفاق والاستثمار في مختلف المجالات الأمر الذي ترتب عليه انخفاض التوظيف في الأجهزة الحكومية ومؤسساتها، كل هذه الصور التي ميزت أزمة البطالة ليست مجرد أزمة تشغيل بل لها آثار سلبية على قيم الشباب ونظرتهم الأخلاقية وتشكيل حالة تدفع إلى ارتكاب الإجرام لدى بعض الشباب وخاصةً مع النظرة إلى المستقبل فإن أعداد المتعطلين عن العمل سيزداد بمعدل أكبر من المتوقع وهذا ما يمكن أن نلمسه من خلال مشاهدة الأعداد من الطلاب المتواجدين على مقاعد المدارس وكذلك بالنظر إلى الأعداد المتزايدة من الخريجين من الجامعات الحكومية والخاصة وكذلك الجامعات الخارجية.
ويمكننا القول ازدات لدينا ظاهرة إجرام البطون الخاوية (السرقات بمختلف أنواعها والجرائم المادية و والتسول وبيع الأعظاء) وغيرها من الجرائم مثل تعاطي الممنوعات و جرائم القتل والمخدرات وعنف الجامعات والعنف المجتمعي بكافة أشكالها وكذلك الاعتداء على رجال الأمن العام والأطباء، فإن ازدياد هذه الظاهرة لهو تعبير واضح وصريح لفشل المجتمع وليس فشل قطاع من القطاعات في مواجهة ازدياد هذه الظاهرة، ومن لديه الاعتقاد بمسؤولية الأمن وحده في مواجهة ظاهرة الإجرام فهذا اعتقاد خاطئ لكون مسؤولية مكافحة ظاهرة الإجرام هي مسؤولية متكاملة تشترك فيها أجهزة الدولة الرسمية وكذلك مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص وهذه المسؤولية تتطلب أن تكون هناك إستراتيجية تشترك بوضعها كافة مكونات الدولة وأن يتحمل المجتمع مسؤوليته ولا يتحقق ذلك إلا بوضع إستراتيجية شاملة لمكافحة ظاهرة الإجرام ولإعداد هذه الاستراتيجية يجب أن يكون هناك مؤتمر وطني لدراسة أسباب هذه الظاهرة في المجتمع ووضع الحلول المناسبة لها.
تلك هي مشكلة الظاهرة الإجرامية التي أردنا أن ننبه لها وإن ندق الأجراس بداية لبحث هذه الظاهرة.
وبعد أن استعرضنا الأزمة الأقتصادية وأثرها على الأجرام وبما أن الجريمة عندما تقع لابد وان يعاقب فاعل الجريمة، ونجد ان العفو العام كغيره من المواضيع المهمة نجد ان هذا الموضوع له ايجابيات وسلبيات كغيره من المواضيع .
ولكن الله عـز وجل أرحم الراحمين وغفار الذنوب قد فتح باب التوبة ، وقال تعالى في محكم تنزيله في سورة النور(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور - 22).
وجاءت السنة النبوية وسطرت أروع الأمثلة في العفو، حيث عفا الرسول صلى الله عليه وسلم عن مشركين قريش يوم فتح مكة .
وفي معظم الدول يصد العفو غالبا اثر الاضطرابات الاجتماعية والانقلابات السياسية عندما تدعو الحاجة الى تسكين ثورة الغضب من تأثير بعض الحوادث فيسعى المشرع من جانبه الى تهدئه النفوس والخواطر عن طريق العفو عن بعض الجرائم فيسدل الستار على ذلك الماضي وما اكتنفه من ذكريات أليمه سعيا لا استرضاء المجتمع ولنشر الطمأنينة فيه.
والعفو العام سلطه في يد المشرع يستعملها حينما يريد ان يسدل ستار النسيان على بعض الأفعال التي كان حين اقترافها تشكل اعتداء على امن المجتمع ونظامه ثم لم تعد له هذه الصفة وصار من الواجب رفع أثارها عن الأشخاص الذين قاموا بها.
الا ان العفو العام كثير ما يصدر لا اعتبارات خاصة متعلقة بالسلطة الحاكمة ونجد ان العفو العام في بعض الاحيان يصدر على اثر تغيير نظام حكم او بعد عمل سياسي هام او بمناسبة تسلم رئيس جديد مقاليد الحكم في البلاد او الاعياد الرسمية او المناسبات الوطنية.
ولكون الأردن يخلو من الأظطرابات السياسية . وأنما سقط في مستنقع الأزمة الأقتصادية وذلك بسبب الظروف الدولية والأقليمية والمحلية وكذلك الصراع بين التيارات الاقتصادية في مواجهة الأزمة الأقتصادية المحلية ( التيار الليبرالي- التيار الإصلاحي- التيار الراديكالي) التي برزت في الخمسة عشرة سنة الأخيرة والصراع العنيف فيما بينها وكان كل تيار يسعى لفرض منطقة على واضعي السياسة الاقتصادية كل هذه المشاكل أسقطت الغالبية العظمى من المجتمع في مستنقع الفقر والبطالة والقروض وتركت أثر سلبي على التعليم والصحة والحياة الاجتماعية ومخالفة القانون.
وأخيراً نرى هناك مطلب اجتماعي وسياسي للبحث في أصدار قانون عفو عام من خلال التوصل إلى حلول توفيقية تراعي العدالة الاجتماعية والجنائية على ضوء الاعتبارات الاقتصادية التي ذكرناها، وإن الظروف قد نضجت لإصدار مثل هذا القانون ونترك الأمر للقوى السياسة ومؤسسات المجتع المدني للتوافق على هذا القانون.






لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 31328

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم