حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,28 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 24153

قتلة وصفي التل استهدفوا مشروعه المقاوم قبل جسده .. بقلم : زياد ابو غنيمة

قتلة وصفي التل استهدفوا مشروعه المقاوم قبل جسده .. بقلم : زياد ابو غنيمة

قتلة وصفي التل استهدفوا مشروعه المقاوم قبل جسده  ..  بقلم : زياد ابو غنيمة

27-11-2008 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا -






يستهلُّ الرئيس الشهيد بإذن الله وصفي التل كتابه "فلسطين.. دور الخلق والعقل في معركة التحرير" بالقول: "من أشدِّ الجوانب فجيعة في المأساة الفلسطينية طغيان المغالطات وألوان الافتراء والتجنـِّـي على التاريخ".

ويا لشدَّ ما تنطبق هذه العبارة على حادثة اغتياله في قلب القاهرة في مثل هذا اليوم قبل سبعة وثلاثين عاما في 28/11/1971 فما تزال بعض الأقلام التي تتناول الجريمة تتجاهل الدافع الحقيقي لتلك الجريمة لتصوِّرها وكأنها عمل وطني استهدف عدوا لفلسطين ولقضية فلسطين، بينما هي في حقيقتها مؤامرة مشبوهة لم تستهدف جسد وصفي التل بقدر ما استهدفت المشروع الذي حمله إلى اجتماع وزراء الدفاع العرب في القاهرة لإعادة بوصلة المقاومة الفلسطينية لتتوجَّـه إلى وجهتها الصحيحة في مواجهة الاحتلال الصهيوني في يافا وحيفا والقدس والخليل وجنين وفي كل أنحاء فلسطين.

إن محاولة تصوير جريمة اغتيال وصفي التل وكأنها عمل وطني ضد عدو لفلسطين هي مغالطة وافتراء وتزييف تهدف إلى التغطية على الدافع الحقيقي المشبوه وراء هذه الجريمة وهو إجهاض مشروع وصفي الذي كان سيطرحه على وزراء الدفاع العرب لإعادة تنظيم العمل الفدائي الفلسطيني باتجاه مواجهة العدو الصهيوني المحتل لفلسطين بعيدا عن افتعال معارك باسم فلسطين مع العمق التاريخي والجغرافي لفلسطين وللفلسطينيين، وإن هذا التحريف والتزييف والافتراء والمغالطة تمثل أحد أبرز الأمثلة النموذجية لأبشع عملية افتراء وتجنٍّ على تاريخ وصفي التل الذي يسجـِّـل له أنه نذر نفسه منذ سنوات وعيه الأولى جنديا من أجل فلسطين توأم أردُنـِّـه الذي أحب، فالمتتبع لمسيرة وصفي التل كما تُسجـِّـلها حقائق التاريخ بعيدا عن التزييف والافتراء، يكشف أن وصفي التل رضع حبَّ فلسطين في محضن شاعر الأردن الخالد "عرار"، مصطفى وهبي التل، الذي تفجـَّـر حبـُّـه لفلسطين شعرا ولمـَّـا يبلغ العشرين من عمره وهو يحذِّر من خطر وعد وزير خارجية بريطانيا المتصهين اللورد بلفور لليهود بتعهد بريطانيا بمساعدتهم على إقامة وطن قومي لهم في فلسطين فأنشد:

يا ربِّ إنْ بلفـورُ أنفـذَ وعْــدَهُ            كـمْ مسلمٍ يبقى وكـمْ نصراني..؟

وكيانُ مسجدِ قريـتي منْ ذا الـذي            يُـبقي عليـه إذا أزيـل كيـاني..؟

وكنيسة العـذراء أيـن مكانهــا            سيكونُ إن بُعثُ اليهـودُ مكـاني..؟

كان وصفي التل واحدا من الجيل الذي نضج في حقبة كانت كتب التاريخ والجغرافيا التي درسها جيله تقول إن الأردن وفلسطين وسورية ولبنان تشكِّل وحدة جغرافية وتاريخية وقومية واحدة تسمى سورية الطبيعية، وإن الأردن وفلسطين كانا وحدة جغرافية وتاريخية وقومية واحدة تسمى سورية الجنوبية، وإن سورية ولبنان كانا وحدة جغرافية وتاريخية وقومية واحدة تسمى سورية الشمالية، وإن الخطر الصهيوني الذي يتهدَّد فلسطين يتهدَّد الأردن وسورية ولبنان بنفس القدر.

التل تشبَّع بعقيدة العداء للصهيونية متأثرا بفكر أنطون سعادة

وعندما انتقل وصفي إلى بيروت للالتحاق بالجامعة الأميركية، وجدت أفكار وطروحات الحزب السوري القومي أرضية صالحة لدى وصفي فتأثر بخطابات مؤسِّس الحزب الزعيم أنطون سعادة، الذي كان من أسبق المفكـِّــرين والسياسيين العرب في استكشاف الخطر الصهيوني على بلدان سورية الطبيعية التي كان الحزب يرفع شعار توحيدها في دولة سورية موحدة تعيد أمجاد أجدادهم الفينيقيين، ولم يلبث وصفي أن تشبَّـع بعقيدة العداء للصهيونية التي كانت ركنا رئيسا في فكر الحزب السوري القومي.

بأمر من حركة القوميين العرب، تطوَّع التل في الجيش البريطاني لاكتساب الخبرة العسكرية تحضيرا لقتال الصهاينة. ثم لم يلبث أن جمع إلى جانب عقيدة العداء للصهيونية التي تشبَّـع بها متأثرا بفكر أنطون سعادة قناعة جديدة متأثرا بفكر حركة القوميين العرب التي التحق بها أثناء دراسته في الجامعة الأميركية ببيروت، وهي قناعة تؤكد أن المواجهة مع الصهيونية قادمة لا محالة، وأن الذي سيحسم الصراع العربي الصهيوني ليس المظاهرات والخطب، ولا الصراخ بالشعارات، بل القتال، والقتال وحده، مما دفعه بعد تخرجه من الجامعة الأميركية إلى العزوف عن قبول عروض كثيرة للعمل بوظائف الحكومة التي كانت متاحة له بحكم موقع والده "عرار" السياسي والاجتماعي، وأصرَّ على التطوع مع بعض الشبان العرب في الجيش البريطاني لاكتساب الخبرة العسكرية ومهارات القتال عمليا تمهيدا للاستفادة منها عندما يبدأ الصراع الفعلي مع الصهيونية على أرض فلسطين، معرضاً نفسه للأقاويل والاتهامات بالعمالة للإنجليز، وفي هذا الصدد ينقل الدكتور سعيد التل شقيق وصفي في دراسة له في "الرأي" بمناسبة الذكرى الستين للنكبة عن المناضل الفلسطيني يحيى حمودة الرئيس الأسبق لمنظمة التحرير الفلسطينية قوله إنه سأل وصفي ذات لقاء جمعه به في صيف عام 1968م: إن خصومك السياسيين لا يجدون لمهاجمتك منفذا إلا أنك كنت ضابطا في الجيش البريطاني، فما الذي ورَّطك في الالتحاق بالجيش البريطاني لتفتح ثغرة ينفذ منها خصومك لمهاجمتك وتشويه سمعتك..؟، ويروي حمودة أن وصفي قال له: إنني لم أتورَّط بدخولي الجيش البريطاني كما تقول، بل دخلته عن طيب خاطر، وبناءً على خُـطة، وعن سابق تصوُّرٍ وتصميم، فقد كنت خلال دراستي في الجامعة الأميركية، وبعد تخرجي منها، منتظما في حركة قومية عربية كانت تضمُّ الكثير من الشباب العربي، وكنا في هذا التنظيم على قناعة بأن القتال هو وحده الذي سيحسم صراعنا مع اليهود، وأن الذي يمتلك مقومات القتال بصورة أفضل هو الذي سينتصر ويفوز بأرض فلسطين، وقد عزَّز قناعتنا هذه ما لاحظناه من تسابق الشبَّـان اليهود بأعداد كبيرة إلى التطوع في الجيش البريطاني، ولما لم تكن أمامنا وسيلة للتدريب على القتال إلا التطوُّع في الجيش البريطاني، فقد أوعزت الحركة لبعض شبابها ليكونوا القدوة لغيرهم من الشباب العرب، فتطوَّع البعض وكنت واحدا منهم، وتقاعس كثيرون. ويقول حمودة إنه سأل وصفي: لماذا لا تعلن هذه الحقيقة حتى لا يستمر خصومك بتشويه سمعتك..؟ فأجابه وصفي: إن ما قمت به كان في اجتهادي واجتهاد تنظيمي واجبا نحو وطني وأمتي، وليس من الأخلاق الوطنية أن يتفاخر الإنسان بما يقوم به من واجب تجاه أمته ووطنه، ولكن سيأتي يوم، عندما تنتهي مرحلة التهريج والكذب، يعرف فيه قومنا أن تطوُّعي مع بعض رفاقي في الجيش البريطاني كان تحضيرا من أجل القتال في فلسطين.

التل قائدا لفوج اليرموك الرابع في جيش الإنقاذ

عندما بدأت ملامح المعركة تلوح في الأفق، ترك وصفي التل الجيش البريطاني والتحق بجيش الإنقاذ قائدا لفوج اليرموك الرابع الذي كانت ساحة عملياته في شمال فلسطين، وكان قائد جيش الإنقاذ فوزي القاوقجي، وكان عبد الرزاق اليحيى القائد السابق لجيش التحرير الفلسطيني من ضباط فوج اليرموك الرابع الذي قاده وصفي، وعندما فرضت الهدنة، أدرك وصفي أنها فرضت لصالح اليهود لتمكينهم من تعزيز مواقعهم وجلب أسلحة جديدة فرفضها وقرر الاستمرار في القتال، فأصدر قائده المباشر حسني الزعيم قرارا بنقله لإبعاده عن ساحة القتال، ثم سجنه وكاد يعدمه بتهمة التعاون مع أنطون سعادة للقيام بانقلاب في سورية يتزامن مع الانقلاب الذي قيل إن الحزب السوري القومي حاول القيام به في لبنان ولما فشل التجأ سعادة إلى سورية فقبض عليه حسني الزعيم وسلمه إلى الحكومة اللبنانية التي كان رئيسها رياض الصلح فقامت بإعدامه رميا بالرصاص، أما وصفي فقد نجا من الإعدام بعد تدخل شخصيات سورية وأردنية.

بعد هذه السبعة والثلاثين عاما، التي مرَّت على جريمة اغتيال الشهيد بإذن الله وصفي التل، لم يعد مقبولا ولا معقولا أن يستمر البعض في تصوير جريمة اغتيال وصفي كعمل وطني ضد عدو لفلسطين والفلسطينيين، ولم يعد مقبولا ولا معقولا الاستمرار في تجاهل الدافع الحقيقي وراء اغتياله، ولا بد أن توضع الجريمة في إطارها الحقيقي، جريمة استهدفت مشروع وصفي التل لاستنقاذ المقاومة من مغامرات المتاجرين بفلسطين قبل أن تستهدف جسده.

ولكي تتضح الصورة على حقيقتها، وحتى لا يبقى عند أي فلسطيني وعربي أي شك في أن الرصاصات التي قتلت وصفي التل قتلت معه مشروعا قوميا مخلصا لإدامة المقاومة، لنقرأ بموضوعية بنود المشروع الذي حمله وصفي التل كوزير للدفاع في حكومة المملكة الأردنية الهاشمية إلى مؤتمر وزراء الدفاع العرب في دورته التي عقدت في القاهرة في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) 1971م، والذي أجهضته رصاصات الغدر التي أودت بحياة وصفي:

1- إعادة تنظيم الجبهات العربية المواجهة لإسرائيل بأربع جهات رئيسية، ثلاث جبهات دفاعية بصورة رئيسية وجبهة رابعة للهجوم والتصدِّي.

2- الجبهات الثلاث هي الجبهة الجنوبية وتتشكل من القوات المصرية، والجبهة الشرقية وتتشكل من القوات الأردنية والقوات العراقية، والجبهة الشمالية وتتشكل من القوات السورية والقوات اللبنانية، والوظيفة الرئيسية لهذه الجبهات هي صد العدوان وردعه كلما حاول الاعتداء أو التوسع أو الانتقام.

3- الجبهة الرابعة وهي الجبهة الوسطى وتتشكل بصورة رئيسية من المقاومة الفلسطينية لاستنزاف العدو، كما تتحرك هذه الجبهة وتهاجم من جميع الجبهات ومن الداخل وفي إطار استراتيجية عربية محددة للمواجهة.

4- تقوم الجبهات الثلاث بدعم الجبهة الرابعة ومواجهة جميع ردود فعل العدو على تحركاتها.

 

 


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 24153
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
27-11-2008 04:00 PM

سرايا

2 -
رحم الله الكريمين وصفي وزياد وتقبلهما الله في الفردوس الاعلى
كنت اتمنى ان اقرأ مشروع وصفي فالحمد لله رب العالمين
27-11-2016 09:45 AM

خميس النجار

التبليغ عن إساءة
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم