حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,29 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 12471

الفصول الأربعة في ثلاثة أسابيع من الزّمان

الفصول الأربعة في ثلاثة أسابيع من الزّمان

الفصول الأربعة في ثلاثة أسابيع من الزّمان

21-04-2018 05:14 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : احمد عواد
عندما تعيش فصول العام الأربعة في واحد وعشرين يوماً فستكون حينها قد تنقلت بين الولايات المتحدة لترى جمال الطبيعة والاعتناء بها من خلال المساحات الخضراء التي ستجدها أينما ذهبت ، وستلتقي مع مواطنين أمريكيين من مختلف الأصول تجمعهم المواطنة و يعيشون في عدالة في ظل تطبيق لسيادة القانون وهم ينعمون بكامل الحريات و الحقوق .

تجد مجتمعاً لعلّه الأكثر عالمياً بدفع الضرائب ولكنّه يدفعها عن طيب خاطر وهو سعيدٌ مطمئن البال ؛ فتجده يشاهد الضرائب التي يقوم بدفعها يومياً على فواتير الشّراء غير مضافة على أسعار السّلع ليتذكر كلّ واحد منهم أنّه قد دفع الضرائب التي تستوجب على حكومته توفير الخدمات له بأفضل صورة وحال !

ستجد أن 97% من المجتمع لا يهتمّ للشؤون الخارجية فتجد أحدهم منهمك بالتّعلم والعمل ومنهم من هو مهتمٌّ بالتطوير والابتكار ، ويخصص من وقته عطلة نهاية الأسبوع للراحة أو أي التزامات أخرى يخطّط للقيام بها .
ستجد مسؤولين ومواطنين يعترفون بأخطائهم ، ويعترفون أنه ما زال بإمكانهم تحقيق المزيد من التّطور وما زال بإمكانهم أن يكونوا أفضل للوصول إلى المزيد من التطور والإنجاز. أعجبتني أحدهم عندما قالت نحن في الولايات المتحدة لسنا كاملين ولدينا أخطاء ولكن من الجيد أننا نستطيع أن نتحدث عن ذلك وبالتالي سنتطور ونعالج هذا الخلل في يوم من الأيّام . هم فقط ينظرون إلى حياتهم ومستقبلهم بإيجابيّة ، يعزّزون نقاط القوّة والنّجاح ويعملون على اجتياز نقاط الضعف والخلل ليصلوا بذلك إلى مجتمع أفضل !

قد لا نتفق مع بعض الأمور في السّياسة الخارجيّة للولايات المتحدة ؛ ولكن هذا لا يفسد للودّ قضيّة ، حتى أنّ بعض الأمريكيين أنفسهم قد يكونوا كذلك ؛ فالولايات المتحدة 50 ولاية رأيتها وكأنّها خمسين دولة يجمع بينها إتحاد !
إلا أنّنا في الوقت نفسه يجب أن نقف احتراماً لما وصلوا إليه من تطوّر علميّ ، و نموّ اقتصاديّ ، وبما حقّقوا من عدالة اجتماعية لمواطنيهم ،ولتحفيزهم للمبدعين والشباب وتوفير الفرص لهم ، ولتشجيعهم الريادة والابتكار ، وللنظام المرن الذي يجعل الحياة تسير بانتظام دون أن يتدخل أحد بعمل غيره ، أو أن يتجاوز أحدهم دور الآخر .

هذا لم يأتي من فراغ وإنما جاء نتيجة لجهود جميع المجتمع بكافة مكوناته وبتكامل المؤسّسات الحكومية والخاصّة ومؤسّسات المجتمع المدنيّ لتوفير بيئة حاضنة للريادة ومحفزة على تطوير الأعمال !

لقد عرفت ذلك وأكثر من خلال مشاركتي في برنامج القيادة للزائر الدّوليّ والذي ترعاه الخارجية الأمريكية خلال 3 أسابيع من الزّمان قمنا خلالها بزيارة واشنطن ولوس أنجلوس ودالاس وبوسطن مدينة الريادة والإبداع.
هي تجربة في غاية الجمال ، عشت فيها واحد و عشرون يوماً بدت وكأنّها عام ! لمست خلالها احترام الأصدقاء في الولايات المتحدّة والعالم أجمع لأردنّنا الحبيب قيادة وشعباً.

والذي أعجبني أكثر في هذا البرنامج أننا لم نشاهد الولايات المتحدة على أنّها المكان المثاليّ الخالي من الأخطاء والزّلات ، أو أنه ذلك المكان الذهبيّ الذي لا يوجد فيه مشاكل وتحدّيات . بل على العكس تماماً فقد شاهدنا المشردين في أزقة الشّوارع ، واجتمعنا مع مؤسّسات تعنى بإعادة تأهيل المجرمين و متعاطي المخدرات ليكونوا مواطنين صالحين في المجتمع ، وحدثونا الأمريكيين الذين التقينا معهم عن التمييز العنصريّ بين الأشخاص ذي البشرة البيضاء و السّوداء ؛ فعلى الرغم من أنها أقل من السّابق بكثير إلّا أنها ما زالت موجودة. والجميل في ذلك أنك تجد جميع مكوّنات المجتمع ومؤسّساته المعنيّة حريصون على معالجة مواطن الخلل للوصول إلى مجتمع مثاليّ متكامل وكلّ حسب اختصاصه .

هذا يجعلنا ننتقل الآن للحديث عن دور البلديات في الولايات المتحدة ودور المجالس المنتخبة بتطوير المجتمع و تحفيز الشباب وكيف أن العمدة هو حاكم للمدينة ، فتجده يعمل على توطيد العلاقات والشّراكات ما بين كافّة المؤسّسات ، وتشاهد كيف يهتم بالشّباب من خلال توفير فرص العمل لهم بل وتمويلهم لتنفيذ مشاريعهم التي تعود بالنفع عليهم وعلى المدينة وشبابها ، وكيف أن العمدة في بوسطن التي يبلغ عدد سكانها قرابة 700 ألف يسمح للشباب بالمشاركة في إعداد موازنة المدينة المخصصة لمشاريع الشّباب ليقرر الشباب أنفسهم احتياجاتهم وما يلزمهم ، وكيف أن هناك 85 مجلساً شبابياً تطوعياً موزعين في جميع أحياء هذه المدينة.

يجعلنا ننتقل لنتعرف على أن طلبة الصف الثامن يحضرون ورش عمل ومحاضرات من شأنها تعريفهم بالمسارات المهنية التي من الممكن الالتحاق بها ، بل ويتعدى ذلك ليذهب هؤلاء الطلبة لقضاء يوم مع المهنيين ( أطباء ، مهندسين ، كتاب ، ممثلين ... ) حتى يستطيعوا أن يقرروا أين المكان الأفضل لوجودهم في المستقبل ؟!
ما لمسته خلال الزّيارة أنّهم لا يُعلّمون طلبتهم إجابات واحدة ، بل يضعون أمامهم العديد من الاحتمالات ويجعلون مجال التفكير مفتوحاً للمزيد من الإبداع ، فيشجعون الطالب على التفكير النقدي الذي يساعد على التميز والابتكار .

شاهدنا في هذه الزيارة اللامركزية بأعمق صورها ، ودولة المؤسّسات وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية ، ومجتمع واحد متعدد الأعراق والأديان ، وسمحت لنا الفرصة بالاجتماع مع قادة العديد من المؤسّسات للاستفادة من تجربتهم وخبرتهم .
ليس ذلك وحده الذي أعجبني ، فعلى سبيل المثال خلال تواجدنا في لوس أنجلوس ذهبنا لحضور لعبة كرة سلة وقد كانت المدرجات مليئة بعشرات الآلاف من المشجعين ، وعند نهاية المباراة خرج الجميع ولم أشاهد أي ازدحام مروري ، والأهمّ من ذلك أنني لم أشاهد النفايات إلا بالأماكن المخصّصة لها رغم أن المطاعم موجودة داخل مبنى الملعب ذاته !

ما يدفعني لكتابة ذلك ، أنّه لا ينقصنا شيء لنتطور ، فلدينا العقول الخلّاقة التي يجب أن نستثمرها ، ولدينا البيئة التي يجب أن نطوّرها ، ونمتلك الأدوات التي يجب أن نسخرّها لخدمة هذا الوطن العظيم .
بإمكاننا في كلّ يوم أن نمضي خطوة إلى الأمام ، مستلهمين الثّقة من قيادتنا الهاشمية ، وواضعين نصب أعيننا توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم في أوراقه النقاشية التي تحمل بين طيّاتها أفكاراً نستطيع الوصول بها إلى قارب النّجاة الذي يحقّق العيش الكريم للأردنيين ولكلّ من يسكن أرض المملكة .

نحن نستطيع أن نطوّر تعليمنا ، وأن نحفّز الشّباب على المضيّ قدما بالعديد من المنجزات وفي مختلف القطاعات ، نحن نستطيع أن نعزّز الشّراكة ما بين مؤسّسات المجتمع المدنيّ والمؤسّسات الحكومية والقطاع الخاص . نحن قادرون على مواصلة البناء و الاستثمار بالعقول الشابة التي في وطننا لتكون أكثر إبداعا وأوسع ابتكاراً .
في الوقت ذاته يجب ألّا ننكر المستوى المتقدّم الذّي وصلنا له في وطننا بالعديد من المجالات، ولكنّنا نتطلّع إلى المزيد من التّطور والإبداع ، ومواصلة المسيرة النّهضويّة الشّاملة في كافة القطاعات التّنموية ، وكلٌّ في موقعه وحسب قدرته .
نحن نستطيع أن نواصل العمل رغم كلّ التّحديّات من أجل مستقبل أفضل لنا وللأجيال من بعدنا . نستطيع الوصول إلى ذلك بالإرادة الصّادقة و العمل الدؤوب و الإيمان بمستقبل أفضل نساهم جميعاً في بنائه متمسكين بما قاله جلالة الملك المفدى " ما حدا أحسا من حدا إلا بالإنجاز ".
الشّكر لكلّ من يمنحون الفُرص، ولا يعطلون التّقدم، ويضيئون الأمل، ويحفزون النّجاح.

الكاتب: م . أحمد عوّاد


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 12471
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
21-04-2018 05:14 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم