بقلم :
لقد أدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى التحول من القبيلة والولا لها إلى الفيسبوك، فإذا كانت القبيلة الواحدة تتكون من بطون وأفخاذ متفرقة وعصبيات متعددة, فلا بد من عصبية أقوى تلتحم فيها جميع العصبيات وتنصهر، وتصبح كأنها عصبية واحدة اكبر وإلا وقع الافتراق المُفضي إلى الاختلاف والتنازع، وإذا كان كل حي أو بطن من القبائل عصبة واحدة لنسبهم العام، ففيهم أيضا عصبيات أخر لأنساب خاصة هي أشد التحاماص من النسب العام لهم،وهو أمر ينطبق بصورة رئيسية على منظومة وسائل التواصل الاجتماعي ،فلكل مجموعة تتصل على أي وسيلة تواصل اجتماعي لها توجهات ورؤى واحدة كأنها عصبية قائمة بذاتها، كما أن المستخدم لا يتخلص من عصبيته الأصلية، لذلك يمكن القول إن لوسائل التواصل الاجتماعي (عصبيات افتراضية) وهي سمة الُبنية الاجتماعية الجديدة في المجتمع الكوني الكبير الذي يتكون من الكثير من الافتراضيات العشائرية الرقمية والتي ربما تجعله يتعصب لها اكثر من العصبية للقبيلة الاصلية ، خاصة بعد ان ظهرت ما تسمى الحروب الرقمية والالكترونية بين فئات وافتراضيات رقمية متعصبة بشكل غير مسبوق لهذه الرقميات .
وإذا أخذنا القبيلة وفق مفهومها المُتعارف عليه بأنها كيان اجتماعي اقتصادي سياسي يضم عائلات تجمع بينها القربى وتنتسب إلى أب واحد أو جد واحد، فإن وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك الذي اصبح العشيرة الاكبر في المجال الافتراضي الرقمي وربما تجد هناك من يساند الرقميات الافتراضية في كثير من المجالات ، واصبح هناك تعصبات رقمية من خلال تجمعات رقمية لا يمكن مشاهدتها الا اذا كان هناك متابعة الكترونية من قبل الجهات الرقابية وسترى كم هناك من مشادات رقمية ومشاكل رقمية لن تراها الا في المحاكم ،وقد أسهمت في تشكيل قبائل من نوع جديد تضم كيانات ،وعائلات يربطها العالم الافتراضي ،ومن ثم انتقل الفرد من روابط القبيلة إلى الفيسبوك وجرى تغيير ثنائية (العصبية والقبيلة) إلى ثلاثية وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية: تشكلت من القبيلة إلى الفيسبوك العصبية الافتراضية المشتركة ،وقوة رابطة وسيلة التواصل الاجتماعي ،والشعور بوحدة الهدف والمصالح. وإذا كان المجتمع القبلي يتميز بالبساطة وترسخ التقاليد والعادات فيه فكذلك حال مجتمع وسائل التواصل الاجتماعي الذي يواكب المتغيرات ببساطة ويتسم بتقاليده وروابطه السهلة. وإذا كانت العصبية هي أساس قوة القبيلة وتعمل على تغليب المصلحة القبلية على المصلحة الوطنية أو الصالح العام ، فكذلك هي حال (العصبية الافتراضية) التي تُعد عماد قوة وسائل التواصل الاجتماعي وترسيخها للعلاقات بين الأفراد، وتأثيرها في توجهها فنحن نشهد تطور منظومة اجتماعية جديدة تكون وسائل التواصل الاجتماعي أحد أهم مرتكزاتها ،بل إنها تمضي باتجاه تشكيل (عصبية افتراضية) لها مفرداتها ولغتها وثقافتها.
ومع ظهور مفهوم (الجمهور الفاعل) الذي عكس ظهور مقدرة المُتلقي على أن يكون منتجاً وشريكا أصيلا ضمن عملية اتصالية تفاعلية بدلاً من أن يكون مُتلقيا ً سلبياً للمحتوى أو الرسالة. لقد نجحت وسائل التواصل الاجتماعي في الربط بسرعة هائلة، وبطريقة غير مسبوقة بين أُناس من مختلف أرجاء العالم لتشكل العشائرية الافتراضية والرقمية التي يتحول الولاء اليها حينما تلتقي كافة الاهداف في هذه العشائرية ومن ثم سيصبح الولاء اليها اكثر قيمة من الولاء للعشائرية الحقيقية التي تربط بين افرادها برابطة الدم والقرابة خاصة حينما تجمع بينهم خصائص ثقافية أو دينية أو سياسية أو عاطفية أو مالية واقتصادية. فعندما يستطيع هذا العدد الهائل من وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية: من القبيلة إلى الفيسبوك من البشر التلاقي عبر هذه الوسائل ، تصبح المجتمعات التي كانت مُتخيلة أكثر واقعية. واكثر تقرب وتجمع من التقرب والتجمع للعشائرية الحقيقية التي يلتحم فيها افرادها حينما يكون هناك داع من اجل الوقوف صفاص واحداص في وجه الاعداء وقد تمكنت هذه العوالم الافتراضية من التوسع وإشعارمواطنيها بالحاجة إلى تأكيد مصالحهم المشتركة ما يجعل من الضروري دراسة الأثر المُترتب على ذلك في مختلف المجالات ، ومحاولة استشراف آفاق استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتحليل ما يُنبئ به تطورها المتسارع من أجل بناء تصورات للتعامل مع هذه الظاهرة في المستقبل القريب.

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا