حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,28 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 25907

دولةُ ومعالي الجاهةِ الكريمهْ !!

دولةُ ومعالي الجاهةِ الكريمهْ !!

دولةُ ومعالي الجاهةِ الكريمهْ !!

10-04-2017 09:12 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المهندس عصمت حداد
زمانْ .. كانَ للحياةِ طعمٌ آخرْ ، عندما كان الناسُ على السجيَّةِ .. وتمتلكهم الطِّيبةُ والنخوةُ والمودةُ والبساطهْ ، كانتِ المشاعرُ عفويةً صادقهْ ، ولم تنصرفْ إلى المباهاةِ وتخليدِ حُبِّ الذاتْ ، زمانْ .. لم يكن فِللْ وقصورْ ، ولا حتى سياراتْ فارههْ .. ولا مولاتْ فخمهْ ، ولم يكن هناكَ هواتفٌ ذكيةٌ ولا غبيهْ ، كانَ للحياةِ عطرٌ وأريجٌ خاصْ ، واليوم .. تجرَّدَ الحُبُّ والإحترامُ مِن تفاصيلِهِما .. وذلكَ بصُنعِ أيدينا ومادياتنا ، فأصبحنا نعيبُ زماننا ، وليس لزماننا عيبٌ سوانا ، ونهجو زماننا ولكن.. لو نطق الزمانُ لهجانا .
زمان .. كانَ الوطنْ غِيْرْ ، والناسْ غِيْرْ ، كانت حياةُ الناسِ تملؤُها البراءةُ والطِّيبةُ ، وحبُّهم لبعضهم البعض.. أُلفَةٌ وحنانٌ وأخوَّةٌ وصفاءْ ، طعامهم بسيطْ ولباسُهم بسيطْ ، يفرحون معاً ويحزنون معاً ، وأتذَكَّرُ فيما أتذَكَّرْ .. كيفَ كانتِ الأمهاتُ والجَدَّاتُ يمنعنَ الأطفالَ مِنَ الخُروجِ وهم يأكلونَ ؛ خوفاً على مشاعرِ الجيرانِ والآخرينْ ، وكيفَ كان جميعُ الطُّلابِ يلبسونَ الزِّيَّ المُوحَّدَ في مدارسهمْ ، ومِثلُ ذلكَ يَلبَسْنَ أمهاتُ ومربياتُ المستقبلِ في المعاهدِ والجامعاتْ ، أتذكَّرُ كيفَ كانتْ مظاهِرُ الفَرحِ والعُرْسِ صادقةً نقيةً خاليةً مِن الاستعراضِ .. ومِنَ "الجاهات والوجاهاتْ" ، لم نَكُنْ نحتاجُ إلى دولةِ أو معالي أو سعادةِ فُلانْ .. يتبعهم جيشُ عَرمرمْ مِنَ النخبِ الهُلاميةِ والمتسلقينَ والمطبلينْ ، ولم نكنْ نحتاجُ إلى حَمَلَةِ المباخِرِ المتشدِّقينَ الوصوليينْ ، كانَ يكتمِلُ الفرحُ بالمحبةِ وبقليلٍ من الحلوى .. حلوىً تُوزَّعُ بكؤوسٍ زجاجيةٍ بسيطةٍ وهشة تسمى " مطبقانيات" ، وإذا ما سَمِعَ أهلُ العُرسِ أن هناكَ حالةُ وفاةٍ أو حادثةٍ ما .. سرعانَ ما يتوقفُ الفَرحُ إكراماً لهم ولِمشاعرهِمْ في المنطقةِ والوطنْ .
دولةُ ومعالي الجاهةِ الكريمهْ : قبلَ أسابيعَ ، أوقفَني خبرٌ عن الأميرِ وليام ـ نَجْلُ ولِيِّ العهد البريطاني الأمير تشارلز ، والذي يأتي في المرتبةِ الثانيةِ في خَطِّ الخِلافةِ على عرشِ انكلترا ـ وأنا أتصفحُ إحدى الصُّحفِ اليوميةِ الغربيهْ ، بعد أن أمضى ليلةً كَمشردٍ في يومٍ شديدِ البرودةِ ؛ تضامناً مع المشردينَ الفقراءَ في إحدى شوارعِ لندنْ .. وذلكَ لتسليطِ الضُّوءِ على معاناتِهِم وآلامِهِمْ ، حيثُ نامَ الأميرُ داخلَ كِيسٍ بجِوارِ العديدِ مِنْ حاوياتِ القُمامةِ بالقرب من جِسْرِ "بلاك فريار" الشهيرِ في لندن .. ليلة 15 ديسمبر .. والتي شهدت انخفاض الحرارةِ إلى أربعِ درجاتٍ تحت الصفر ، وبعد قضاءِ ليلةٍ واحدةٍ كَمشرَّدٍ فقيرْ .. قالَ الأميرُ مصرِّحاً للإعلامْ : " بعد ليلةٍ واحدةٍ أمضيتُها في الشارعِ .. لا يمكنني حتى أنْ أتخيلَ صعوبةَ أن ينامُ الشخصُ في شِوارعِ لندنَ في العَراءِ ليلةً أُخرى " ، وأردفَ قائلاً : " بأنَّ المشردينَ والفقراءَ فِعلاً معرضونَ للخطرْ " . وجديرٌ بالذِّكْرِ أنَّ الأميرَ وليام .. يترأَسُ بشكلٍ شرفيٍّ العديدَ مِنَ المنظَّماتِ الخيريةِ ، من بينها منظمة "سنتر بوينت" المعنيَّة بالمشرَّدينَ والفقراءَ .. والتي كانت تُدعم من قِبَلِ والدتهِ الأميرةُ الراحلةُ ديانا أيضا .
وما أريد قوله هنا ـ وأنا أُتابع بفضولٍ أخبارَ الأميرِ وتضامُنَهُ مع المشردينَ والفقراءَ ـ أنني تذكَّرتُ بوجعٍ وألمٍ كُلَّ المحتاجينَ الذينَ قابلتُهُم في الوطنِ .. وخاصةً بين شريحةِ النساءِ والأطفالِ والمعوقينَ الذينَ حفروا بكلماتِهم ودموعِهم وآلامِهم ومعاناتِهم ومأساتِهم على جدار قلبي ، نعم تذكَّرْتُ هؤلاءَ الفقراءِ الذينَ يزدادُ أعدادُهم يوماً بعدَ يومْ ، تذَكَّرتُ أهلَنا البُسطاءَ وهُم يستدينون الخُبزَ أمامَ المخابِزِ لِآخِرِ الشهرْ ، تذكَّرتُ آلافَ الشبابِ المحبطينَ في شَوارعِ وساحاتِ وطني .. ومِن كُلِّ الأَعمارِ الذينَ يحلمونَ بعيشٍ كريمٍ وفرصةِ عملٍ وبيتٍ وزوجهْ ، تذكَّرتُ أرقامَ العنوسةِ المفزعَةِ والمخيفةِ ، وحالات الطلاقِ التي تُداهِمُ الوطنَ وتُنذرُ بأمراضٍ اجتماعيةٍ خطيرهْ ، وأسألُ دولةَ ومعالي الجاهَةِ الكريمةِ وكلَّ مَن يعنيهِ الأمرُ : هل تعلمون أنَّ نسبة العنوسةِ في الأردنِّ وصلتْ في العامِ الماضي إلى 45% ؟!! ، وهل تعلمونَ أنَّ عددَ حالاتِ الطلاقِ وصلت إلى 5600 حالةٍ وبنسبةِ حوالَي 7% حسبَ إحصائياتِ دائرةِ قاضي القضاة ؟ ، وماذا عن الأطفالِ والمتسولينَ الذينَ يُمضونَ نهارَهُم وليلَهُم على الإشاراتِ الضوئية ؟ وماذا عن إخواننا الفقراءِ النازحينَ والمشردينَ وهم يصارعونَ الصقيعَ والبردَ والأمطارَ والثلوجَ في الشِّتاءِ والحَرِّ الخانقِ وعواصِفِ التُّرابِ في الصيفْ ؟ من يسلِّطُ الضُّوءَ على معاناتِهِم ؟ من يتضامنُ ويشعرُ معهم ؟ من يمسحُ دموعَهُمْ .. من يسمعُهُم ؟ إلى متى يبقون هكذا أمامَ عواصِفِ العَوَزِ والمرضِ والإهمالْ ؟!! .
ويبقى السؤالُ الأهمُّ إلى دولةِ ومعالي وسعادةِ وعطوفةِ الجاهةِ الكريمهْ : هل هناكَ أحدٌ يحاولُ أن يستفيدَ من تجربة الأمير وليام ؟ ، وأقصدُ هنا تحديداً المسؤولينَ في حكومتِنا الموقَّرةِ الذين يؤكدون وبإستمرارٍ على حَقِّ الإنسانِ في الحياةِ والعملِ والتعبيرِ والعيشِ الكريمْ ، أقصُدُ أصحابَ القراراتِ الذين تقلَّدُوا المناصِبَ ، والذين دفعَ عليهِمِ الوطنُ الملايينَ وهُم يجوبونَ الدولَ والعواصِمَ لِحُضُورِ المؤتمراتِ وَ وِرَشَ العملْ ، هؤلاء الذينَ أصبحَ شغلهُمُ الشاغلَ التباهِي وحُضُورِ الجاهاتِ وإلتقاطِ الصورِ ونشرِها على مواقع التواصلِ الإجتماعيّْ ، هؤلاءِ الذينَ لا يشعرونَ بتحدياتِ وهمومِ الوطنِ .. ولا بأوجاعِ ومشاعرِ أبناءهِ عندما يمارسونَ هذهِ الظاهرةِ المقززةِ .. ويكتبونَ على صَفَحَاتِهم : " كنتُ في جاهةِ فُلان .. وبرفقةِ دولةِ فُلانْ ، وطَلَبَ دولتَهُ يدَ العروسِ .. وردَّ عليهِ دولةُ فُلانْ ، فصفَّقَ الحُضُورْ " ، وكأنَّهُمْ إكتشفوا الزرنيخَ أو وضعوا نظريةً اقتصاديةً تحُلُّ أزمةَ الوطنْ !! .
أيها السادهْ : أقولُ لكُم مخلِصاً : أوْقِفُوا هذه المهزلة ، وحاولوا ولو لِمرةٍ واحدةٍ فقطْ .. أن تعيشوا همومَ أبناءِ الوطنِ ، وأن تجرِّبوا معاناتِهم وتتضامنوا معَ فقراءِ وطنِكُم ؛ لتعرفوا الفرقَ بينَ الدِّفءِ والوَجَباتِ الدَّسْمَةِ والفِراشِ النَّاعِمِ والغُرفِ المكيَّفَةِ .. وبينَ العَيشِ في الشوارعِ الدَّاكِنةِ والأكلِ مِن حاوياتِ القُمامةِ وشُرْبِ الماءِ الآسِنْ ، حاولوا ولو لمرةٍ واحدةٍ أن تَرُوا وتسمعوا الحقيقةَ كما هي ، إسمعوا صرخاتِ وأنينِ ونحيبِ المحتاجينَ التي تَشُقُّ عنانَ السماءْ ، غادروا مكاتِبكُمُ الفخمةَ .. واتركوا خَدمَكُم وحَشَمَكُمْ ، والتحقوا بالفقراءِ والمعوزينْ ، اسألوا أنفسَكُمْ .. لماذا يَقضونَ هؤلاءِ أجملَ أيامَ عمرِهِمْ في الشوارعِ بِلا أملٍ ولا عملْ ، إسألوهُم واسمعوا معاناتِهِم ، ولا تتركوهُم في العَراءِ وهم يصارعونَ الحياةَ ويعانونَ مِنَ البردِ وارتفاعِ الأسعارِ والجوعِ والضياعْ ، إقبلوا التَّحدِّي .. وضَحُّوا بليلةٍ من لياليكمْ للقضاءِ بجانبِ الفقراءِ والمحتاجينَ في شوارعِ الوطنِ لمعرفةِ حَجْمِ معاناتِهمْ ، وتفهَّمْ ظروفهُمُ الصعبةَ التي لا توصَفُ حقاً .
" رحم اللهُ وصفي وهزاعَ .. وكُلَّ شرفاءِ الوطنِ ، فما أحْوجَنا إليهِم اليومْ " .


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 25907
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم