حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,29 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 7607

جوقة نفاق

جوقة نفاق

جوقة نفاق

09-07-2010 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

وقف أبو شرف أمام المرآة يملس شعره الأجعد المتبقي فوق أذنيه وأعلى رقبته، الذي انحسر عن مساحة كبيره من رأسه ، يضع الكثير من ماء الكولونيا فوق أوداجه المنتفخة وعلى رقبته، وهو يدندن لحن أغنية قديمه لام كلثوم ،يتذكر بعض الكلمات وينسى البعض الآخر مستمرا بدندنة ألحن المشهور الذي حفظه بالتقادم والتكرار عن ظهر قلب .
 
دخلت ام شرف بهدوء تراقب زوجها الذي اعتاد، أن تزفه حتى باب البيت وهو يستعرض نفسه أمامها بمشيته ،بعطره وهندامه المستورد المختوم بالماركات العالمية . سألته مستفسرة:"الى أين يا أبو شرف..يظهر أن مهمتكم اليوم على مستوى كبير ..من هو سعيد الحظ – هذا- الذي سيتشرف بزيارتكم؟" أبو شرف: "مسؤول ..مسؤول كبير ..أتوقع أن يستلم وزاره بالتعديل القادم..لا بد أن أبادر الى زيارته حتى لا يعتقد أني أنافق له بعد أن يستلم مهام وزارته..يعني ..تمهيد.. ..لن اخسر شيئا..لا بل من الممكن أن اكسب غداء على مستوى عالي.. ادعٍ لي..المهمة صعبه قليلاَ!" ام شرف:" لا يا عزيزي ..إنها ليست بصعبة عليك ..خذ معك جوقتك المفضلة وأنا متأكدة أنه لن يترككم ابدآ ..انتم خير جليس لأي مسؤول يحب ال ن.. ف.. ا...اقصد المنادمة ..الله يقطع لساني ..كدت أن أغلط فيكم!!" نظر إليها أبو شرف نظرة عدم ارتياح قائلا:"أنت تعيشين في عالم آخر..تسيطر عليه مبادئ وأفكار والدك المعلم السابق، التي لا تزال راسخة فيك..أيامكم عفا عليها الزمان..الحياة تغيرت يا "مدام" ..انظري الى كل هذا العز الذي تعيشين فيه ...من أين جاء برأيك؟.. هكذا مسؤولين يحتاجون الى هكذا نفخ ...أو سميه كما تشائين !..أنهم يحتاجون إلينا كحاجتهم الى المستشارين والعلماء وأصحاب العقول في السياسة والاقتصاد ..نملأهم بالغرور.. ونطربهم بالمدح والإطراء،ونرفه عنهم من مشاكل الناس وطلباتهم ،ونرفع من قيمتهم في الأوقات التي يتقاعسون فيها عن تأدية واجباتهم،وندعم مسيرتهم الفاشلة في العمل والخدمة ..ونصفق لهم عندما تشتد المعارضة حولهم،ونجعل منهم أبطال يدخلون سجل الوطن التاريخي !! صمتت ام شرف وقد غلبها حديثه ، وشعرت أن هناك مسافات تمتد بينهما اتسعت وهوت الى أعماق سحيقة، من اختلاف المبادئ وطرق التعامل وكسب الرزق ..واكتفت في لجة التغيير وصراع المناصب وتبدلها، على رعاية بيتها وتربية أولادها،وكتمان غيظها ،عندما تتسع مدارات علاقاته لتصل الى من يستطيع الاستفادة منهم بكل الوسائل والمهارات التي اكتسبها على مدار سنوات حياته المهنية ،التي جعلته دائماً في صدارة المجالس يتقدم العزائم، ينال الهدايا والهبات، ويقدم بالمقابل مخزونة ألقيمي من خدمات، دون أي اعتبار أو حد، لصون كرامته ..
 
فكم هي المرات التي شهدت فيها أوقات محرجة كان فيها فوق محك تقليل الشأن!! وسمعت ما يقوله الآخرون عنه ، ونعته بنعوت الرياء والنفاق ..لكن عزمه وإصراره ، أذاب ماء وجهه، في سبيل الوصول والبقاء قريبا من كل ما هو كبير ومسؤول، والصمود أمام اكبر إهانه،مبرراًً لها ، انه يفعل ما سيفعله الآخرون ، وان الشتائم مهما كانت لن تلتصق به،والمواقف نتائجها مضمونة لصالحه، طالما أن اذرع الشياطين تنشط في تلك الأجواء المحمومة بالغيرة والصراع،وعندما يستبعد في حالة الإطاحة بوزير أو صاحب قرار كان المقرباً له ومحسوب من حاشيته ، لا يلبث أن يجد لنفسه مكانا مناسباً في سلسلة توارث عائلي لمراكز القوى ! قال لها يوما يشرح فلسفته ليقطع عليها انتقاداتها وخوفها من عاقبة الأمور:"إنها لعبة متعددة الجوانب في أجواء الصراع على المكاسب والامتيازات الحكومية، أتجاوز فيها أي مبدأ أو خلق إنساني محترم ،كل يوم ازداد قوة ، رغباتي حاضرة، مكانتي محفوظة في الصدارة ، أمتع أصحاب العطوفة، المعالي والسعادة، بكلمات الثناء والتفخيم ، الذي لا ينقطع طالما هناك مواطن يطالب بحقوقه ومسؤول لا يعمل على تلبيتها ،منشغلاَ ،يبحث عن السلطة والمال، ولا يحظى برضا الناس ..أنا - يا سيدتي - أمارس معهم علم نفس وفن إدارة الصراع والاسترضاء، واعلمي أن الحال إذا بقي على ما هو، ستحتاج البلد الى الكثير من المصفقين ،المطبلين والعازفين على كافة الأوتار،كتاب ،صحفيين ،مرتزقة ،سماسرة ووكلاء أمن وحماية ، لإشباع هذا الكم الهائل من الغرور والشعور بالسلطة والأهمية !
 
فكرت ام شرف كثيرا بكلام زوجها الذي كانت تجده قوياً مزدهراً يوم بعد يوم،لا شيء يكسره، في أعماقها كانت تعلم أن ما يقوم به غير صحيح لكن الواقع يثبت لها العكس دائماً ..انه رجل المرحلة بكل معنى الكلمة!!،محاط بالأصدقاء دائما ،مشغول معظم الوقت ،يحمل فوق حزامه أربعة هواتف متنقلة ، أموره ميسره ،مجرد هاتف بسيط يتخطى صفوف الانتظار ،وتصرف له أفضل الأدوية وتوقع له أصعب المعاملات ،وإذا ارتفع ضغطه قليلا تداعى عليه الكثير من معارفه وخلانه ،يمطرونه بالهدايا والعطايا،علهم يصلون بواسطته الى من يتمسح بهم ،وأحيانا خشية من شكواه عليهم في حالة غضبه أو عدم رضاه لسبب ما!! وإذا احتاجه احد، قصرت ! وضاعت حيلته ،وضاقت عليه السبل.. متعذرا بالسفر وكثرة الانشغال!! فلا يهون عليه.. أبدا.. أن يرى أحدا قد نال مكسب من مسؤول أو خدمه دون نفسه!! . أما شرف الصغير ،فلقد كان له أداة للنفاق والنصب الاجتماعي ، يصطحبه في الأعياد والمناسبات، ويدربه على استلام ولاية عهدة،يدفعه بصوته الجهوري الضحَاك:"مد يدك يا بني ..سلم على أعمامك !!" ...فلا يترك احد من الحضور .. يسلم بيده ويتبادل معهم الأحضان والقبلات ، حاصداًً ما في جيوبهم من نقود ، تعتمد قيمتها على كرمهم وحبهم للظهور، ليخرج الولد وقد امتلأت جيوبه بالدنانير ويداه محملتان بالهدايا!!..حتى أتقن أساليب وفنون والده صغيراً ،وتفوق عليه شاباً!! أثناء انشغالهما بالحديث رن جرس البيت، توجه أبو شرف ليفتح الباب، مرحباً بصديقيه:" أهلا وسهلا..تفضل أبو صادق ..تفضل أبو نزيه ..!!".. ثم ادخلهما الى صالة الجلوس، لحين اقتراب موعدهم المبرم مع الوزير الموعود ،في هذا الأثناء سمع أبو شرف ابنه شرف قادما يناديه ! نظر إليه مستفسراًً،وقبل ان يتفوه بكلمة.. انهال الشاب عليه واخذ يقبل يديه ورأسه..وهو يكيل له عبارات المدح والتفخيم :"والدي العزيز ..سيدي..بركة هذا البيت العامر بوجودكم وحضوركم..اسمح. لي..!!." قاطعه والده زاجراًً إياه أمام ضيوفه:"خفف يا ولد من هرجك وهات من الآخر..كم تريد ؟" اشرف بكل انكسار ومسكنه :"من خيركم ..مئة دينار فقط لا غير!!"... غص أبو شرف في ريقه واخذ يسعل بشده ،حينها انتفض صديقاه يحاولان التخفيف عنه وهما يربتان على ظهره ويصرخان :صحة.. صحة .. يا أبو شرف..أعدائك وحسادك عنك ..عين وأصابتك!!! استعاد أبو شرف صوته الذي ضاع بالسعال ،واضعاً يده داخل معطفه مخرجاًً محفظته، ليؤكد عدم انزعاجه من طلب ابنه الذي اختار الوقت المناسب والحرج، ليطلب والده هذا المبلغ !! .ناول أبو شرف ولده ورقتي نقد من فئة الخمسين دينار قائلا: خذ..يكفيك هذا المبلغ؟؟!! اخذ شرف ورقتي النقد قائلا:"منك يا والدي العزيز كل شيء فيه بركة"..وبسرعة هم الى يده يريد تقبيلها ..لكن والده أسرع وسحب يده من قبضة قائلا :"لم يأت أوانك بعد..لا زلت صغيرا يا ولد !!" رد شرف، عين على والده وأخرى تصطنع الخجل:" تربيتك وعضدك الأيمن يا والدي العزيز!!" نظر أبو صادق الى أبو نزيه وقد أدهشهما،سلوك شرف الشاب وما وصل إليه من حرفيه وإقناع ،وقد استوعبا أهدافه وغاياته ! قال أبو صادق وهو يحاول إخفاء ضحكة مكتومة :"ما شاء الله نعم التربية!!" قال أبو نزيه :"سبحان الله ..من شابه أباه ما ظلم ...الولد مستقبله واعد !!" قال أبو صادق مقترحاًً:"ما رأيكم أن يرافقنا شرف ؟..اعتقد أننا نحتاج الى دماء جديدة ترافقنا في جولاتنا!!" نظر أبو شرف الى الرجلين بعينين باردتين وكأنه لم يسمعهما..وبكل هدوء توجه الى باب البيت ليفتحه قائلا :تفضلوا .. هيا يا شرف ..لا نريد أن نتأخر..أمامنا مهمة جديدة لك!!! خلف ستائر غرفة نومها وقفت ام شرف تراقبهم وهم يستقلون مركبة أبو نزيه الذي جلس بجانبه أبو صادق في المقعد الأمامي،وإثناء سير المركبة مبتعدةً، شاهدت ابنها شرف من خلف الزجاج.. جالساً متصدراً المقعد الخلفي بجانب والده !! ..معلنةً الساعة، ولادة فرخ جديد!!


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 7607
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
09-07-2010 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم