بقلم :
الحمد لله والصلاة على رسول صلى الله عليه وسلم ايها الاخوة والاخوات ان هذا الموضوع هو تكملة لموضوعي الذي كتبت به عن الاخوة.
اخواني ليست الأخوَّة من النوافل في الإسلام, بل هي لُبُّ الإسلام وروحه.. وقد جعلها الرسول- صلى الله عليه وسلم- الدعامة الأساسية في البناء بعد الإيمان بالله من أول يوم, وهذا هو الأمر الطبيعي في رسالة ربانية تقيم مجتمعًا يقوم على عقيدة تجمع بين أبنائه وتؤلف بينهم, وهي منَّةٌ من الله وحده, لا تُباع في سوق, ولا تُشترى من حانوت, وهي أغلى من الدنيا وما عليها, قال الله تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) والإخاء الكامل الذي لا يرضى الإسلام بغيره هو الذي تُمحى فيه كلمة "أنا"، ويعيش الفرد فيه بروح الجماعة ومصلحتها وآمالها, فلا يرى لنفسه وجودًا بغيرها ولا امتدادًا إلا فيها، ومعنى الأخوَّة أن تذهب العصبيات، وأن تسقط الفوارق, فلا يتأخر أحد أو يتقدم إلا بمروءته وتقواه, فليس هناك عبيد وأحرار, أو سادة وعوام، ولا نبلاء ودهماء, بل الكل في ذات الله سواء, يجمعهم الإيمان من أب واحد وأم واحدة.. وهنا تكون الألفة والمودة.
وقد جعل الإسلام الأخوَّة عقدًا نافذًا, وعملاً يرتبط بحقوق وواجبات.. روى البخاري: أنهم لما قدموا المدينة آخى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع, فقال سعد لعبد الرحمن: إني لأكثر الأنصار مالاً فأقسم مالي نصفين, ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك, فسمها لي أطلِّقها, فإذا انقضت عدتها فتزوجها, قال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك.. أين سوقكم?! إن الله جل وعلا قد أرشد العبادَ إلى أمور هي سببٌ في تأليف القلوب وجمع الكلمة ووحدة الصف بين أمة الإسلام. هذه الأمور إذا طبَّقها المسلمون فيما بينهم تآلفت قلوبهم، واجتمعت كلمتهم، وأحبَّ بعضهم بعضاً، وساد بهم روحُ المحبة والمودة، وتحقَّق فيهم قولُ الله جل جلاله: وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يقول الله لنبيه محمدٍ : هُوَ ٱلَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلأرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)إن قلوبَ العباد بين يدي الله، بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء، فهو القادر على جمع القلوب، وهو القادر على تفريقها، إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاء فأخبر الله نبيَّه أنه لو أنفق ما في الأرض جميعاً ليجمع بين قلبين ما قدر على ذلك، ولكن الله القادر عليه، لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلأرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ. وقوله ): إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )وقول النبي : ((مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر))
الأخوة فى الإسلام هى الآصرة العقيديه التى تشد المسلمين بعضهم لبعض , والرباط الربانى الذى يربط بين قلوبهم , ووشيجة القربى فى الله . وهى من اوثق عرى الايمان كما يقرر نبى الاسلام عليه الصلاة والسلام حيث يقول ( اوثق عرى الإيمان : الحب فى الله والبغض فى الله ) والأخوة إحدى المقومات التى يعتمد عليها الإسلام فى تمكين بنية المجتمع الاسلامى واحكام الربط بين ابنائه . أنها تكاليف واعباء وليست كلامآ ونظريات ؟ الاخوة تعين على طاعة اللله , مصداقآ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (من أراد الله به خيرآ رزقه الله خليلآ صالحآ , ان نسى ذكره , وان ذكر اعانه ) والى ذلك يشير عمر بن الخطاب رضى الله عنه بقوله ( عليك باخوان الصدق , فعش فى اكنافهم , فانهم زينة فى الرخاء , وعدة فى البلاء ) الاخوة تكافل نفسى , واحساس بحاجات الأخ والسعى لقضائها , مصداقآ لقوله صلى الله عليه وسلم ( لأن يمشى أحدكم مع أخيه فى قضاء حاجته - وأشار باصبعه - أفضل من ان يعتكف فى مسجدى هذا شهرين )
. الاخوة تكافل مادى , لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من نفس عن مؤمن كربه من كرب الدنيا نفس الله عنه كربه من كرب يوم القيامة , ومن يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة , ومن ستر مسلمآ ستره الله فى الدنيا والآخرة , والله فى عون العبد ماكان العبد فى عون اخيه ) وفي الحديث ((حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ: إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبْه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمّته، وإن مرض فعده، وإن مات فاتبعه)) : ((إذا لقيته فسلِّم عليه))، فإن إفشاءَ السلام بين المسلمين سببٌ للمحبة، ولذا يقول : ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)) فإذا لقيتَ أخاك المسلم فبدأته بالسلام فإن هذا السلام يزيل الوحشةَ بين النفوس، ويجلب المودةَ والمحبة، ويسبِّب ارتياحَ أخيك إليك، وميولَه إليك، فإذا سلّمت عليه كنت ممن سعى في جلب المحبة والمودة. الأخوَّة النابعة من تقوى الله, وأساسها الاعتصام بحبل الله- بعهده ومنهجه ودينه- وهذه الأخوَّة بهذا المعنى منَّة من الله على عباده, ونعمة كبرى، وهي سبب النجاة من عذاب الله.
عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "أيها الناس: اسمعوا واعقلوا، واعلموا أن لله عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهداء, يغبطهم النبيون والشهداء على منازلهم وقربهم من الله".. فجثا رجل من الأعراب على ركبتيه وألوى بيده إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله, ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله?! انعتهم لنا (صفهم لنا), فَسُرَّ وجه النبي- صلى الله عليه وسلم- بسؤال الأعرابي, وقال: "هم ناس من أفناء الناس، ونزاع القبائل، لم تصل بينهم أرحام متقاربة.. تحابوا في الله وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، فيجلسون عليها، فجعل وجوههم نورًا، وثيابهم نورًا, يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون.. هم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
إن الأخوَّة الصادقة لترقى حتى تُعد أكرم وأفضل الأعمال وأولاها بالقبول.. يقول- صلوات الله وسلامه عليه-: "أفضل الأعمال الحب في الله"، وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم-: "أن رجلاً زار أخًا له في قرية أخرى, فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكًا, فلما أتى عليه قال: أين تريد?! قال: أريد أخا لي في هذه القرية, قال: هل لك عليه من نعمة تربُّها عليه, قال: لا, غير أني أحببته في الله تعالى.. قال الملك: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبَّك كما أحببته فيه". هكذا قام المجتمع الجديد في المدينة على الأخوَّة بين المؤمنين، وجعل منها وشيجةً قامت مقام الدم والنسب, والحلف, والجوار, وتحقق التكافل الحقيقي بدافع الإيمان لا بقسر الأوامر والقوانين، ولقد أثنى المولى- تبارك وتعالى- على المستوى الكريم الذي وصل إليه الرعيل الأول من حملة لواء الإسلام.. فقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ واخر دعوانا ان الحمد لله رب العلمين Akram_alkhateeb2000@yahoo.com