حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,28 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 54943

العلي: حسين كامل أخبرني أن صدام خطّط لاجتياح الكويت مجددا في العام 1992

العلي: حسين كامل أخبرني أن صدام خطّط لاجتياح الكويت مجددا في العام 1992

العلي: حسين كامل أخبرني أن صدام خطّط لاجتياح الكويت مجددا في العام  1992

22-11-2009 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا -

 
سرايا - تاليا نص الجزء الثاني من كتاب صدام كان هنا :
 
 
لقد بدأ عهد صدام، كما يقول شربل، بوليمة حزبية دامية. وسينتهي العهد في 9 نيسان(أبريل) 2003 وسينتهي الرجل لاحقاً على حبل المشنقة، حيث خسر نظامه وولديه عديّ وقصيّ وحفيده وتبددت عائلته ثم خسر كل شيء. في الليل ينفث صدام حسين دخان سيجاره ويبتسم. يتحسس مسدسه، رفيقه القديم وصديقه الأخير. هكذا يحب العالم. هكذا يشتهيه؛ مشغولاً به ومنقسماً حوله. صورته تحتل الشاشات. ومصيره يربك مجلس الأمن ويثير الاضطراب في الحلف الأطلسي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. الكبار وحدهم يثيرون هذا الدوي. الكبار وحدهم يطلقون الزلازل. وها هو العالم ينشطر فسطاطين. يحدق من النافذة بابتسامة ساخرة. ليس عيدي أمين ليقنع بالتقاعد مع وجبة دسمة. ليس ليوبولد سنغور ليتفرغ لتدبيج القصائد، ليس شارل ديغول ليتذرع بكتابة التاريخ بعد التوقف عن صناعته. لم يأت من صندوق اقتراع ليذهب بحفنة من الأصوات أو ليرتعد أمام استطلاعات الرأي. هذه الألعاب للعاديين فقط. ينظر إلى الشاشة ببرود قاتل. ما يزال عبدالله بن زايد شاباً. لم يجرب السلطة المطلقة. لو فعل لأبقى "المبادرة" في الأدراج.
 
لا مكان في تاريخ بغداد لحكام يجمعون أوراقهم ويغادرون. جاء من دوي ذلك التاريخ. من الهدير العميق في الروح العراقية. لا السلامة تغريه ولا الملاذ الآمن. تحسس مسدسه مجدداً. انتدبه التاريخ لمهمة كبرى. لا يستطيع الاستقالة. قدره شديد الوضوح: القصر أو القبر. يتذكر قريته الصغيرة. تآمر الصبيان على الصبي اليتيم في العوجة. قرية الظلام الدامس والرجال القساة. زوج أمه إبراهيم الحسن لم يرحمه. تعلم الدرس. لا مكان في هذا العالم الموحش لغير الأقوياء. يخافون منك أو يعتدون عليك. هكذا الأفراد وهكذا الدول. قانون القوة. كبر الصبي وأخذ المسدس مكان السكين في وسطه. هجم عليه شريط الذكريات. وشى الحاج سعدون التكريتي بخاله خيرالله طلفاح. استجار خيرالله بابن شقيقته. لن يتأخر. تحول الحاج سعدون جثة ولا دليل لدى المحكمة على المرتكب. أمطر سيارة الزعيم عبدالكريم قاسم بالرصاص وأصيب في ساقه.
 
هرب إلى دمشق والقاهرة وحين تولى البعث السلطة في 1963 عاد إلى بغداد التي ستغرق في دم الشيوعيين. غدر عبدالسلام عارف بالحزب وسيتخفى صدام في بغداد. في 1964 كلفته القيادة نقل تعليمات إلى رجل لا يعرفه اسمه صلاح عمر العلي من تكريت نفسها. أوقف سيارة الفولكسفاغن أمام المقهى واصطحب العلي وأبلغه التعليمات. قال إن اسمه محمد لكن العلي استوقفته لهجة تكريت. فاعترف: أنا صدام. وفي 17 تموز/يوليو 1968 سيكون الرجلان جنباً إلى جنب وبالملابس العسكرية في ليلة القبض على القصر والسلطة. يتذكر جيداً. في 30 تموز وتنفيذاً لخطة القيادة القطرية اقتحم رجلان، صدام حسين وصلاح عمر العلي، بالرشاشات مكتب البكر، هددا رئيس الوزراء عبدالرزاق النايف واقتاده صدام إلى الطائرة. لا تغيب عن باله تلك الليلة في مجلس قيادة الثورة. تواطأ مع أحمد حسن البكر رئيس مجلس قيادة الثورة لانتزاع موقع الرجل الثاني.
 
 انتصرت العشيرة على الحزب وبدأت الكارثة، كما يقول صلاح عمر العلي، الذي كان رفيقه في مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية للحزب. مسكين البكر. مسكين "الأب القائد". صدّق أنه الرجل الأول. نجله محمد هدد صدام بالقتل في القصر الجمهوري. حظه سيئ. مات في "حادث" سيارة. في 1979 "اقترح" الأب القائد أن يخلي المكان للرفيق صدام. بعض أعضاء القيادة القطرية تمسكوا به. نظر صدام فرأى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها. وستكون "وليمة" الرفاق كبيرة. في 1979 ذهب الرئيس الطازج إلى قمة عدم الانحياز في هافانا. وفي حديقة مقر إقامته راح صلاح يشجعه على تحسين العلاقات مع إيران، فأجابه: "اسمع يا صلاح. لا تكرر هذا الكلام على لسانك. سأكسر رأس الإيرانيين وأستعيد كل شبر". بعد عام ستندلع الحرب. مر بباله ميشيل عفلق. كلفت القيادة القطرية بعد 1968 صلاح عمر العلي بالتوجه إلى البرازيل لإقناع المؤسس بالعودة.
 
عاد عفلق وأقام. كان مكتبه كبيراً وكانت صلاحياته قليلة. كنت أبحث عمن يعرف قصة 17 تموز وما سبقها وما تلاها، وقادني البحث إلى صلاح عمر العلي ابن تكريت المولود في العام 1937 والذي كان عضواً في مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية للبعث ووزيراً قبل أن يبعد إلى السفارات وآخرها ممثل العراق لدى الأمم المتحدة. في العام 1982 كتب استقالته وقطع علاقته بالنظام. معارض لنظام صدام حسين ومعارض للخيار الأميركي لبعض المعارضين. في الفترة الأخيرة من إقامته في عمان اتصل حسين كامل بالعلي الذي زاره وأمضى معه عشرة أيام كاملة قبل عودته إلى العراق في 20 شباط (فبراير) 1996 ومقتله. وافق العلي على التحدث ورأيت البدء باعترافات حسين كامل في عمان. التقيت حسين كامل في عمّان؟ نعم التقيته بعد فترة طويلة من مغادرته العراق. الحقيقة أنه ألحّ مراراً أن نلتقي. في النهاية توجهت إلى عمّان وعقدت معه جلسات عدة، وهناك شهود أحياء على ما دار فيها. بعد استقالتي في 1982، وكنت في منصب المندوب الدائم للعراق لدى الأمم المتحدة، أخّر صدام إعلان الاستقالة، وأوفد إلي حسين كامل الذي زارني في نيويورك.
 
 يومها قال لي إن الرئيس يريدك أن تطوي الاستقالة بأي ثمن وهو على استعداد لإعطائك موقعاً رسمياً والتجاوب مع ما تطلبه. وأضاف أن العراق في حرب مع إيران ونخشى أن يستغل الإيرانيون استقالتك ضد النظام والبلد، فأنت عضو سابق في مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية للحزب ووزير سابق. دعنا نعالج هذه المسألة والرئيس مستعد لأي حل يرضيك. الواقع أن قراري كان نهائياً ولم أكن أثق بوعود صدام الذي كان يقود البلاد إلى كارثة. قال لي حسين كامل في عمّان ما برّر مخاوفي السابقة. ذكر أن صدّام عنفهم أكثر من مرة قائلاً: فشلتم في إقناع صلاح عمر العلي في العودة. لا أطلب منكم سوى إقناعه بالعودة إلى متر واحد من الأراضي العراقية ثم اتركوا المسألة لي. وتكرر هذا الحديث أكثر من مرة. والمسألة واضحة كان يريدني أن أعود إلى متر واحد خاضع لنفوذ أجهزته ليتمكن من تصفيتي. ماذا قال لك حسين كامل عن أسباب مغادرته؟ روى ملابسات خروجه من العراق. قال إنه يعتبر نفسه بمثابة أعمى في المرحلة السابقة على المرحلة التي بدأ يكتشف فيها حجم الضرر الذي ألحقه النظام بالعراق وشعبه. وأضاف أنه اكتشف الحقيقة متأخراً ومفادها أن الحكم ظالم ومجرم بحق الشعب والأمة. وقال: بدأت أنا حسين كامل أشعر بعذاب الضمير وبإثم كبير، لأنني كنت أداة من أدوات هذه السلطة. قال إنه شاهد وعايش ورأى حجم الخسائر البشرية والمالية. وإن عذاب الضمير دفعه إلى التفكير بالأرامل والأيتام والظلم الذي لحق بكثيرين ووجد نفسه يفكر في مستقبل العراق وأطفاله إذا ما استمر النهج الحالي طويلاً. أنا هنا أورد ما قال ولا أريد أن أؤكد صحة المشاعر أو نفيها. حسين كامل شخص من العائلة. قرّبه صدام وأعطاه كل شيء. جندي عادي في المرافقة دفعه إلى أعلى الرتب ومنحه رتبة فريق. عيّنه وزيراً للدفاع ووزيراً للتصنيع العسكري أي في الهيئة التي أنفقت البلايين من أجل بناء الترسانة العسكرية. ثم إنه صهر الرئيس وكان الأقرب إليه على مدى سنوات كان فيها أقرب إلى صدام من عدنان خير الله وزير الدفاع وشقيق زوجة الرئيس ورفيقه في بيت خاله خير الله طلفاح. ولعل حسين كامل مجرد نموذج لهؤلاء الشبان الذين جاء بهم صدام من قريته. شبان يفتقرون إلى الكفاءة العلمية وجدوا أنفسهم فجأة في مواقع حساسة وسط بهرجة المواكب والحراسات وفي تصرفهم موازنات هائلة وقدرة على التأثير في مصير الأرزاق والأعناق في مقابل ولائهم الكامل للرئيس القائد. حسين كامل شاب بسيط. لا يعوزه الذكاء الفطري لكن تنقصه المعارف العلمية والخبرة التي لا يمكن اكتسابها إلاّ بالتدريج. شجاع إلى حد الإفراط والتهوّر. الغلبة في شخصيته للبدوي. لنعد إلى ما قاله عن نفسه؟ قال إن معاينته للتدهور الحاصل ولّدت لديه قدراً كبيراً من التوتر الدائم. الرئيس لا يقبل أي ملاحظة أو مراجعة ولا يتسامح حيال أي اعتراض. الاستمرار في الصمت يعني ترك البلاد تنزلق إلى الهاوية. وأضاف: صار التوتر هو السمة الغالبة لسلوكي في تعاملي مع الآخرين بمن فيهم عدد من المسؤولين. لم أعد قادراً على الاحتمال. وهنا وقع الصدام مع عدي نجل الرئيس. ما سبب الصدام؟ لم يذكر التفاصيل بدقة وأغلب الظن أنها تراكمات. قال إن الصدام كان عاصفاً وإنه بسبب وعيه لما يجري دفعه إلى النهاية. واختار مغادرة العراق، بحثاً عن فرص جدية للعمل ضد هذا النظام. واضاف: أنا الآن أريد أن أُجنّد نفسي وإمكاناتي وتجربتي وعلاقاتي وكل ما عندي من أجل إنقاذ العراق والأمة من هذا الحكم كي أُبرّئ نفسي أمام ضميري وأمام التاريخ أيضاً. أعطاني الحكم كل شيء، الموقع والإمكانات والنفوذ، لكن ضميري منعني من الاستمرار على رغم المكاسب التي كانت في تصرفي. بدا حسين كامل متحمساً في ما يقول. لكن شخصية صاحب هذا الموقف كانت مشكلة. شخص بسيط أقرب إلى الأمية. ذكي وشجاع لا يعرف معنى الخوف لكن أفقه السياسي محدود. طبعاً كانت هناك مشكلة في صورته لدى الآخرين. رجل من الحلقة الصغيرة حول الرجل الممسك بالقرار. تربطه بالرئيس صلات القربى والمصاهرة. رجل دفعه النظام إلى أرفع المواقع وأكثرها حساسية ووضع تحت يده أكثر الملفات خطورة، ثم بين ليلة وضحاها يغادر البلاد ويقدّم نفسه في صورة المعارض. لم تكن لديه سعة الأفق.
 
 لم يطّلع على التجارب ويدرسها. صعد في الماكينة بدفعات مفاجئة وكبيرة. ما هو مأخذه الحقيقي على صدام؟ هنا لا بد من ملاحظة. عقدنا جلسات كثيرة وتناولنا الطعام معاً مرات عدة. الحقيقة أنه لم يهاجم صدام شخصياً بأي كلمة وكان لا يورد اسمه إلا مسبوقاً بالسيد الرئيس وباحترام. كان يتحدث عن النظام ككل ويتهمه بارتكاب جرائم كبيرة ضد الناس. نفذوا إعدامات وظلموا الناس واستباحوا كل شيء. وكان يردد: للأسف تأخرت في اكتشاف ما فعله النظام بالناس. كان مصراً في تلك الفترة على بدء العمل من أجل إسقاط النظام لكنه سرعان ما اصطدم مع النظام الأردني. وبسبب قلّة خبرته راح يتحدث عن نظام البلد الذي يقيم فيه بلغة قاسية تفتقر إلى الحد الأدنى من الواقعية والدبلوماسية. اكثر من مرة شعرتُ أنه لا يدرك عملياً أنه صار خارج العراق وأنه يقيم على أرض أخرى وفي ظل نظام آخر. كان يغضب وكأنه ما يزال في بغداد وصاحب نفوذ وليس كلاجئ لا بد من أن يدفع ثمن وضعه الجديد. تعامل أحياناً مع مسؤولين أردنيين وكأنه ما يزال مسؤولاً كبيراً في العراق وأرفع منهم شأناً. سرعان ما اصطدم بالأردنيين وبدأت السلطات التضييق عليه. عندما شعر بضرورة الخروج من الأردن أجرى اتصالات بالسلطات السورية والسعودية. لم يواجه برفض قاطع ومبدئي لاستقباله، لكن لم يكن أي من البلدين مستعجلاً لاستضافته وبالسرعة التي يتمناها.
 
 طبعاً الموضوع كان حساساً ومن حق الدول أن تنتظر اتضاح الصورة، إضافة إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بحسين كامل بل أيضاً باثنتين من بنات صدام حسين، وهو عنصر ربما أُخذ في الحسبان. الواقع أن شخصية حسين كامل كانت مشكلة للدول والافراد معاً. وضعه معقّد. فهناك من اعتقد بأن هذا الرجل الذي شارك في ارتكابات النظام بلغ به الغرور حدّ التطلّع إلى الموقع الأول وأنه خرج لأسباب شخصية يحاول إلباسها أسباباً أخرى. وهناك من قال إن حسين كامل قد يكون مشروع صدام آخر إذا وصل إلى السلطة. هل تَحدَّث عن غزو الكويت؟ نعم واعتبره خطأ ارتكبه النظام. كانت فكرة الغزو سراً بين ثلاثة أشخاص: صدام حسين وحسين كامل وعلي حسن المجيد. لم يقل إنه اعترض في حينه. ونحن نعرف أن الاعتراض غير ممكن حين يتخذ صدام حسين قراراً.
 
 الاعتراض مكلف للغاية ولصدام هالة تمنع المحيطين به من لفته إلى المخاطر أو احتمال أن لا يكون مصيباً في ما يتطلّع إليه. عندما التقينا دان غزو الكويت إدانة شديدة واعتبره كارثة. ما استوقفني هو تأكيده وبشكل قاطع أن صدام خطّط فعلياً لاجتياح الكويت مجدداً في 1992. أكد أن صدام خطّط للعودة إلى الكويت وتوقف عن التنفيذ بسبب الإنذار الأميركي. هل سألته عن الأسرى الكويتيين؟ نعم سألته أكثر من مرة. وكان جوابه التالي: من أُطلق في البداية أُطلق ومن بقي تمت تصفيته. لا وجود في العراق لأسرى كويتيين. تمت تصفيتهم من الأيام الأولى. كل محاولة للعثور على أسرى كويتيين لدى العراق بلا نتيجة. ومصرع عدنان خيرالله بسقوط طائرة الهليكوبتر التي كان يستقلها؟ أقسم حسين كامل أن لا أساس أبداً لما يتردد عن أنه كان وراء زرع متفجرة في الهليكوبتر. قال: "إن هذه الرواية مجرد تلفيق. الأمر كان حادثاً عادياً. ملف التحقيق موجود لدى صدام حسين. مات عدنان خيرالله في حادث قضاء وقدر وبسبب العاصفة". في الحقيقة ربما لم تكن لحسين كامل علاقة، لكن أنا شخصياً لست مقتنعاً بأن عدنان خيرالله قتل في حادث عادي. أعتقد أن صدام كان وراء إزاحته بسبب رصيده في الجيش. وأسلحة الدمار الشامل؟ سألته عنها أكثر من مرة. كان يجيب أن قسماً كبيراً منها دُمّر على أيدي لجان التفتيش. أما القسم الذي بقي فلم يعد مجدياً وقابلاً للاستخدام ودمّرته السلطة. وإذا بقي قسم صغير من أسلحة الدمار الشامل فهو لا يعني شيئاً ولا يشكّل خطراً. والبرنامج النووي؟
 
 سألته عما اذا كانت لدى العراق القدرات العلمية التي يحكى عنها. فأجاب: نعم لدى العراق قدرات وعلماء. أنا تركت العراق بعدما تمكنّا من تصنيع قمر اصطناعي كامل. وقد طلبنا من الأمم المتحدة أن تأذن لنا بإطلاقه. نجحنا في تصنيع قمر على رغم كل الدمار الذي لحق بمصانعنا وإمكاناتنا وعلى رغم ظروف الحصار. هل كاد النظام ينتج قنبلة نووية؟ لا. قال حسين كامل إن البرنامج النووي لم يعد شيئاً جدياً بعد قيام إسرائيل بضرب المفاعل في 1981. كانت لدى العراق كمية محدودة من اليورانيوم لكن صناعة القنبلة النووية تحتاج إلى مواد يصعب الحصول عليها وإلى تجهيزات هائلة وضخمة لا يمكن إخفاؤها. أسلحة الدمار الشامل الأخرى أكثر سهولة. الموضوع النووي معقّد. وأعتقد بأن الرجل كان يعرف هذه المسائل. هل حمّل صدام شخصياً مسؤولية ما حصل في العراق؟
 
نعم. فصدام هو صاحب القرار وما يقدم عليه أولاده وما تقوم به الأجهزة وما يرتكبه المقرّبون يلقي في النهاية بالمسؤولية على الرجل القادر على منع ذلك إذا كان معارضاً. هل كان يكره عدي؟ هاجمه بشدة مرات عدة. كان يعتبره الرمز السيئ ويطلق عليه لقب "الشره". قال إن عدي قام، وبشكل منظّم ومتعمّد، بنهب أموال الكويتيين عن طريق لجان كلّفها السفر لإحضار الذهب والسيارات الفارهة التي كانت في حوزة العائلات الكويتية الثرية. كان يقول إن عدي جائع مزمن لا يعرف معنى الشبع. امتلك الدنيا وما يزال يتصرّف كجائع. استوقفني أنه كان يحمل بشدة على عدي وممارساته لكنه لم ينتقد شقيقه قصي ولو مرة واحدة. كان شديد الانزعاج من السلطات الأردنية في تلك الفترة؟ نعم. حاولت مرات ان أُفهمه أن عليه التصرّف كلاجئ في دولة أخرى. لم يستطع.
 
ماذا عن المعلومات التي أعطاها للأميركيين؟ سألته أكثر من مرة وبشكل مباشر وبإلحاح. نفى نفياً قاطعاً، وأقسم أنه لم يعط للأميركيين أي معلومات يمكن أن تساعدهم على إيذاء العراق. وقد أكد خبير روسي عمل مع المفتشين والتقى حسين كامل أن الأخير لم يعط الأميركيين معلومات بالغة السرية. قال حسين كامل إنه استقبل وفداً من وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي ايه" وتحدث إلى أعضائه. لكنه شدّد على أنه لم يزوّد الأميركيين ما يمكن أن يؤذي البلد. وقال: خرجت من العراق للعمل من أجل تغيير النظام. لم أخرج لأتحول أداة في يد أي جهة أجنبية. أنا لا يمكن أن أكون عميلاً. هل وعده الأميركيون بشيء؟ قال إن الاستخبارات الأميركية عرضت عليه وبدعم من جهة عربية أن تدعمه في خطته لتغيير النظام في العراق، إذا وافق، على أن يعيش العراق ما بعد صدام في ظل نظام فيديرالي كردي ـــ سني ـ شيعي، أي ثلاث فيديراليات. قال: لم أرفض هذا الموضوع فقط بل قلت إنني غير مستعد حتى للسماح به. أنا لا يمكن أن أكون أداة لتفتيت العراق وإلحاق كارثة به. أنا خرجت بهدف تغيير النظام وإصلاح الأمور وأفتح الطريق أمام حياة جديدة للشعب والبلد. أنا لا يمكن أن أساهم في تقسيم العراق وأجلب العار لاسمي ولعائلتي ووطني. هل هاجم علي حسن المجيد؟ نعم أبدى مرات عدة امتعاضه من تصرفاته. في النهاية علي حسن المجيد هو من أشرف على قتل حسين كامل.
 
 لم يلفظ ألفاظاً قاسية في وصف صدام حسين؟ لم يستخدم مثل هذه الألفاظ ولم يسمح للحاضرين باستخدامها. يجب ألا ننسى أن صدام هو الذي صنعه وأنه والد زوجته أيضاً. أذكر انه في إحدى الجلسات وكان حاضراً ابن عمه عز الدين، وهو ضابط في الحرس الجمهوري خرج معه، وكان الحديث يدور حول صدام. عز الدين شخص محترم وقليل الكلام. كنا على الغداء وكلما مرّ اسم صدام على لسانه كان حسين كامل يقول السيد الرئيس. وعز الدين صامت. فجأة انفعل عز الدين وقال له: "السيد الرئيس؟" أجابه: "طبعاً". فقال عزالدين: "والله لو أمسكت السيد الرئيس هذا لأفرم رأسه بالماكينة التي تفرم اللحم. إنه مجرم. عن أي السيد الرئيس تحكي. ماذا فعل بنا". رد حسين كامل: "هذه قناعتك وأنا قناعتي شيء آخر".
 
هل ذكر أن خطة غزو الكويت كانت تتضمن خطف أميرها؟ نعم كانت الخطة تقضي بإلقاء القبض في الساعات الأولى على الأسرة الحاكمة لإنهاء الموضوع مرة واحدة. اعتبر حسين كامل أن الفشل في ذلك كان أبرز نقطة ضعف في التنفيذ. قال إن الخطة كانت تقضي بإزالة الشرعية الكويتية المتمثلة في الأسرة الحاكمة.
 
في هذه النقطة يبدو أن صدام كان يفكّر بما حدث في العراق العام 1958 حين أدى القضاء على العائلة المالكة إلى إنهاء شرعية النظام. هل تحدث عن أن السعودية كانت الهدف المقبل بعد الكويت؟ في هذه النقطة بالذات نفى حسين كامل نفياً قاطعاً أن تكون خطة الغزو تضمنت أي شيء يمس السعودية. قال إن الموضوع لم يُطرح. وأن ما أُشيع عن ذلك لا أساس له من الصحة على رغم كل ما قيل عن تحريك دبابات. شدّد مرات على أن الخطة الأصلية لم تتضمن أي بند يقول بدخول الأراضي السعودية. هل كان يتوقع سقوط نظام صدام سريعاً؟ لا. كان يقول إن النظام قوي.
 
 لكن حسين كامل كان يتحدث بلهجة الواثق. كان يراهن على قدرته على اجتذاب الحرس الجمهوري ويقول: "هذا الحرس أنا شكّلته ضابطاً ضابطاً وجندياً جندياً. أنا أتيت بهم ودرّبتهم وأعرفهم وأعرف أنهم في اللحظة الحاسمة لن يترددوا في الانضمام إلى التغيير". في الوقت نفسه كان يراهن على عدد من كبار الضباط من أقاربه. هل حكى لك عن خطته؟ نعم. قال حين تتوافر له مستلزمات التحرك ينوي التوجه إلى قاعدة H3. وهي قاعدة جوية قريبة من الحدود الأردنية. بمعنى أن يسيطر على هذه القاعدة ثم يدير معركته ضد النظام انطلاقاً منها. سألته ماذا سيفعل حين يرسل صدام قواته لمواجهته. فأجاب: "أنا أريد الاستيلاء على القاعدة وأريد أن يحرّك صدام القوات، وأنا واثق أن القوات التي سيحرّكها ستبدّل ولاءها وسأتمكن من استخدامها أو استخدام قسم كبير منها في الزحف على بغداد". الغريب أن حسين كامل كان يتحدث بثقة عالية بنفسه وبقدرته على التأثير على ضبّاط الحرس الجمهوري. ماذا أعطى للـ"سي اي ايه"؟
 
 قال إن البحث تركّز على التعاون وإنه حرص على عدم البوح بأي شيء يؤذي البلد. وأكد أن التفاهم لم يحصل. وأعطى مثلاً على ذلك: "لدى طرح فكرة التعاون طلب الأميركيون أن أبلغهم بأسماء الضباط الذين أعتمد على تعاونهم معي في عملية التغيير. فقلت لهم إن لا مصلحة في دخولكم في هذه التفاصيل. الضباط أنا أعرفهم وأعرف مواقعهم وتاريخهم. لا مصلحة لأحد في كشف الأسماء. أنا أقترح أن تدرسوا الخطة وإذا اقتنعتم ووافقتم على التعاون عندئذ يمكن أن نبحث في التفاصيل". هل التقى إسرائيليين خلال إقامته في عمان؟ نفى ذلك بصورة قاطعة مرات عدة. أنا لا أعتقد أن نظرته إلى نفسه ودوره وكذلك قناعاته وأفكاره تشجعه على عقد لقاء مع الإسرائيليين. في أي حال سرعان ما تدهورت علاقاته مع السلطات الأردنية. أذكر أنه جاءني ذات يوم إلى الفندق ليبلغني أن مشادة وقعت بينه وبين ولي عهد الأردن آنذاك الأمير حسن. كان يتكلم كمجنون. قال سأضع حاجياتي في سيارة وأتوجه إلى الحدود السعودية. فقلت له ما هذا التصرّف. هذه دولة وهناك قواعد وأصول. وزاد التضييق عليه في الأردن. وفهمت أنه كان شبه مختنق في الأيام الأخيرة التي سبقت عودته إلى العراق. الحقيقة أنه لم يعثر على مكان يمكن أن يستضيفه، ويعمل انطلاقاً منه. سمعت لاحقاً أنه حاول التوجه إلى بلد أوروبي لكنه لم ينجح. كم مرة التقيته خلال زيارتك لعمان؟ ربما نحو عشرين مرة. كانت اللقاءات يومية وأكثر من مرة في النهار الواحد. ذهبت من أجل هذا الموضوع. لماذا رأيته؟ بناء على إلحاحه. قال لي على الهاتف: "أنا بأمسّ الحاجة لمجيئك وأرجوك أن تأتي". أردت ان أسمع منه وعن البلد. في البداية لم أذهب. ذهب


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 54943
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
22-11-2009 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم