بقلم :

زوجها ورفيق دربها لما يزيد عن نصف قرن توفي وتركها أرملة في الثمانين من عمرها -وبحسب الراوي-، هي لم تكن تحب زوجها وكان إذا ما أراد تذكيرها بما يفعله من أجل إرضائها تقول له:'شو عملتلي؟ حججتني ثلاث مرات واعتمرت 13 مرة وشو يعني؟'،قبل وفاته وبعد وفاته بأشهر كانت ككثير من النساء كبيرات السن تتقمص دور الواعظ لجميع أفراد العائلة، الأبناء والأحفاد،وتحاول أن تمنعهم من مشاهدة 'الساقطات والساقطين' على شاشة التلفزيون بحسب وصفها، وتحثهم على الصلاة في وقتها وتطيل هي في صلواتها . لكن بعد مضي أقل من عامين بدأت المرأة الثمانينية تتغير تدريجيا، أصبحت تؤخر صلاة العشاء حتى تنتهي من مشاهدة المسلسل التركي وإذا ما ذكرها أحدهم بالصلاة تقول: 'كل الليل عشا'، وتتعايش مع أحداث المسلسلات وتتعاطف مع المحبين إلى درجة البكاء، ومن باب منح ذاتها الحق في ممارسة حريتها أو إبعاد أنظار من حولها عن مراقبتها سألت أحد أحفادها: ' السنة ما في إليسا؟ روح احضرها والله انها مزيونة'، وقد كانت من قبل تتصدى له متذرعة 'بالعيب والحرام' إذا ما فكر بحضور حفلة من حفلات إليسا وتحاول منعه من مشاهدتها على الشاشة، سؤالها هذا أو ديموقراطيتها المفاجئة ولدت لدى الشاب استفسارات كثيرة وربطا بين ما تحدثت به وبين التغيرات التي طرأت على شخصيتها، سألني ذاك الشاب : هل من المعقول أن تكون جدتي تمر بمرحلة متأخرة من مراحل المراهقة؟ فهي بدأت تهتم بشكلها وتصبغ شعرها أو ما تبقى منه ولم تفعل ذلك في حياة جدي؟ وبدأت أنا لا شعوريا أراقب تصرفاتها حتى إذا وجدتها على الشرفة أطلب منها كما لو كانت أختا صغرى أن تدخل إلى غرفتها، جدتي أصبحت منفتحة وكفت عن إعطائنا دروسا في الأخلاق وأصبحت تتحدث معنا عن تفاصيل تفاصيل المسلسلات التركية وتحفظ الأسماء وتستذكر الأحداث وتربطها جيدا، وحين يقاطعها أحدنا بتعمد ويذكرها بصلاة العشا تعود للقول'كل الليل عشا' فهي تريد أن تستثمر ساعات الليل لتتعايش مع قصص الحب الرومانسية وتتحدث بها، ثم تتصدى لمن حولها قائلة بأنه وبحسب تعاليم الشرع يجب أن تسأل المرأة الأرملة كل صباح وكل مساء فيما إذا كانت لديها رغبة في الزواج أم لا وبأنها لا ترغب لكنها تذكرهم بمخالفتهم لأوامر الشريعة ! لا غرابة فهذه المرأة برغم كبر سنها إلا أنها تشعر بحاجة إنسانية لتتعايش مع حالات عاطفية لم يتسن لها أن تحياها خاصة وأنها لم تكن محبة لزوجها، لا غرابة فالتنشئة الاجتماعية والتغيير الذي قد يطرأ على شخصية الإنسان كما يرى بعض علماء الاجتماع ليس له وقت محدد وإن كانت الست سنوات الأولى من عمر الإنسان هي أهمها، لكن قد تكون الست سنوات الثانية بعد الثمانين مهمة أيضا وتتحول فيها المرأة العجوز إلى مراهقة تحاول تعويض سنوات عمرها التي مضت دون أن تشعر فيها بأنوثتها ..... maisa_rose@yahoo.com

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا