حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,20 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 24878

الرأسمالية متوحشة ولا إنسانية

الرأسمالية متوحشة ولا إنسانية

الرأسمالية متوحشة ولا إنسانية

20-02-2017 02:46 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. مروان الزعبي
في النظرية، فان النظام الراسمالي هو ذلك النظام الذي يمتلك فيه الافراد عوامل الانتاج( العماله وراس المال والموارد الطبيعية والتكنولوجيا) و يتنافسون بحرية في الانتاج بهدف تحقيق مصالح ذاتية ياتي في مقدمتها تعظيم الارباح. وتقوم الدولة بتنظيم الاعمال من خلال وضع القوانين والانظمة وتقديم السلع والخدمات التي يفشل السوق (القطاع الخاص) في تقديمها.بعد مئة وخمسون عاما من تطبيق الراسمالية في العصر الحديث،فهل حققت الرفاه الاجتماعي والعدالة؟
في الدول الراسمالية لا يمكن للانسان ان يشعر بالامان والاستقرار لا بل يشعر بالضعف والتهميش لان الاثرياء القلة يسيطرون على كل الموارد بحيث لا يبقى للمواطن البسيط سوى ما يتركه الاثرياء لهم. الراسمالية لا انسانية ومتوحشة لانها تتخلى عنك اذا كنت ضعيفا ويقاس المرء فيها بحجم ثروته وليس بقيمة واخلاقه وانسانيتة وليس هنالك اي مكان للضعفاء او غير المؤهلين، فلن يجدوا عملا وان وجدوا فسيكون باجر زهيد ويقل عن مستوى خط الفقر ولا حول ولا قوة لهم.

في تلك الدول تكون العلاقات الاجتماعية شبه معدومة والبديل لذلك هو علاقات الاعمال والمصالح فقط فكل انسان يبحث عن منفعته الذاتية وعلاقاته محكومة بتلك المنفعة. من جانب اخر، يحكم المجتمع الراسمالي المال الذي ليس له اي توجه او ثقافة سياسية ويدير البلاد اما الاثرياء او التابعين لهم، فلن تصمد القوى السياسية بعيدا عن الاثرياء وستكون مصالح الاثرياء في مقدمة الاهداف التي تسعى القوى السياسية لتحقيقها وستخضع ضمائر هذه القوى لاغراء المال وستكون العدالة الاجتماعية مجرد حلم.

اما في الجانب الاقتصادي فالنظرية الراسمالية تدعي ان الحرية تمثل المبدء الاساسي في الاعمال وعلى الرغم من ان ذلك يعتبر حقيقة على المستوى النظري لكن على المستوى العلمي فان من يملك الحرية هم الاثرياء لانهم يستحوذون على عوامل الانتاج بحيث يوجهونها بالاتجاه الذي يحقق اكبر الارباج وبحرية تامة، وهم ايضا يستهلكون السلع والخدمات كما يرغبون. اما بالنسبة لطبقة العمال فهي في الواقع لا تمتلك اي حرية للاختيار بحيث يضطر العامل في اغلب الاحيان الى قبول اي عمل وباقل الاجور هربا من البطالة والحاجة وهو يستهلك الحد الادنى من السلع والخدمات الضرورية اما السلع الاستهلاكية الكمالية فتسكن في احلامه فقط.

ان من اهم سمات الراسمالية في مراحلها المتقدمة هي انها تصبح مسرحا للمحتكرين او المحتكرين القلة لان القوي ياكل الاقل قوة والاضعف ولا يعود لقوى السوق (العرض والطلب) والمنافسة اي دور في تحديد الكمية والسعر. وبذلك يسيطر المال على قرار الانتاج وقرار الاسعار حيث يتم انتاج السلعه من قبل منتج واحد او عدد قليل منهم وتحدد اسعار السلع والخدمات كما يحلو لها والمواطن يصبح في مهب الريح. صحيح ان المنافسة هامة وضرورية لانها تمثل قوة دفع هائلة للانتاج والتطور لكنها لا تضمن التعددية في الاعمال والعدالة حيث تخرج الكثير من الاعمال من السوق لانه سياتي من يتملكها حتى لو دفع لها ثمن مرتفع او من يندمج معها الامر الذي يؤديالىخلق كيانات ضخمة محتكرة وتختفي المنافسة المزعومة.وبدون ايجاد حلول لهذه المشكلة فستبقى الراسماليه تعاني من هذه التكتلات التي تكبر مثل كرة الثلج وتصل لمرحلة يستحيل السيطرة عليها وتصبح هي المتحكم في مجريات الامور الاقتصادية والسياسية على حد سواء.
كل ما ذكر يشير الى ان الثروة ستكون مركزة بايدي القلة ويبقى العامل يكافح من اجل اجر بسيط لا يكفل له حياة كريمة وهذا يعكس وجود فوارق طبقية كبيرة لا يمكن القضاء عليها الا بتدخل حكومي يحفظ حقوق كافة المواطنين والا ستؤدي هذه الفوارق الى المزيد من الاحتقان والنقمة من الطبقة العاملة على الطبقة الثرية.

قبل عدة ايام عدت من زيارة الى الولايات المتحدة التي تمثل النموذج الاقوى للراسمالية وما من شك في عظمة هذه الدولة حيث تنبهر في حجم الخدمات ولكن المواطن فيها يعيش في دوامة وتفكيره محصور في الامور المادية وبالطريقة التي تجني المال وبشكل سريع وكبير. وهنا لا يمكن ان يقع اللوم على المواطن لان هذه هي الثقافة الوحيدة التي ينشا عليها و يعرفها وهو ان لم يتدبر امره فسيقع في ورطة، لذلك يشعر المواطن بانه مقهور ومستعمر وضعيف ووحيد وان الايام ستتجاوزه. فصحيح ان الراسمالية لها قدرة هائلة على حفز الانسان على العمل والابداع لكنها بالمقابل لها نفس التاثير في اضعاف الروابط الاجتماعية وتعميق الطبقية وفقدان الاحساس بالامان. ان القوي الثري هو الوحيد الذي يشعر بالامان و يمتلك كل شئ ويستمتع في كل شئ. ان غالبية الشعب الامريكي يصرف دخله المستقبلي ليس فقط الحالي من خلال استخدام بطاقات الائتمان وبمعنى اخر هم مثقلون بالديون من اجل تسيير حياتهم والانفاق على متطلبات الحياة.

في الخلاصة، برايي ان ترك الامور للقطاع الخاص يعتير خطيئة وعلى الدولة ان تمسك بزمام الامور و ان تضع الاسس والنظم الاقتصادية التي تضمن الحفاظ على كرامة المواطن فهنالك المواطن القوي الثري وهنالك المواطن الضعيف قليل الحيلة الفقير وما بينهما يقع العديد من فئات المجتمع. ان مسؤولية الدولة ان تضمن تقديم السلع والخدمات العامة لجميع فئات المجتمع وبدون مقابل مثل خدمات التعليم بكافة فئاته والخدمات الطبية بالاضافة الى الامن العام وما الى ذلك. ان الحكومة هي الضامن الوحيد للحياة الكريمة وليس القطاع الخاص، وحتى ان قدم القطاع الخاص خدمات بارقى مستوى، فلن يقدمها لخدمة المجتمع انما لمضاعفة الارباح. في الدول الراسمالية لا تشعر بوجود الدولة لكنك تشعر بوجود الشركات الضخمة التي تنهش لحمك وعظمك من كل جهه.

يضاف الى ذلك فان تركز الثروة يؤدي الى شراء الذمم والضمائر مهما كلف الامر، بحيث يسنطيع الاثرياء تحقيق كل اهدافهم وتعظيم ثرواتهم. فليس صحيحا ما يقال ان نسبة الفساد منخفضة في تلك الدول، وخير دليل الازمة المالية العالمية التى ابتدأت في عام 2007 والتي اوشكت ان تعصف بالراسمالية عن بكرة ابيها والتي اظهرت بالدليل القاطع ضخامة الفساد المالي والاداري بشكل لم يسبق له مثيل.


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 24878
برأيك.. هل طهران قادرة على احتواء رد فعل "تل أبيب" بقصف بنيتها التحتية الاستراتيجية حال توجيه إيران ضربتها المرتقبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم