حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,28 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 27119

مدنيّة الدولة والمخاضات العسيرة

مدنيّة الدولة والمخاضات العسيرة

مدنيّة الدولة والمخاضات العسيرة

01-12-2016 11:12 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : عبدالحافظ الحوارات
يقول أحدهم "لا يُفلِحُ العَرَبُ إلّا إذا بَعُدُوا عن بلاد العرب" ، ويأخذ من حالة اعتماديّة المجتمعات العربيّة على نسيج القبائل مُتَّكَئا راكزا يُعَلّل به رأيه ، كما ويَسُوق الأمثلة العديدة لحالات الفشل التي تمرّ بها بعض المجتمعات ، وما يرافقها من تجاوزات على القانون ، كي يعزّز مقولته ويروّج لها ، وربما كانت حالتنا الأردنيّة وإرهاصات أسبوع أحداث الجامعة مثالا لأصحاب وجهة النظر تلك . ومع كلّ هذا فإنّ المراقب الموضوعي قد لا ينساق بسهولة وراء هذا الرأي ، وسأسوق هنا هذه المُقارنة لحالتنامع أحد مجتمعاتنا العربية ، الذي يُشابه كثيرا مجتمعنا في تركيبته الاجتماعيّة وبنيانه القبلي ، بل وحتى في مساحة الأرض ، وعدد السكّان ، رغم أنّه يقفز الآن بعيداعَنّا في سلّم المَدَنِيَّة وهيبة القانون معا .

لا أريد أن أقارن مجتمعنا الأردني بالمجتمعات الغربية أو الشرقيّة المتطوّرة ، فتلك لعمري مُقارنة ضِيزى ، وسينجم عنها إحباط شديد ، وجلد للذات عواقبه وخيمة ، وسأدّعي بأنّ مقارنتي موضوعيّة إلى حدٍّ كبير ، بسبب إقامتي في الإمارات ، والتي امتدّتْ لسنين طِوال تُقارب سِنِيّ إقامتي في وطني ، وأعتقدها كافية لتعزّز مصداقية الحُكم ومرونة النتائج .

في عام 1971 بدأت مسيرة الاتحاد ، كانت سَبعُ مَشْيَخات متفرّقة ، تُشكّل كل واحدة منهنّ مجتمعا مُتباينا في اللهجة ونظام الحكم والاقتصاد ومستوى التطوّر ، ولكنّها الإرادة القويّة ، تلك التي تمكّنتْ من صهر هذه المجتمعات المتباينة في بوتقة واحدة جميلة وصلبة ، وقد تزامن مع ذاك الانصهار بروز هيبة القانون الاتحادي الذي سرى بقوّة على كل عناصر المجتمع .

يُحدّثني صديقي "أبو علي" ، أنّ الأوامر قد صدرت إليهم بجمع أسلحة القبائل بعد إقامة دولة الاتحاد ، وقد كانت المهمّة شاقّة ، خاصّةوكلّنا يعلم ما هي رمزية السلاح بالنسبة للعربي ، إلّا أنّ الحملات كانت صارمة ، والأوامر لا تحتمل المراوغة ، ومضتْ أشهرٌ ثقيلة حتى انبلج الصباح ، وبانت نعمة سيادة القانون ، فتلاشتْ الظواهر المُؤرِّقة المرافقة لانتشار السلاح ، ومقابل ذلك فقد أخذت الدولة على عاتقها القوي فرض هيبة القانون وسيادته منذ بدء مسيرة الاتحاد التي تحتفل الدولة هذه الأيام بذكراها الخامسة والأربعين .

أُقِيم هنا في منطقة قبائل عربيّة كبيرة وعريقة ، ومن أكبر القبائل في الإمارات ، قبيلة الكتبي وقبيلة الكعبي ، كنت أتوقّع قيام بعض وجهاء تلك القبيلتين بإجراءات شبيهة بالتي عايشتها في مجتمعي ، عند وقوع مشاجرة أو حادث سير مثلا ، وينجم عنه إصابة أو وفاة ، لكن ذلك لم يحدث أبدا ، فَلا أهل المُعتدي يتعطّلون عن إنتاجهم اليومي ، ولا أهل المُعتدى عليه يهدرون وقتهم في استقبال الجاهات ، وسماع المهاترات ، ونسخ صكوك الصلح العشائريّة وتوقيعها، ولا يحتشد الفريقان في تجمّعات تتحدّى الأمن المجتمعي ، وتثير القلاقل والقلق ، وتُعَطّل المؤسسات العامّة استجابة لمناوشاتهم .
لماذا تنجح تجربة سيادة القانون في بلد عروبي قبائلي ، بينما تبوء بالفشل في مجتمع قبائلي آخر كالمجتمع اليمني مثلا ؟ ، وأيّ التجربتين هي الأسلم أمامنا اليوم ؟ ، وفي أيّ اتجاه منهما يبدو أنّنا نسير في ظلّ عودة المنازعات المجتمعيّة ؟ .
.
عبدالحافظ الحوارات


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 27119
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم