حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,28 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 48082

سيكولوجيا المكان .. والأمزجة الحادة

سيكولوجيا المكان .. والأمزجة الحادة

سيكولوجيا المكان  .. والأمزجة الحادة

19-10-2016 08:50 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :
لن أتحدث بأسلوب علمي كالذي ذهب اليه ابن خلدون في مقدمته حول تأثير طبيعة التضاريس والمناخ في أمزجة الناس، وسأكتب بروح الكاتبة لا عقلية الباحثة العلمية كي أمنح نفسي هامشا مبررا من الخطأ أو الكذب ونسبة لا بأس بها للخيال.
وبعيدا عن مناقشة المستجدات والظروف الاقتصادية والمادية وقريبا من التغيرات المادية التي تخص الأماكن، أقول أننا أصبحنا أكثر جمودا مع تطور البنيان وحداثة المساكن
تغيرت الأمزجة بحيث أن الواحد منا لا يقبل القسمة على اثنين في توجهاته وضاق الأفق بحيث لم يعد لدينا متسعا لسماع وجهة نظر مغايرة لما نعتقد به، نتميز بالحدية والانفعالية، عمان عاصمتنا التي كانت جميلة تآكلت بالبنيان واتخذ معها النظر منحى عموديا وهذا يتسبب بضيق الأفق ووجع الروح، لون البناء لا تمايز فيه وتكاد تختفي الألوان، ليس لي دراية بهندسة البنيان لكن ما اعرفه ان المكان يغذي العقل والروح ان اجتمعت فيه كافة عناصر الطبيعة من خشب وماء وحديد وتراب والوان، وقد اكتفينا بالحديد والاسمنت، وهي اقرب الى المادة منها الى الطبيعة.
في قرانا كانت البيوت مفتوحة على الأفق ايضا، غير أن السهول تآكلت وبفعل ثقافة الاختباء اصبح لكل بيت الف قفل وقفل، تغيرت طبيعة البنيان، ولذا تحسبهم مجتمعين ولكن قلوبهم شتى، والتفكير المادي والتفكير ذو البعد الواحد أصبح مسيطرا، فلا هم يحيون العفوية بكامل ألقها ولا المدنية بميزاتها، وكل هذا التخبط تسبب بسوء الأمزجة الذي ينعكس على طبيعة التعامل حتى مع الذات.
ليس منا من هو متصالح مع نفسه وان كان راض عنها، لأن ذاته تشتت وتشعبت وتعرضت الى كم من العنف الثقافي الذي فرضه التغير غير المدروس والمنسلخ من التاريخ والأصول، وهنا أقصد أصول الطبيعة وليست الاصول العرقية او القبلية.
شبابيك بيوتنا كانت من خشب وغير محكمة الاغلاق وتفتح الى الخارج في حركة قد تعبر في أقل القليل بأن الخارجي هو ذاته الداخلي وأن ثمة ألفة مع المحيطين ومع المحيط، ستائرنا لم تكن، وان كانت فقد كانت بحجم الشباك ولم تكن للزينة بل لضرورة التستر، وحينما اسدلت حتى وصلت قيعان الارض أسدلنا معها كما من العزلة الإنسانية والاغتراب من غير غربة
أصبحت احاديثنا ستائر أيضا، لأن العفوية وحسن النوايا وحسن تفسير الحديث ذهب مع الريح التي اوصدنا الشبابيك والأبواب والاسمنت في طريقها، وإن تحدثنا لا نتحدث بصدق ونفكر بالجملة قبل قولها ونحسب ألف حساب ان تحدثنا، وغالبا نقول ما لا نعني او نعني ما لا نقول.
تنتهي الجلسة وقد تتبعها جلسات تفسير وهنيئا لمن يكون آخر من يترك الجلسة لأن النميمة تكون تباعا لغير الحاضر فنحن لا نمتلك الجرأة -وقد وضعنا ذواتنا طوعا في سجن ثقافة شوهناها- على المواجهة.
او نخشى المواجهة لاننا لا نرغب في اثارة مشاكل وسوء الظن سيد الموقف
ولأن طبيعة المكان وطبيعة السكن وطبيعة التغير فرضت نوعا من التباعد فقد اعتمدنا حاسة السمع وتناقل الاخبار كمصدر وحيد للمعلومة مما تسبب بسوء فهم متراكم، ولذا لا غرابة إن وجدت أحدهم يقول لك بدهشة، لم يحدث بيني وبين فلان أية مناوشات فلماذا تغير معي؟ هو تغير لانه يسمع ولا يشاهد ولم يكن حاضرا وانت كذلك.
كلاكما وجميعنا مصابون بسوء أمزجة واساءة تقدير أحد اهم اسبابها طبيعة المكان وما فرضناه على انفسنا من قيود .


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 48082
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم