حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,17 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 32464

الأنا والآخر

الأنا والآخر

الأنا والآخر

12-10-2016 01:37 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : مجد مالك خضر
يعتبرُ الأنا والآخر مِنَ المُصطلحاتِ التي باتتْ مُنتشرةً بشكلٍ ملحوظٍ؛ لما له مِن تأثيرٍ على واقعِ البشريّة العام بصفتِهِ ذلك المُصطلحَ الذي تمَّ تصديرُهُ مِن الفلسفة الغربيّة إلى الفلسفاتِ الأُخرى، وكان للفلسفة العربيّة نصيبٌ مِن التأثر في مُصطلحِ الأنا والآخر، والذي أصبح يستخدمُ للإشارةِ إلى الاختلافاتِ الفكريّة مُتعددةِ الأنواع والأشكال.

مِنَ التعريفات العامة لمفهومِ الأنا والآخر؛ أنه العلاقة ما بين شخصية الأنا أي الذات، وشخصية الآخر المُختلفِ عن الذات، وإنّ هذه الثنائيّة تشكلُ معايرًا معاكسًا عندما ينظرُ الآخر بصفته الأنا إلى الأنا بصفته الآخر، ومن هنا يظهرُ الاختلاف بين الأشخاص الذين لا يتفقون بآرائهم حول شيءٍ ما، ويظلُّ هذا الاختلافُ قائمًا حتى يتمّ الوقوف عند نقطةٍ تساهمُ في الوصولِ إلى حلٍ نهائي يؤدي إلى تقاربٍ في الآراءِ بين كافة الأطراف.

أصبح التطبيق المعاصر لمفهومِ الأنا والآخر مغايرًا عن فكرتِهِ الجوهريّة التي تعترفُ بالاختلافِ ولكنها لا تُهمشُهُ، بل تقبلُ وجود رأيٍ آخر مُختلفٍ عن غيره بالمضمونِ والفكر، وللأسف تحول مفهوم الأنا من قبول الآخر إلى السعي لإلغائه بأي طريقةٍ مهما كانت أدوات تنفيذها، ومن هنا يظهرُ مصطلحٌ يُشبهُ الأفعى التي تنتظرُ الانقضاض على فريستها لنشر السُمِ في جسمها، وهذا المصطلحُ ليس إلا العنصريّة.

إنَّ العنصريّة وخصوصاً الفكريّة هي بابٌ لكافةِ أشكالِ العنصريّة الأخرى، والتي تظهرُ نتيجةٌ لعدمِ الفهم الصحيح لفكرةِ الأنا والآخر، واستبدالها بعنصريّةٍ قد لا تكونُ ظاهرةً في البداية، ولكن جذورها مغروسةٌ في عقولِ الأشخاص الذين ينتظرونَ اللحظة المُناسبة لنشرها، واستخدامها من أجلِ تحقيق أهدافها في التفريقِ بين الناس بناءً على دياناتهم، وألوانهم، ومستوياتهم الاجتماعيّة، وأصولهم.

وتوجدُ مجموعةٌ من الدوافع السلوكيّة التي تعززُ من تأثير العنصريّة على فكرةِ الأنا والآخر، ومن أهمها رفض الآخر لمجرد رفضه، ويعتبرُ ذلك من الثوابت الفكريّة الأساسيّة عند العديد من الأفراد الذين يتعلمونها منذُ ولادتهم؛ بسبب استخدامها كجُزءٍ من التربية القائمة على عدمِ الاعتراف بالآخرين، والتي تظلُّ متوارثةً مع تعاقب الأجيال مما يؤدي إلى استمرارِ تأثيرها السلبيّ على المجتمعات.

أرى أنّ ما نشاهدهُ في أيامنا هذه من أنواع الحروب المختلفة، قد آتت نتيجةُ لعدمِ الفهمِ الصحيح لمفهومِ الأنا والآخر، وأدى تراكمُ المفاهيم الخاطئة مع مرورِ الوقت إلى تحولها لأزمةٍ فكريّةٍ، ومن ثم تحولتْ هذه الأزمةُ إلى معاركٍ سياسيّة أدت إلى اندلاعِ تلك الحروب، وساهم أيضًا تهميشُ وجود الآخر بصفتِه الإنسانيّة إلى انتشارِ الفكر الظلاميّ القائم على الجُمودِ الفكريّ الذي يؤدي إلى قتلِ، وحرق، وتهجير الأبرياء، وتدمير منازلهم على رؤوسهم وهم لا يحملون أي سلاحٍ، ولا يريدون إلا العيش بسلام.

إنَّ الحرصَ على إدراكِ مفهوم الأنا والآخر إدراكًا صحيحًا، يُساهمُ في التخلصِ مِن أشكال التفريق والتمييز التي هاجمتْ المُجتمعات منذُ القِدَم، وما زالتْ تنتشرُ فيها طالما تُوجدُ بيئةٌ تساهمُ في تغذيتِها؛ وبات مِن الضروري أنْ يسعى كلُ شخصٍ واعٍ على استيعابِ فكرةِ وجود الاختلاف في البيئةِ البشريّة؛ لأن ذلك يُساهمُ في المُحافظةِ على انتشارِ هذه الفكرة بين الأجيال، ويؤدي ذلك في النهايةِ إلى فهمِ معنى احترامِ الإنسان للإنسان.

mjd.khdr@yahoo.com


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 32464
برأيك.. هل طهران قادرة على احتواء رد فعل "تل أبيب" بقصف بنيتها التحتية الاستراتيجية حال توجيه إيران ضربتها المرتقبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم