حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,29 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 50013

( ضاع الخيط .. طار العصفور ) !!

( ضاع الخيط .. طار العصفور ) !!

( ضاع الخيط  ..  طار العصفور ) !!

25-04-2016 03:47 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المهندس عصمت حداد
ذات يومٍ .. إشترى رجلٌ لإبنهِ عُصفوراً صغيراً ، فرح به الصبيُّ فرحاً عظيماً ، ومن شِدَّةِ الفرح .. وضعهُ في راحةِ يدهِ ، وما لبثَ أنْ فرَّ العُصفورُ وطارْ ، فبكى الصغيرُ .. وشكى ما حَدَثَ لأبيه ، وعندها .. ذهبَ الرجلُ واشترى لإبنه عصفوراً آخرْ ، وخوفاً عليه من الفرار .. ربطَ الرجلُ العصفورَ بخيطٍ قوي ومتين ، ثم قال لإبنه : " يا بني .. امسك الخيط بيدك بقوةٍ ؛ حتى لا يطير العصفورُ منك "، فرح الصغير بالعصفور الجديد .. ووضعه في راحة يده مرة ثانية ، ونسيَ أن يمسك بطرف الخيطِ - كما أوصاه أبوه - فطار العصفورُ .. وأخذ معه الخيط المربوطَ برجلِه ، فصرخَ الصبي : " يا أبي راح العصفور!.. طار " ، فقال الأب : " يا بني .. امسك الخيط .. كما أوصيتك " ، فقال الصبي وهو يبكي : " يا أبي .. طار الخيط والعصفور ".

تذكرتُ هذه القصةَ .. عندما سمعتُ تصريحَ الحكومةِ الذي نزل - على رؤوسِ الفقراء والمساكين والمقهورين والمظلومين والمتعبين - نزولَ الصاعقهْ ، فكلُّ الضمائرِ الحيةِ .. تكاد تتمزقْ ، وكلُّ القلوبِ النقيةِ .. تكاد تنفجرْ ، ذلكَ عندما أعلنتْ تحت قبة البرلمانِ .. وأمام نواب الشعبِ : أنه لا يوجد فساد منذ أكثر من خمس سنوات .. ولا يوجد أيَّةَ قضيةِ فسادٍ موجودةْ ، كلماتٌ كانت كوقْعِ السَّيفِ على مسامع المواطنِ الأردنيِّ .. كلماتٌ صدمتْ عقولنا جميعاً.

ولكن دعونا نَتحدث بهدوء اليوم ، ونفكر بطريقة موضوعيةٍ .. ونحن أمام هذه التصريحات ، دعونا نتساءلُ بلغةٍ بريئةٍ خالصةٍ لوجه هذا الوطن الذي أنعم علينا بكل روافد الخير ، فرددنا نعمته بكل مستنقعات الفساد ، والضياع والخيانة والحقد ، دعونا نتكلم بلغة الأطفال الذين لم يعرفوا السياسية ، ولم يدخلوا إلى أنفاقها ، ونقول : متى حدث ذلك وكيف ؟! ، تقاريرُ منظمةِ الشفافيةِ العالميةِ .. كيف جاءت بها في السنوات الأخيرهْ ؟! ، الحكومة تحارب الفسادَ.. والمواطنونَ يحاربون الفساد..! فمن هم الفاسدون إذاً ؟!!! ، هيئة مكافحة الفسادِ .. ما علاقتها بمكافحة الفساد ؟! ماذا تفعل وماذا فعلت؟! هل شعر المواطنُ .. بأنّ حجم الفساد تقلّص؟! ، هؤلاء الفاسدونْ.. من أيّ كوكبٍ هبطوا ؟! بكل تأكيدٍ .. إنّهم لم يأتوا من المريخ على شكلِ كائناتٍ خضراءَ .. وإنما هم أشجارٌ نمت .. بمائنا وبهوائنا وشمسنا .

نحن لا نحتاج هذه التصريحات وهذا الهراء ، ولا نحتاج إلى محللٍ أو خبيرٍ اقتصاديٍّ .. ليكشف لنا حجم أزمتنا المالية والاقتصادية ، أزمتنا .. جراء " سياسات غير رشيدة ".. ونهبِ وإسرافِ متعمدين ، لكننا نحتاج إلى قرارات شجاعةٍ من الحكومة ومجلس النواب .. أمام الصورة الحقيقيةِ ، وبكل شفافيةٍ كما يقولون ، ومحاسبة المقصر ، نحن نريد مَنْ يمتلك المعرفة والشجاعة ؛ حتى يكشف الفاسدينَ .. وسِرَّ هذه الدماملِ التي انتشرت على جسد الوطن .

إنَّ الفسادَ لا ينشأُ مِن تلقاء نفسه ، هو ينشأُ حيث يكونُ المفسدون ، لكننا أصبحنا في هذا العالم - المتلاطِم بالفساد - نسمع بالفساد ولا نرى فاسدين ، وأصبحت قصة محاربة الفساد .. تشبه تماماً قصة " الغول " الذي نسمع به ولا نراه ، ففي حربنا ضد الفساد.. نسمع أحدهم يقول : سنجفف منابع الفساد ، وآخرٌ يقول : سنقطع دابر الفساد ، وآخر يصيح : سنضرب بقوةٍ على المفسدينْ ، بينما هو الفسادُ يقوى ويكبر وينمو بأنيابه ومخالبه ورؤوسه ، إذ يلجأ المفسدون إلى إشاعة نهجهم الخاصِّ و الفاسد .. على أوسع نطاق ممكنٍ بين ضِعاف النفوس، بحيث لا يعود بوسع أي أحدٍ الاعتراض أو الاحتجاج عليه.. وكلُّ ذلكَ عملاً بالقاعدة القائلةِ : أنه إذا أراد الفاسد حماية نفسه .. فإن عليه أن يُفسِدَ سِواه أيضاً .

هكذا أرادَ الفاسدون .. أن نعيش في بحرٍ متلاطم من الظلامْ ، فحين يتعمم الفساد .. لا يعود بوسع أحدٍ أن يتحدث عنه أو الاعتراض عليه ، وتبقَ المساعِ لمحاربتهِ مجرد أحاديثٍ ، لا بل يصبحُ مجردَّ النقاش حول الفساد والفاسدينَ .. ضرب من العبثْ ، ومن هنا.. ضاعت الحقيقة والحقوق ، واختلط الحابل بالنابلِ ، وهذه المرةِ .. طار النسر مع الخيط .. وقُيِّدَ الفساد ضد مجهول .

" خيط بغير هالمسله .. الشمس ما بتتغطى بغربال "


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 50013
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم