حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,26 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 26386

حالة المجتمعات العربية .. وطريق التغيير

حالة المجتمعات العربية .. وطريق التغيير

حالة المجتمعات العربية  ..  وطريق التغيير

03-10-2015 09:54 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

من يتابع ما يجري في المنطقة العربية يلاحظ بأسف وأسى ذلك الأثر البالغ الذي يتركه طبيعة الحكم والنظام على البلد ومستقبلها. وهذا الأثر قد يطول لعشرات السنين، وقد يحدث تغييرا لا عودة عنه.
أربعة بلدان عربية كان لها فرصة لأن تبنى مستقبلا واعدا، يخرجها من أزمة التخلف إلى آفاق أرحب في السياسة والاقتصاد والحالة الاجتماعية. غير أن أنانية الأنظمة الحاكمة وهمجيتها، وانعدام الإحساس بالوطن وغياب الحرص عليه لدى رأس النظام وحاشيته وأتباعه و أجهزته، وافتراضهم بأن الدولة بكل ما فيها ومن فيها، ملك شخصي لهم ولأبنائهم، لا ينازعهم في هذا التملك الوحشي أي منازع، و كأنهم في العصور القديمة، كل ذلك أدى إلى تمزيق هذه البلدان وانهيارها إلى درجة لم يكن احد يتصور الحالة التي وصلت إليها:مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمخطوفين في كل مدينة و قرية، ودمار في كل مكان، وهجرة الناس من ديارهم و أوطانهم إلى غياهب المجهول.
من كان يتخيل يوما أن سوريا سيتم تدميرها بالكامل في اقل من (5) سنوات؟ أبناؤها وبناتها وشيوخها وشبانها يقتلون، والنظام الحاكم يستخدم الطائرات والقنابل والبراميل المتفجرة، و أسوأ أنواع الأسلحة ضد المدنيين. أي نوع من الحكام هؤلاء الذي لا يرى الواحد منهم في الحياة إلا ذاته وصورته ونفسه ومطامعه وأحلامه؟ حتى لو كانت على جماجم الملايين. وما يقع في سوريا يقع في العراق وفي اليمن وفي ليبيا .
هذه البلدان حكم كل منها حاكم انقض على السلطة فاغتصبها، واستأثر بالمال العام فانتهبه و سربه إلى البنوك الدولية، و فرض نفسه بالقوة و ليس بالقانون،و ابتذل المؤسسات فجعلها بلا قيمة، وجلس هو و أجهزته و زبانيته على رقاب الناس، وكتم أنفاسهم عشرين أو ثلاثين أو أربعين سنة. ولم يشبع، ولم يدرك كم كانت انجازاته هو تافهة وسقيمة، وما تم في البلاد من تقدم، هو انجاز الناس وعملهم، وجهدهم الذي بذلوه تحت ضغط الحكم وغياب الحريات، وتهديد الأعوان.. انه الحكم الفردي التسلطي، الحكم الاقصائي في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها. نفس السمات ونفس النتائج مضافا إليها تلك العدمية الفظة التي تهيمن على عقول ونفوس الحكام وأعوانهم و السياسيين و أنصارهم. وهي عدمية تغيب الأوطان وتلغيها، مقابل بقاء السلطة و النفوذ والمصالح . وصل الأربعة إلى الحكم لا بالانتخاب ولا بالاختيار ولا بالتوافق، وإنما على ظهر الدبابة وبقوة المدفع. فهم بداية فاقدو الشرعية والمشروعية. لم يفعل الإستعمار ما فعلوه في بلادهم،و لم يدمر هولاكو ما دمروه في أوطانهم. كل ذلك مقابل إنكار حقوق الشعوب بالمشاركة في إدارة أوطانهم ،و الإصرار على سلبهم حرياتهم و حقوقهم .
ففي العراق استعانت المعارضة بالأمريكان و إيران ضد صدام فتمزق العراق و هيمنت إيران على البلاد و خسر مليون إنسان. و في سوريا استعان النظام بروسيا و إيران و حزب الله ضد شعبه، فانهارت سوريا و تم تهجير 5 ملايين و قتل 300 ألف إنسان. واليمن يستعين الحوثي و صالح بإيران للاستيلاء على السلطة، و ليبيا تستعين طرابلس بالحركات الإرهابية. و في لبنان البلد الذي تمتع بقدر من الديمقراطية باع السياسيون وطنهم للمشترين الأجانب، و توقفت آلة الدولة و ارتهن انتخاب رئيس الجمهورية لعام و نصف وتعطلت قرارات الحكومة نتيجة لمواقف السياسيين الذين ينتظرون التعليمات من الخارج مقابل الأموال التي تحول لحساباتهم في البنوك الدولية.
إن الدول المتقدمة لم تنطلق في مسيراتها الحديثة إلا عندما أدركت بشكل قاطع أن التداول السلمي للسلطة، والتشارك بين الجميع في إدارة شؤون البلاد هو السبيل الوحيد للبقاء والتقدم. فأصبح الحاكم يأتي مؤقتا لخدمة الشعب و باختياره و إرادته .و هذا أعطى للحكم و للحاكم كرامة و كبرياء حقيقية وليست زائفة. كرامة أساسها الثقة الجماهيرية و ليس الدبابة والمدفع .لأنه جاء إلى الحكم ليس لصا سارقا للسلطة، و لا مزورا لإرادة الجماهير،و لا معتديا على الآخرين ، ولا مستقويا بالأجنبي.. لقد كان شارل ديغول بطلا قوميا، وتم انتخابه رئيسا لفرنسا دون تزوير، ولكنه قدم استقالته فورا عام 1969 و بكل كبرياء،نعم بكل كبرياء، حينما كانت نتيجة الاستفتاء على تعديلات الدستور ليس بالنسبة التي يريد. فارتحل في صباح اليوم التالي من قصر الاليزيه بكل الفخامة و الأبهة التي فيه، إلى قريته الصغيرة في الريف الفرنسي بكل التواضع و البساطة التي هي فيها. وقال ديغول: انأ لا احكم شعبا لا يريدني.
إن مدلول الحالة العربية أن الوطن بقيمته المادية والمعنوية العظيمة ، والوطنية بمفهومها الإنساني والأخلاقي و الاجتماعي لم تدخل العقل العربي بعد، ولم تتغلغل في النفس العربية حتى الآن ، و لم تصبح جزء من الضمير العربي ،و تتبخر بكاملها حين يصل الفرد إلى السلطة، و خاصة بطريق غير شرعي، سواء بالتزوير أو القوة أو الرشوة أو المحسوبية أو القرباوية أو الإستزلام أو التواطؤ مع الأجنبي.إن الإنسان العربي، و كما يقول روبرت فيسك، لا يشعر أنه يملك وطنه،و إنما يسيطر على شعوره أن الحاكم هو الذي يملك الوطن بكل ما فيه.، و لذلك لا يهتمون بالحفاظ على ما يملكه الحاكم.
إن الوطن لشيء ثمين والوطنية قيمة ايجابية سامية في جميع بلدان العالم ،إلا المنطقة العربية، فأغلب ما فيها تفريط في الأوطان.حتى السلوك اليومي للإنسان العربي ما هو إلا كذلك . أليس الغش والخداع، و الفساد والرشوة والواسطة و التكالب على الحكم والمال، و إقصاء الآخر، و تغييب العلم و العقل و العمل، و تدني الإنتاج، و امتهان المؤسسات، و تزوير إرادة الناس، و إذلالهم في دوائر الدولة، و العمالة للأجنبي، و التستر بالدين، والتطرف و الإرهاب، و عدم الإكتراث بالفقر والبطالة و المناطق المهمشة، أليس كل ذلك، و ما في حكمه، تفريط في الوطن؟ كيف يمكن للضمير العربي الفردي والجمعي أن يدرك قيمة هذا الشيء الثمين الوطن و المواطن؟ فلا يكون شريكا في هدمه وتدميره بوعي و غير وعي ؟. وكيف يمكن للإنسان العربي أن يتوقف و يقلع عن إبتذال القيم السامية لتصبح رداء زائفا للتحكم والسلطة والأنانية و المصالح الشخصية و الفئوية ؟ إن ما يجري في المنطقة العربية لهو أعمق و أكثر و أخطر من كونه فقط أنانية وحشية لحكام غير شرعيين اغتصبوا من الناس حقوقهم و مستقبلهم. إنها أزمة ثقافية أخلاقية وطنية و تربوية شاملة، إضافة إلى الجانب السياسي، تغطي المجتمعات العربية بأسرها.
فإذا أخذنا المؤشرات الأساسية لحالة المجتمعات مثل: مؤشر الديموقراطية و مؤشر الحاكمية الجيدة و مؤشر سلطة القانون و مؤشر السعادة و معدلات النمو الإقتصادي و متوسط الإنتاج الصناعي و الزراعي و مؤشر المعرفة نجدها منخفضة ،وفي مؤخرة دول العالم بعد أفريقيا جنوب الصحراء.. لماذا ؟ و إذا نظرنا في مؤشر الفساد و مؤشر الفقر و معدل البطالة و مؤشر التمييز الجندري (بين الرجل والمرأة) و مؤشر هشاشة الدولة و معدلات التصحر نجدها كلها مرتفعة ولا تسبقنا إلا أفريقيا جنوب الصحراء. مرة ثانية و ثالثة و عاشرة ... لماذا ؟ قد يكون هناك أسباب خارجية، إلا أن الخلل الكبير هو عربي داخلي، ولا فائدة من إنكاره أو تجاهله سنة بعد سنة و قرنا بعد قرن.
إن على المفكرين والمثقفين والعلماء والتربويين و الأكاديميين و القوى السياسية و منظمات المجتمع المدني والمدارس و الجامعات مسؤولية كبيرة في إحداث التغيير. و عليهم أن يضعوا البرامج و المناهج و الأفكار التي تعيد للمواطن العربي في كل بلد عربي ثقته بوطنه و مواطنته، و تجذر في ضميره و عقله أن الوطن ملك له و لا يباع لأحد أيا كان هذا الأحد. .. كيف يمكن للإنسان العربي أن يدرك ويفهم و يتصرف بأن الوطن والوطنية هي الحياة وليس الموت، و هي الحرية وليست العبودية و هي المستقبل و ليس الماضي و هي العمل و الإخلاص والجمال؟ وكيف يمكن للسياسيين أن يفهموا أن الوطن أغلى من أن يتم تدميره من اجل الحكم والسلطة؟ تلك هي المسألة .


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 26386
برأيك.. هل تكشف استقالة رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وصول الردع الإسرائيلي لحافة الانهيار ؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم